| عزيزتـي الجزيرة
اطلعت على ما عقب به الأخ الأستاذ الفاضل محمد التركي البكر رداً على مقالي الذي استنكرت واستكثرت فيه ما قام به الأستاذ البكر من نقل حرفي لما يزيد عن الصفحتين من مقالات متعددة للكاتب الراحل أحمد حسن الزيات، تحكي احداث فلسطين في الثلاثينات الميلادية، وحسبت أن الأخ البكر سيعتذر عن زلته فلكل جواد كبوة ولكل صارم نبوة، والخطأ جبل عليه ابن آدم وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، ولكن الأستاذ للأسف لم يفعل بل كابر وامتطى صهوة الجدل واختلق من الأعذار والمبررات ما لا يقبل ويا ليته سكت!.
ولكم كنت أتمنى أن يوافينا البكر برد علمي موضوعي، والحقيقة أنهما تجسدتا سلفا في الاعتراف بالخطأ والاعتذار والرجوع إلى الحق, فالموضوع لا يحتمل أنصاف الحلول ولا يختلف عليه اثنان وهو أوضح من أن يوضح كالشمس في ريعان الضحى لا تخالطه شبهة ولا تلابسه غمة، فسبعون سطرا تنقل حرفياً وبالنص من كتاب الزيات دون إشارة للمصدر لا من بعيد ولا من قريب أمر، لن يستطيع كائن من كان أن يبرر أو يعتذر له.
وقد أرسلت قصاصات مع مقالي الأول لمقالة البكر ولكتاب الزيات (المنقول منه), ولكنها حجبت للأسف لاسباب فنية، ولمن أراد الاطلاع فليرجع إلى مقالة البكر في عدد الجزيرة تاريخ 27/10/2000م، وإلى كتاب الزيات (وحي الرسالة) الجزء الأول صفحات 78، 79، 354، 457،458،459, وقد تحامل الأستاذ البكر أسأل الله لنا وله المغفرة على شخصي وتقول علي ما لم أتقوله وحمل علي ذنباً لم آته ولا جريرة ولا جناية إلا اني تجرأت وجليت الحق وبينت الحقيقة، وأقول: أخبرني يارعاك الله كيف تسرعت بالرد عليك والحق أبلج فأكثر من نصف مقالك منقول نقلا حرفياً وبالنص، فكيف اعتذر لك؟! ثم تزعم أني وصفتك بالجاهل؟!, وأنا الذي تدخلت في مسمى وظيفتك الرسمية واستكثرتها عليك واتهمتك بانتسابك إليها!, واقول: البينة عليك! فمتى وصفتك بالجاهل؟ وقل لي بالله كيف تدخلت في مسمى وظيفتك الرسمية ولست أعلمها من الأساس!! واي كلمة قلتها تدل على أني استكثرت عليك وظيفتك! فرفقا بي أخي الكريم، فإن ما تساءلت عنه بخصوص مسمى (خبير التعليم) لم أرم من ورائه شيئا غير أن هذا المسمى لم يمر علي من قبل فأحببت الإحاطة والعلم به لا أكثر.
إنا لقوم أبت أخلاقنا شرفاً أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا |
لقد لاحظت أن الأستاذ البكر في مقال الرد قد بالغ في مدحه لنفسه واستعظامه لذاته تعدى معه الحد وجاوز فيه القدر حيث جعل من نفسه واحد عصره وقريع زمانه حتى لكأنه جعل من الفضل والعلم والأدب حمى لا يطأه سواه,,!!
الكبر تبغضه الكرام وكل من يبدي تواضعاً يحب ويحمد |
فهو (سحبان) أهل حائل وأفصحهم، وما من مناسبة (ولا بكر) يخطب فيها فلا قيمة ولا وجاهة لها فهل يعقل هذا,,؟! فماذا سيفعل أهل حائل بعد البكر,,! وما أعلمه أن منطقة حائل معين لا ينضب من الأدباء والمفكرين والخطباء، عموماً أهل حائل أعلم بالحقيقة وبما حدث به البكر! ويواصل البكر الحديث عن نفسه وإذا به يحدث حديثا أقسم بالله إنني لا أعلم أحدا قاله من قبل ولا أظن أنه سيأتي من يدعيه! فهل سمعتم بأحد يحفظ وعن ظهر قلب كل مؤلفات ا لزيات والمنفلوطي والرافعي والجاحظ والعقد الفريد حتى الجزء السادس ومجموعة جبران خليل جبران والخلق الكامل (وغيرها كثير بل ويحفظ كل كتاب يقرؤه,,! فحدثنا بما نعقل أيها الأخ الكريم,,!!
وما كفاك كل ما سبق بل وذكرت بيتين من الشعر وصلت بهما حد الغلو في تعظيم النفس وتمجيد الذات فاستشهدت بقول الشاعر:
فليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد |
يقصد نفسه ولا حول ولا قوة إلا بالله!, والبيت الثاني قول الشاعر:
إنا ابن بجدتها علماً وتجربة سائل بسعد تجدني أعلم الناس |
وأقول حنانيك يا صاحبي أرفق بنفسك ولا تحملها ما لا تطيق فمن تواضع لله رفعه والعاقل لا يحدوه حادي الخيلاء ولا يثني اعطافه الزهو والعجب.
إذا شئت أن تزداد قدراً ورفعة فلن وتواضع واترك الكبر والعجبا |
وعلى أية حال من مدح نفسه بكل هذا فقد كفانا مشقة الرد عليه!! وأما اعتذار البكر عن نفسه محاولا تبرير فعلته فقد حاول وفقه الله أن يتبرأ من الذنب وجادل لنفسه ولكنه للأسف لم يحسن التنصل مما رمي به فكانت حجته ضعيفة وأدلته أوهن من بيت العنكبوت فكان رده للأسف بادي التكلف مشبعاً بالخلط والخلل، كلام مبهم تحار فيه البصائر وتعرض عنه القلوب,,!! فقد استفتح اعتذاره بقوله :إنني عندما أكتب مقالا فإنها تزدحم الأساليب والألفاظ في مخيلتي ولقد اجتهدت في فهم معنى عبارة (ازدحام الأساليب والألفاظ التي في مخيلة الكاتب) فألفيتها عبارة ضبابية في منتهى الغموض والإبهام فكيف تزدحم الأساليب والألفاظ في مخيلة الشخص حتى لا يعود معها يفرق بين إبداعه وإبداعات الغير فتختلط عليه الأمور وهذه حجة ما سبق أحد البكر عليها، وأظنها مجرد جملة إنشائية لا تسمن ولا تغني من جوع, ثم أضاف في معرض اعتذاره لنفسه: مضافاً إليه انسياقي في قناعتي التامة بأن حفظي لهذه المقالات والنصوص يبيح لي كتابتها), وهنا تأتي قاصمة الظهر، فأنت لست نكرة مجهولة في الثقافة الأدبية كما تقول عن نفسك وأنت أيضا خريج كلية اللغة العربية فلو كانت من غيرك ما عذرناه فكيف برجل أديب ومثقف فالمصيبة ولا شك أعظم.
يقضى على المرء في يوم محنته حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن |
وكان إمام البكر في هذه القناعة أديبا مجهولا لا يعرف له اسم ولا مكان ولا زمان استقوى به البكر واستدل به حيث قال هذا الأديب المجهول (إن من حفظ نصا وأتقنه امتلك ناصيته) فإن كان امتلاك الناصية يعني الاستشهاد بالنص مع الإشارة للمصدر فلا نختلف وأما إن كان المقصود هو سلب المبدع إبداعه ونسبة ما نحفظ من النصوص لأنفسنا وهذا كلام في غاية السخف والخطورة وهو قول مردود لا ينهض ولا أعلم كيف ينتصر له رجل بمكانة البكر الأدبية والذي كتب ما يربو عن مائة وخمسين مقالا (والتي أخشى أن تكون من محفوظاته) وبمنطق البكر لا يكون للسرقات الأدبية وجود وهي التي أفنى أدباء وعلماء أعمارهم في حصرها وجمعها ونقلها وتأليف الكتب عنها، فبيان السرقات يعتبر فناً من فنون الأدب وأمر السرقات معلوم منذ القدم وفي ذلك قال حسان بن ثابت:
لا أسرق الشعراء ما نطقوا بل لا يوافق شعرهم شعري |
وهجا الفرزدق جرير بسبب سرقة الأشعار بقوله:
كم من أب لي يا جرير كأنه قمر المجرة أو سراج نهار لن تدركوا كرمي بلؤم أبيكم وأوابدي بتنحل الاشعار |
وإذا كان الأمر كما زعم البكر أن من حفظ نصا امتلك ناصيته وأباح له كتابته فلا أقل من أن يزعم من سرق أنه قد حفظ النص المسروق فتزول عنه التهمة، وقولك هذا أستاذي من الأقوال التي توأد في مهدها، والرد عليها بين طياتها, وقد ألف في السرقات عشرات المؤلفات منها : حلية المحاظرة لمحمد الحاتمي وكتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري والمثل السائر، والجامعه الكبير، والاستدراك وجميعها لابن الأثير تناول فيها مشكلة السرقات في القرن السابع ومن الكتب المعاصرة كتاب مشكلة السرقات في النقد العربي للدكتور محمد مصطفى هدارة فموضوع السرقات شدد فيه العلماء وتجاوز نقل اللفظ إلى اقتباس المعاني فأمر نقل النصوص حرفيا محسوم ومفروغ منه وكان من العلماء من يستدل باللفظة الواحدة على السرقة فكيف بسبعين سطرا تنقل حرفياً وبالنص ودون إشارة إلى المصدر المنقول منه ويعتذر بحفظ النص,,! ففي ذلك يقول ابن الأثير في كتابه المثل السائر (والذي عندي في السرقات انه متى ما أورد الآخر شيئا من ألفاظ الأول في معنى من المعاني ولو لفظة واحدة فإن ذلك أدل الدليل على سرقته,,) انتهى كلامه وما نراه في عصرنا الحاضر من تشديد أساتذة الجامعات على الباحثين وكتاب الرسائل في نسبة كل ما اقتبس قل أو كثر إلى مصدره الأصلي ولو غير في لفظة واحدة لألزم بالإشارة إليه بكلمة (بتصرف) وهذا ما تقتضيه الأمانة العلمية, وقد وضعت قوانين لحماية الملكية الفكرية تحفظ حقوق الكتاب وتحمي تراثهم من السطو والنقل والاقتباس بدون الإشارة للمصدر الأصلي, ووضع لذلك عقوبات تردع كل من يتجرأ على ذلك,وأقول للأخ الأستاذ البكر لو كان الأمر بهذه البساطة لحق لأي حافظ أن يصادر إبداع المبدعين وأن يسلبهم تراثهم ويستولي على نصوصهم,, ويا ليت الأمر كان كذلك,,!
فلن تفلت مني إحدى قصائد شوقي التي أحفظها عن ظهر قلب ولن تفوتني (عمرية) حافظ فلن أعدم قوما يجهلون نسب هذه القصيدة! ولن تعجزني بعض عبرات أو نظرات المنفلوطي، ولكنت عقاد دهري وزيات زماني ولربما أعجبتني قصيدة لأحد المغمورين فتخالط وجداني وقد تعبر عن مشاعري فأنكب عليها حفظا وإذاهي على صفحات الشعر يزدان بها اسمي,,! ولا تراني إلا مزهوا مختالا بما حفظت، فماذا أبقيت لقائلها,,؟!.
ثم استدل كاتبنا بعد ذلك بقصة أبي نواس وأطال فيها بلا طائل وذكر فيها كيف أن أستاذ أبي نواس (واكبه بن الحباب) طلب منه أن يحفظ عشرة آلاف بيت قبل أن يقول الشعر، فهل نسب أبو نواس لنفسه بيتاً واحداً من العشرة آلاف بيت التي حفظها!.
وكان القصد من هذا الطلب كما هو معلوم أن يستزيد أبو نواس من حصيلة الألفاظ وأن يزداد مراسا وصقلاً قبل أن يقول الشعر!.
وقد عاب عليّ أستاذنا الفاضل أني قد أجهدت نفسي وتكلفت في البحث عن كثير من المراجع اللغوية لمعرفة معنى مفردة (نتر) (التي نقلها البكر خطأ ولم يكتف بذلك وفسرها بمعنى غير صحيح) واقول على رسلك يا استاذ فإن ما بذلته من مجهود وما تكلفته من عناء البحث إنما كان القصد منه التثبت والتيقن ومعرفة الصحيح من السقيم فهل أعير بهذا, أو أعاب عليه ولا أجد ردا عليك إلا ما قاله الشاعر:
إذا محاسني اللاتي أدل بها عدت ذنوباً فقل لي كيف أعتذر |
والأعجب من هذا ما حاوله الأخ البكر من تزييف للحقيقة والتخليط على القارئ الكريم فقد استنكر علي رجوعي لأمهات الكتب وأحالني إلى معجم (المورد) الذي يعد نكرة من بين المعاجم ولا يعد حجة عند اللغويين ومع هذا فقد رجعت إليه بناء على نصيحة البكر لي حيث بحثت عن الكلمة المقصودة (نتر) فلم أجد العشرة مدلولات توائم البعثرة التي زعم البكر أنه وجدها ولا حتى عشر مدلول فكما اتفقت أمهات الكتب فقد فسرت في المنجد بمعنى الشد والجذب (المنجد ص 788، دار المشرق طبعة 28).
وأقول للقارئ الكريم: فيك الخصام وأنت الخصم والحكم فهذه بضاعتي بين يديك فما كان من حق فمن الله وما كان غير ذلك فمني ومن الشيطان والله المستعان، وأقول للأخ محمد البكر أن ما دار بيننا لا يفسد للود قضية فأنت معلم فاضل ومرب قدير، وما حدث بيننا لا يعدو كونه نقداً آمل أن يكون بناء ونقاشا لطالما امتلأت صفحات الجرائد بأمثاله، شاكراً للقائمين على صفحة عزيزتي الجزيرة إتاحة الفرصة لي وللاستاذ البكر لكي يدلي كل منا بدلوه وتلك عادتهم فلهم مني أوفر الشكر وأجزل التقدير والاحترام.
وما أردت إلا الإصلاح وما توفيقي إلا بالله وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
خالد بن صالح المنيف
|
|
|
|
|