| عزيزتـي الجزيرة
خروج الأسرة للتبضع من الأسواق ليس المفزع في حد ذاته، طالما يتم في نطاق الحشمة والابتعاد عن مظاهر الزينة، بل المفجع ان تخرج بقصد ازجاء الفراغ والتسلية، فتمضي وقتها متنقلة بين الأسواق دون حاجة محددة، أو ان تدخل محلات البيع، فلا تفتر تقلب كل ما تراه أمامها، من ملابس وخلافه، تركض دون هوادة، نحو كل شيء يبرق أمامها، فهي تريد الشراء لا لحاجة معروفة، بل لإرضاء ذلك النهم المتربع بين الأضلع، هذا التوجه نجده أيضا لدى بعض الرجال، ممن ابتلوا بحب المظاهر، فالكثير من هؤلاء وأولئك ينفق المال دون حساب، والمحصلة أكوام من الملابس والكماليات، والتي ربما تنسى في حينها دون استخدام ولو لمرة واحدة، وهو مايعني الإسراف والتبذير وهدر المال في غير حاجة، وماذلك إلا نتيجة انعدام التخطيط والتفكير السليم لما هو ضروري قبل الوصول إلى محلات البيع ومن ثم الوقوف عند حد المطلوب دون زيادة، فلانشتري إلا ما كان موجوداً في قائمة الاحتياج، وترك العشوائية في الشراء لما ينتج عنه من ضياع لموارد الأسرة والذي لو تم توفيره لكان أجدى وأنفع, فليس كل ما يطلب المال من أجله تلكم الكماليات فقط، أو حتى شراء الأغذية التي تزيد عن حاجة الناس كما نفعل في بعض المناسبات فهناك الكثير من المتطلبات والتي هي في حكم الضروريات لجميع الأفراد كالعلاج والتعليم والمواصلات, ثم إن الادخار لهذه الاحتياجات مجتمعة ومتفرقة بالغ الأهمية، فالملاحظ أن الوسطية - عند الصرف على المستلزمات المستهلكة شبه مفقودة لدى غالبية أفراد المجتمع، وهو ما يدعو لأن تقوم وسائل الإعلام وخطباء المساجد بتبني برامج توعوية تنبه الناس (رجالاً ونساء) إلى التبصر في جميع الأمور، ما يأخذون وما يدعون، وأن يحسنوا التصرف في الانفاق، وبذل المال في طرقه ومجالاته المحمودة، ماكان يتعلق بالقوامة أو سبل الخير الأخرى، وهي كثيرة، مع التأكيد على أهمية الادخار بدلا من بعثرة المال في احتياجات ليست ضرورية، وهو ما يعتبر من المنظور الشرعي اسرافاً يذم عليه صاحبه، بل إنه قد يأثم بفعله، وكلنا ندرك أن المال عصب الحياة وهو زينة كما وصفه الرب سبحانه بقوله (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) فلاحياة بدونه، وهو قوة الأمة وأحد أسباب التمكين وصد العدوان عن المقدسات والحرمات، مع مايمثله للأسرة من الحماية عن الحاجة والعوز كما حصل ويحصل لأناس فرطوا في أموالهم سواء في الأسفار بدعوى السياحة وهو غير قادر اصلاً على تحمل تبعات مثل ذلك ولكنه التقليد، أو في شراء الكماليات وإغراق الأسرة بما تحتاجه وما لا تحتاجه بدعوى الترفيه عنهم وهي دعوى تحتاج إلى وقفة تأمل لتحديد اللازم والضروري وترك ما يدخل في مجال المباهاة وإثارة نفوس ذوي الحاجة، إذ لا تلبث تلك الأسرة المأسورة بالمظاهر واللهاث وراء رغباتها المنطوية على حب المحاكاة والقفز غير المحسوب أن تحس بعاقبة تصرفاتها الفجة، لتبدأ المعاناة حين تقصر مواردها عن الوفاء باحتياجاتها الضرورية واللازمة.
ونورد هنا مثالا يوضح بعض عمليات الشراء التي تجلب المتاعب لأهلها مثل أن يرمي انسان نفسه في شرك الديون ويتحمل أقساطا شهرية تفوق قدراته المادية، وتشكل عبئاً على متطلبات أسرته فلا يلبث ان يعلن عدم استطاعته الوفاء بتلك المستحقات وإن كانت الشركات المتعاملة بنظام التقسيط غير معفية من مسؤولية تكبيد الناس فوق طاقتهم باغرائهم أولا في الشراء ثم فرض الأقساط الباهظة وغير المعقولة مع الدخول كأن يكون الراتب الشهري للمستدين أربعة آلاف أوخمسة ويطلب منه تسديد قسط شهري يصل إلى ألف وخمسمائة أو ألفي ريال وهو مايؤثر على احتياجات أسرته، والمفروض ان تراعى ظروف الناس ولا تستغل حاجتهم في شيء طرفاه شخص مغلوب على أمره تحت وطأة الحاجة لسيارة أو أرض وما في حكم ذلك وشركة همها زيادة أرباحها وتكديس الأموال في المصارف، وقد تسأل بعض هذه الشركات أو كلها ماذا تريدونا أن نفعل ونحن نستثمر أموالنا فنذكرهم أن لوطنهم ومواطنيهم حقوقاً أقلها أن يراعوا عملاءهم بانظارهم في حالة إعسارهم ثم الرفق بأحوالهم وعدم تكبيدهم الاقساط الكبيرة حتى يمكنهم الوفاء بسداد ماعليهم من التزامات أخرى لأسرهم وهو ما يعني التكافل الاجتماعي وينعكس أثره الطيب على الشركة وأهلها وعائلاتهم وإن كنا لانبرىء الأسر وأولياء الأمور من مسؤولية الزج بأنفسهم في أتون الديون دون النظر في عاقبة الأمر، فالبدائل كثيرة ولا بد ان يكون من بينها مايغني عن هذا الاندفاع نحو أخذ مبالغ كبيرة لشراء منزل أو سيارة وما في حكمه ويكون فيه مشقة على الأسرة وتعكير لحياتها نتيجة عدم الوفاء بمستلزماتها الأخرى وهو ما يوجب الحذر ومواءمة ضبط الدخول مع جميع المتطلبات، فالمغريات كثيرة والكل يطمح في حياة مرفهة والظهور بمظهر الأقوياء لكن هناك امكانيات لا بد من مراعاتها لتستقيم الأمور ونسلم من المساءلة ومايجره هذا من مشاكل على المجتمع بكل فئاته, فهل لنا أن نبدأ في تبني برامج تحدد وتؤطر مصروفاتنا كأفراد ولا سيما أن الكثيرين باتوا شاكين من قلة الموارد وهو مايعني الحاجة إلى تنظيم نستطيع من خلاله تأمين احتياجاتنا غذائية كانت أو كمالية أو علاجية وبشكل متوازن ومعقول وإن كانت فواتير الكهرباء والهاتف والمغالاة في الأسعار تغص المضاجع وتؤلم ذوي الدخول المحدودة إلا أنه لا بد من التصرف المدروس فلربما ساعد هذا على تنظيم حساب المصروفات للأسر وبالتالي تقل الشكاوى المتكررة في كل مناسبة تمر بنا خلال العام الواحد صيفا وشتاء وفي شهر رمضان المبارك وبداية الدراسة لكلا الفصلين والأعياد ناهيك عن مناسبات الزواجات وزيارات الأقارب والاصدقاء.
نعود ونؤكد على موضوع الادخار وأهميته لمستقبل الأسرة والأهم من ذلك أن نسترشد في تصرفاتنا كلها وفي كل ما نأخذ وما ندع بقول الحق (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبدالله بن عبدالرحمن الغريب
|
|
|
|
|