| الثقافية
يفهم من مادة ث, ق, ف في القاموس العربي، في أحد معانيها، بأنه ليس مجرد اكتساب المهارات اللازمة في الحياة البشرية وحسب ولكن الحذق فيها أيضا, فكأن المقصود بالثقافة، والحال هذه، حذق جميع المكتسبات من عقيدة أو خبرة، أو عادة أو سلوك.
ولما غدا عالم اليوم بفعل التطور الهائل في وسائط الاتصالات أشبه بقرية، أو القرية الكونية كما يسميها البعض، فقد أصبح اكتساب جوانب الثقافة أمراً مفروضاً, ونجد ان ما يمكن أن نصفه بالثقافة العربية أو الاسلامية أو الأمريكية أو الأوروبية أو الصينية,, الخ غداً يضمحل ويتلاشى شيئا فشيئا في ظل الاتصال الكوني بين الشعوب والأماكن عبر الوسائل المتعددة للاتصالات، وخاصة عصر الفضائيات والانترنت بسبب التبادل الثقافي, ومن هنا فأجد مكتبة الملك عبدالعزيز العامة قد وفقت حينما اختارت مسمى مستقبل الثقافة في العالم العربي عنواناً للندوة الثقافية العالمية التي نظمتها خلال الفترة من 21 الى 23 نوفمبر 2000م وربما انطلاقاً من هذه الرؤية يجوز أن يكون اسم الندوة مستقبل الثقافة في العالم ، لكن اهتمام مكتبة الملك عبدالعزيز بالعالم العربي والوطن الاسلامي المعروف عنها وانبثاقها منهما ومعالجة قضاياهما ومن بينها قضية الثقافة ما فرض على نفسها التقيد بهذا المسمى.
وعلى الرغم من تسليمنا باتساع دائرة الثقافة في العالم العربي وأنها لم تعد عربية صرفة كما كانت قبل حوالي قرن من الزمان، فانه يجب ألا يغيب عن البال وجود الخصائص المميزة لهذا الوطن العريض من العالم، وأعني بتلك الخصائص خاصية العقيدة التي انصهرت فيها الأعراق والقبائل المختلفة والجذب في نطاقها عبر الزمن, بل انها تعدت الحدود الاقليمية العربية لتضم شعوبا وأعراقاً جديدة ثبت على مدار التاريخ الاسلامي مدى التحامها مع ما هو عربي بالعرق وأعني أمم الترك والفرس والأكراد والهنود وما التفاعل الذي يحدث في ديار تلك الأقوام ونشهده اليوم عبر الفضائيات مع قضية القدس ضد العدوان اليهودي السافر على اخواننا في فلسطين واستنكارهم له واعلان الجهاد ضده الا دليل لا يقبل النقاش على التحام تلك الشعوب مع الشارع العربي من منطلق هذه الخصيصة العقدية، فأرى انه يجب الافادة منه والانفتاح عليه والبعد عن التقوقع والانغلاق في دائرة العرقية والقومية بل القبول بذلك يعد مكسباً ثقافياً راشداً متى تحقق.
وأمر آخر أود التنويه عنه أرجو أن يتحقق لهذه الندوة المباركة بإذن الله وهو التوصية على الأخذ بمبدأ الحوار الثقافي الجاد المبني على احترام الآخر والثقة المنوطة بالصدق في الوصول الى الحق بعيداً عن المباهاة أو السخرية أو الكبر، وفي هذا ما يؤدي لبناء روح الانسجام والوئام في المجتمعات العربية خاصة والاسلامية عامة، ويزيد تماسك بناء الأمة مما نحن بأمس الحاجة اليه ويتعلق بهذا التطلع أن يقدم المشاركون في الندوة سبلاً عملية للحوار المفيد تجعل للرأي قيمة وتكون نبراساً لمستقبل من يمارس الفعل الثقافي في الوطن العربي والاسلامي.
وأرى ان مما يجدر ذكره هنا بعض المنطلقات الحوارية التي يدعو اليها الاسلام ويؤكدها القرآن الكريم اذ يقول مثلاً: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي البقرة 256 وقوله: ولا تقف ما ليس لك به علم,, وقوله: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن,,, وقوله: ادفع بالتي هي أحسن,,, وقوله: وإنا أو إياكم لعلي هدى أو في ضلال مبين وغير ذلك كثير من القيم الحوارية الحضارية الرائعة التي جاء بها الاسلام.
وختاماً ارجو من الله لهذه الندوة أن تبلغ أهدافها وأن يأخذ بأيدي القائمين.
*عميد شؤون المكتبات بجامعة الملك خالد بأبها
|
|
|
|
|