| عزيزتـي الجزيرة
لا يخفى أن الله سبحانه امتنَّ على عباده وتفضل عليهم بالنعم الكثيرة والخيرات الوفيرة التي لا تعد ولا تحصى، قال سبحانه: وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها وأمرهم بشكر هذه النعم وأوجب ذلك عليهم، فقال سبحانه: فاذكروني أذكركم وأشكروا لي ولا تكفرون ووعد من شكره بالزيادة والخير الكثير كما أنه توعد من كفره بالعذاب الشديد، قال تعالى واذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد .
وأصل الشكر هو ظهور أثر نعمة الله على عبده بالاعتراف والإقرار بها باللسان واعتقادها بالقلب والانقياد والطاعة بالجوارح، فكما أن الشكر يكون باللسان فإنه يكون بالفعل، وذلك بأداء ما أوجب الله وترك ما حرم الله والوقوف عند حدوده، فأداء الواجبات التي أوجبها الله على عباده والبعد عن كل ما حرم الله عليهم والوقوف عند حدوده هو حقيقة الشكر الذي أمر الله به عباده,ومما يلاحظ في هذا المقام الإسراف والتبذير الحاصل من كثير من الناس والمباهاة في المآكل والمشارب خاصة في الولائم وحفلات الأعراس ونحوها، ومن ثم إلقاء ما تبقى من الأطعمة والنعم في الزبائل وأماكن القاذورات والطرق الممتهنة، ولا ريب أن هذا من كفر النعمة وسبب في تحولها وزوالها ويخشى على من فعله العقوبة العاجلة، نسأل الله العافية.
قال الله سبحانه محذراً عباده من الإسراف والتبذير: يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين وقال سبحانه: ولا تبذر تبذيرا, إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ، وقد جعل الله سبحانه من صفات أهل الإيمان والاستقامة أنهم وسط في الإنفاق بين الإسراف والتقتير فقال سبحانه: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ,كما أنه سبحانه حذر من كفر النعم وتوعد من فعل ذلك بالوعيد الشديد كما في قوله تعالى :لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد .
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل على عائشة ذات يوم فرأى كسرة ملقاة فأخذها فمسحها ثم أكلها وقال: ( يا عائشة أكرمي كريما فإنها ما نفرت عن قوم قط فعادت إليهم) رواه ابن ماجه.
وله شاهد من حديث أنس مرفوعا: (أحسنوا جوار نعم الله جل وعلا لا تنفروها فإنه قل ما زالت عن قوم فعادت إليهم) أخرجه أبو يعلى في مسنده.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بأخذ اللقمة إذا سقطت وإماطة ما بها من أذى وأكلها، كما في حديث أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث وقال: (إذا سقطت لقمة أحدكم فليأخذها وليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان) خرجه مسلم في الصحيح، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث اصابع فإذا فرغ لعقها, كل ذلك يدل على وجوب حفظ النعم وصيانتها وعدم ابتذالها وامتهانها.
فالواجب على أهل الإسلام أن يتقوا الله في ذلك وأن يحذروا أسباب سخطه وأن يقابلوا نعمه عليهم بشكره، فلا يحل لمسلم أن يتساهل فيما فضل عن حاجاته من الطعام والمأكل والقائه في أماكن الأذى والزبائل النجسة، بل يجب عليه أن يحفظه ويصونه في مكان طاهر بعيد عن الامتهان تأكله الدواب والهوام ومن شاء الله، كما أنه يجب على ولي أمر البيت ان يذكر أهل بيته بوجوب حفظ النعم وصيانتها عن أماكن الأذى والزبائل التي تلقى فيها القاذورات والنجاسات، نسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يصلح أحوال المسلمين ويمنحهم الفقه في دينه وأن يوفقنا وإياهم لشكر نعمه والاستعانة بها على طاعته إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
علي بن فهد أبا بطين القصيم
|
|
|
|
|