للزمن صوت,.
يخيّل إليَّ أنه ذو نبرات تغض هاجعاً في الإنسان، وتنوِّم صارخاً فيه,,، صوتٌ يدكُّ كلَّ رسيس يمضي به الزمن، وهو في اكتساحه، لأنه كالريح في تلك,,، وصوت يبعث الخافت منه في مروره الانسيابي، كأنه يحمل في يده مفتاحاً لأزرة الرسيس كي تنطلق في نغمها,,، حتى إذا ما اصطاد معه وهو يمضي، وجمع إليه في عبوره، ولملم ما انضوى تحت جناحيه الواسعين بسعة كلِّ من يهيمن عليه,,
جاء هذا الصوت كتاباً مفتوحاً,, قد نُقِرَ، ونُقِش، وزيِّن، وزُخرف بكل ساكنة وشاردة وواردة وناطقة، وباطنة وظاهرة، وعالية وخافضة، وعميقة ومتسطحة، للإنسان.
للزمن صوت
يعرفه من يعرف الزمن,.
وبمثل ماله صوت,, له عصا,.
يَتَوكَّأُ عليها أحياناً حتى لتظنَّ أنه واقفٌ لا يمشي، أو هو يفعل ولكن ببطء,, فيما هو يَعبُرُ بكَ عبوراً كاسحاً سريعاً آخذاً بتلابيب كلِّ شيء فيك، ولك، وعنك,.
عصاه إن نزلت بك جلدتك,, حتى لا تفيق,,، او مسَّتكَ حتى تتلمس مواقع الوخز فيك، وهي إن مرت بك دون ان تلمسك حرَّكت فيك ما سكن من الخوف، أو مرّدت فيك ما خُفِيَ من التحدي,.
وهي إن لم تفعل وعبرت بغيرك,, فإن كنت ذكياً اتَّعظتَ,,، وإن لم تكن سَدَرتَ، وفي الأولى لك حماية، وفي الأخرى لك غواية,.
وعصا الزمن قاسية,.
هي ليِّنة هيِّنة,, لكنها شديدة الوطأة,, تصيبك إن أصابتك إما إصابة تذكير، أو تعبير، أو في مقتل,.
فإن ذكَّرتك وتنبَّهتَ واحتطت، عَبَرَت تُداعِبُك، وتراودكَ بقدر عزمكَ، وقوَّتك,, وان اعتبرت كنت باعتبارك ذكياً لا يُخشى عليك,.
وإن قُتلت فلقد كنتَ نائماً، غير مبالٍ، عليك بنفسك حتى تتيقظ,, فإما استعدت ورقَّمت، وقوَّمت، وأقمت نفسك,,، وإما عدت للذعات العصا,.
والزمن له عينان,.
لأيهما تكون,,، تدرك من تكون,.
إن جئت في مجراهما,, سلَّطت على نفسك ذلك الاشعاع الذي ترسلانه,.
فإحداهما نار,,, وإحداهما نور,,.
فإن كنت واعيا لهما,, نزل عليك النور برداً فكانت حياتك سلاماً,.
وإن غفلت عنهما,, نزلت عليك النار فأحرقتك بقدر موقعك منها,.
وبرد الزمن هيناً كالماء الزلال,, والهواء الرطب,, والنسمة العليلة,, والعاطفة الجميلة,, أما ناره فحارقة,, قاضية,, ملتهمة,, مذيبة,.
فأيهما أنت؟!
من صوت الزمن,,، وعصاه,, وناره,, ونوره؟
والزمن,.
يجلد بمثل ما يُربِتُ,.
ويُعطي بمثل ما يأخذ,.
ويبني بمثل ما يَهدمُ,.
ويُبكي بمثل ما يُضحكُ,.
ويُسعدُ بمثل ما يُشقي,.
ويستر بمثل ما يكشفُ
ويفي بمثل ما يخدع,.
ويقسو بمثل ما يلين,.
وهو,, الذي يمرُّ بك ولا تمرّ به,.
وتمرُّ به دون أن تلمسه,, إلا متى اعترضك صوته، أو عصاه، ناره، أو نوره,.
فأين أنت من زمنك؟
وكيف أنت معه,, ومع ناره ونوره؟
يأتيك صوته أو عصاه,,برئاسة خادم الحرمين الشريفين
|