| مقـالات
من المفروغ منه أن الأمم قاطبة تحاول بشتى الوسائل المحافظة على هويتها باعتبارها تمثل تاريخها وتراثها ولارتباطه بوجودها وما قدمته للحضارة الانسانية من اسهامات عززت المسيرة الخلاقة للانسان على هذه الأرض ليكون مصدر فخر واعتزاز لها, ومن هذه الزاوية لم تنجح دعاوى الحداثة التي اعتنقها عن علم أو جهل أولئك الذين يتنكرون لتاريخهم باعتباره ماضيا انتهى دوره بينما التراث الذي تحافظ عليه كافة الأمم هو ركيزة ذلك الماضي الذي يحاولون طمسه أو الاعراض عنه لأن دولة كبرى مثل أمريكا تفتقر الى مثل ذلك الماضي الناصع وتهيمن على الشعوب الأخرى بالمخترعات الحديثة, وهذا تفسير خاطىء لأن زخم الماضي وثقله لم يكن عائقا أمام تقدم الشعوب وشق طريقها الحضاري بل ان الحضارات الانسانية انما قامت وتأسست على ذلك الارث الثقافي والدليل هذه المناهج العلمية التي تدرس في الجامعات والمعاهد العلمية منطلقة من ذلك الارث وليست منفصلة عنه بصرف النظر عن بعض السلبيات التي لا يخلو منها أي توجه أو جهد بفعل الاضافات والاكتشافات التي تتوالى في هذه المسيرة التي تجدد وسائلها وأدواتها الحضارية, ولنضرب المثل بدولة علمانية تعيش في ظهرانينا وتهدد مكتسباتنا ونعني بها اسرائيل العبرية التي استطاع أفرادها في الشتات المحافظة على هويتهم بل اخضعوا الدول الأخرى لإرادتهم, وهاهي هذه الدولة الصغيرة تتفوق علينا علميا وعسكريا من منطلق تراثي قبل أن يكون دينيا رغم ارتباطهما الفعلي وهو ما نكاد نهمله كمسلمين ولا نجعله رابطة تشعرنا باخوتنا المنتشرين في مشارق الأرض ومغاربها بسبب ضعف الوازع وتجاهل عمق تلك الرابطة الإلهية التي لا نتذكرها إلا في المناسبات الدينية مثل الصيام وتأدية فريضة الحج مع أن عمق تلك الرابطة يؤكده وقوفنا امام الخالق خمس مرات سبحانه وتعالى يوميا, إذن فلنعترف بتقصيرنا رغم ما تحاول بعض المؤسسات الدينية أن تحققه في جمع هذا الشتات كرابطة العالم الاسلامي التي تحتاج الى دعم من كافة الجهات الاسلامية وليس الدولة فحسب لأن الدين يبعد عن الأذهان كافة الشوائب والخرافات وكذلك الهجمات الشرسة التي تمارسها بعض المؤسسات والنظم الأجنبية لاضعاف هذه الرابطة التي تزعجها وتحول دون تحقيق أهدافها التنصيرية والسياسية الكالحة, ما دفعني الى معالجة موضوع الهوية هو مالاحظته من زياراتي القصيرة لأقطار عربية وهي ما تلفت نظر المراقب من احتشاد عناصر من شتى بقاع العالم في هذه الأقطار مما سوف يكون له تأثيره السلبي على هوية وثقافة هذه المنطقة وحتى لو تركنا السلبيات الاقتصادية التي تفرزها هذه العناصر الوافدة فإن الخوف من الافرازات الثقافية التي سوف تعمل على محو الهوية العربية واحلال ثقافة وعادات دخيلة على البلاد لاسيما من العناصر التي لا تتحدث باللغة العربية التي تتواجد بكثرة في مختلف المرافق العامة مثل الفنادق المطاعم المقاهي وأماكن التسوق وحتى سائقي عربات الأجرة والخدم في المنازل وغيرهم, ولا اعتقد أن قادة هذه الدول قد فاتتهم هذه الملاحظة إنما ننتظر منهم بدء الخطوات وبسرعة لمعالجة هذه المشكلة باعتبار معالجتها مسؤولية تاريخية.
|
|
|
|
|