| مقـالات
مساء الجامعات أو بعض الجامعات في المساء إلى أين؟ سؤال كبير وملح وهو أن كثيراً من جامعاتنا أصبحت تملك مدنا جامعية تعد مساحتها بالكيلو مترات، وتملك من المباني والوسائل والأدوات الكثير إلا أن هذه الإمكانات والمباني تكاد تكون مهدرة في الفترة المسائية أي ما بين الرابعة عصرا والتاسعة مساء تقريباً فجدوى تشغيلها وجدواها الاقتصادية في ضوء عملها في وقت الدوام الرسمي فقط منخفضة جدا فيما عدا ما يقام احيانا في بعض وحداتها من دراسات عليا أو دورات قصيرة في مراكز خدمة المجتمع وبعض الأنشطة الرياضية, وهو ما يعني أن بقية الوحدات وهي الأكثر مقفلة وأن تلك الأنشطة أو العمل في المساء محدود واستثناء وثانوي حتى أن بعض كليات الجامعات درجت على تقديم الدراسات العليا في الفترة الصباحية على الرغم من كثرة الإقبال عليها من طلاب المرحلة الجامعية وشكواها من قلة الأمكنة وأعضاء هيئة التدريس وفضلا عن ذلك كله أليس في ذلك تضييق وحرمان للراغبين في الالتحاق بالدراسات العليا ومواصلة تعليمهم لان ذلك يعني ترك أعمالهم والتفرغ الصباحي للدراسة وهو اتجاه تعجيزي فالكثرة من الراغبين لا تستطيع ذلك ولهذا يتجه كثير من طلابنا بسبب هذه الشروط وتحديد هذه الأوقات إلى مواصلة دراساتهم العليا في الجامعات العربية وغيرها ومن هنا تعاني جامعاتنا من قلة طلبة الدراسات العليا ولكل ذلك مخاطره وآثاره السلبية عليهم وعلى مستوى تحصيلهم ومستوى رسائلهم هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى فإنه تفتح كل عام لدينا العديد من الأقسام والكليات الجامعية وحاجتها إلى المؤهلات العليا ملحة فضلا عن حاجة الأقسام القائمة المتجددة ومن ثم فإن ذلك يعني العودة إلى نظام التعاقد وكأننا عدنا القهقرى وأن مبدأ السعودة مبدأ نظري أو أنه لا يشمل الجامعات, إن للجامعات أن تشترط ما تشاء من الشروط العلمية في المتقدمين إليها والرسائل المتخرجة فيها وأن تجيز الطالب والرسالة المتميزة في مرحلة الدراسات العليا لكن ينبغي أن لا تحول الجامعات بين الراغبين المتوفرة فيهم تلك الشروط وبين تلك المرحلة بشروط إجرائية وثانوية كتحديد الدراسة في تلك المرحلة بالفترة الصباحية فأبناء المجتمع ليسوا كلهم معيدين مفرغين للدراسة ثم ان فيهم عصاميين وقدرات علمية تستطيع الجمع بين العمل والدراسة بجدارة وبالشروط التي تحددها الجامعات سواء في قدراتهم أو مستوى ابحاثهم وهنا ينبغي للجامعات أن تتذكر أن من بين علمائها وأساتذتها المتميزين من سلكوا الطريق نفسه وليس فيه أي غضاضة بل إنها تضرب بهم المثل في القدوة والعصامية فلماذا تحرم بعض الجامعات أبناء المجتمع الذين يريدون أن يسلكوا الطريق نفسه ويتحلوا بالشروط المرادة والعصامية نفسها؟
ثم لماذا لا تتحول ساحات الجامعات في الفترة المسائية إلى حلقات بحث ومناظرات علمية ومحاضرات وأنشطة ثقافية وندوات ومعارض علمية وإقامة العديد من الدورات والدبلومات في مختلف المجالات سواء في مجالاتها أو بالتنسيق مع القطاعين العام والخاص في المجالات الأخرى بدل الاكتفاء بالنزر اليسير من الدورات أو الأنشطة الرياضية وهدر وقت بقية وحداتها مساء وجعلها تعيش نصف يومها الثاني خاوية على عروشها تشبه المدارس العامة وهو وضع يتنافى مع مفهوم الجامعة ورسالتها في المجتمع ودورها التنويري والتثقيفي فضلا عن العلمي وفيه هدر اقتصادي كما أسلفت لمبانيها ووسائلها وإمكاناتها المكلفة وتشغيلها وحسن توظيفها، ولم نر هذا الوضع في كثير من الجامعات المرموقة في كثير من الدول, إن ابناء المجتمع ليسرون عندما يذهبون إلى الجامعة بدل الأسواق أو الاستراحات مثلا أو حتى الفراغ فيجدون في بهوها وردهاتها ومدرجاتها الكبيرة ما يشدهم ويحتارون معه في الذهاب إلى حلقة بحث أو ندوة علمية أو مناظرة أو مناقشة أو مسابقة أو حتى مسرحية هادفة أو معرض كتاب دائم لآخر ما ظهر في مختلف العلوم أو معرض أثري أو ورشة عمل قائمة تتناول في كل مرة مجالا من المجالات أو دورات قصيرة وطويلة ومفتوحة لمن يريد أن ينمي معلوماته أو مهاراته من أبناء المجتمع مجانا أو برسم زهيد، ونحو ذلك كثير مما يمكن ان تقوم به الجامعات وتقدمه في المساء بدل ليلها الطويل وقبل كل ذلك إعلام جامعي ينجح في التعريف بتلك الأنشطة ويشد المجتمع إليها ولا يفتأ عن توثيق العلاقة بين الجانبين بكل الوسائل إلى درجة نقل بعض أنشطة الجامعات إلى ساحات المجتمع ومنتدياته الأخرى سواء في مراكزها في المدن الكبيرة أو في مدن الأقاليم والمناطق الأخرى بوسائل التقنية الحديثة وامكاناتها الفنية الضخمة المتاحة في هذا العصر إنني لا أبالغ اذا ما قلت ان بامكان الجامعات نقل ما ينسجم مع رسالتها ويحقق أهدافها العلمية والثقافية من أوجه أنشطة الجامعات العربية والعالمية بوسائط تلك التقنية وستجد عندئذ من الحضور والزوار الأعداد الكبيرة ويكون مساؤها عامراً وفاعلاً بدل الآلية الروتينية التي تخيم على كثير من وحداتها وتجعلها أقرب إلى مؤسسات أدنى منها بكثير.
|
|
|
|
|