| القوى العاملة
ثمة اعتقاد خاطىء لدى البعض,, بأن الغيرة صفة يوصم صاحبها ضمناً بانه شخص مريض أو غير سوي!
وما تلك الا صورة بعيدة عن الواقع!! فالطفل يبدأ يستشعر بالغيرة منذ السنة الثانية من عمره في الوقت الذي قد يستعصي عليه النطق ومخارج الحروف أو حتى المشي أحياناً! فالغيرة ملازمة لكل انسان وان تباينت في درجاتها وتدخل الغيرة في دائرة الدوافع البيولوجية شأنها في ذلك شأن الحب والأمن والانتماء وغيرها من الحاجات الضرورية وعودة للطفل وغيرته والتي تبدو جلية عند قدوم أخت أو أخ جديد له والدافع هنا الخوف والتوجس من المنافسة وذهاب حب وعطف الوالدين إلى أخيه أو أخته! مترجماً ذلك بانفعالات بريئة كالبكاء والمشاغبة بغية لفت انتباه الوالدين واستدراج عطفهم وحنانهم واللافت المحزن في آن,, ما نلحظه من بعض الآباء من انزعاج وتذمر من تلك الغيرة الأمر الذي قد ينعكس على تعاملهم مع طفلهم واساءة التصرف معه كأن ينهرونه أو ربما يقسون عليه؟! مما يؤدي إلى اجهاض بذرة الغيرة وروح المنافسة لديه قبل ان تولد! والشيء المؤكد ان كبح نزعة الغيرة لدى الطفل قد تعيق نموه الانفعالي والنفسي بل تبقى آثارها السلبية عالقة من خلال ما يخزنه الطفل من احباطات في مستودع اللاوعي (العقل الباطن) والتي ماتلبث ان تظهر عند الكبر في صورة الانهزامية (البعد عن المسؤولية) وغياب جذوة التحدي وحافز التطوير الذاتي! ومهما يكن من أمر,, فالغيرة سلاح ذو حدين، فهناك غيرة عقيمة بل وخطيرة! وأخرى مفيدة وضرورية ويحسن بنا ان نفرق بينهما بإلقاء الضوء عليهما.
الموظف الذي يغار من زميله دون أن يقتفي أثره ويسرع الخطى في خوض غمار التحدي الخلاق للوصول إلى ماوصل إليه زميله والتي أقلها الجد والاخلاص للعمل! بل آثر الجلوس في الظل واكتفى بتسديد سهام الغيرة المسمومة وتمرير الدسائس وتصيد الاخطاء للاطاحة به! ونلاحظ هنا أن الغيرة خرجت عن المنحى المرجو وتحولت إلى حسد عافانا واياكم من الوقوع في مستنقعه (ومن شر حاسد إذا حسد) الآية.
والمثير للسخرية ان بعض الموظفين يغار من زميله المتسيب في عمله وكيف انه يتفنن في ممارسة ألوان وضروب التسيب ويحاول جاهداً الاقتداء به للوصول إلى ذلك الابداع؟!!
أما عن الغيرة المحببة والمطلوبة فصورها كثيرة,, نذكر منها غيرة الطالب من زميله المتفوق والاقتداء به وغيرة المواطن الصالح على نظافة مدينته,, الخ, وتبرز قيمة الغيرة بجلاء عندما يسافر مسؤول رفيع إلى احدى الدول المتقدمة ويشاهد مايلفت نظره ويحوز على اعجابه سواء اكان ذلك خدمة متطورة أم تقنية في أحد المجالات فتجده يتأجج غيرة,, ويتمنى لو ان مثيل ذلك في بلده وبالفعل ما ان يصل إلى بلده إلا ويطرح تلك الفكرة أو المشروع قيد الدراسة للشروع في تنفيذه وتلك من محاسن الغيرة وما أكثرها,.
لذا يتوجب توفير فضاءات واجواء محمية لتلك النزعة وترسيخها بل وتعزيزها لتحقيق الهدف المرجو منها,, إلا ان ذلك يبقى محكوما بجملة عوامل منها ان تكون الغيرة وسيلة وليست غاية وفي اطار قيم المجتمع وان توجه فيما ينفع الفرد ويصب في مصلحة المجتمع, كما يجب ان تكون الغيرة امتداداً لنجاح الآخرين وتفوقهم وليست على حسابهم والاضرار بمصالحهم او تمني زوال نعمتهم ونجاحهم؟! (فالغيرة قاب قوسين أو أدنى من الحسد) كما انه من المهم ان تكون الغيرة موضوعية كأن يكون هناك تقارب نسبي في سقف القدرات والمواهب فمن العبث ان يغار الفرد من آخر يفوقه بالكثير من آليات التفوق والنجاح، وتحديداً وفق مايملك من امكانات وقدرات وإلا أصبح ذلك مجرد احلام يقظة لا يمكن ان تتحقق وتقوم لها قائمة؟! ومغزى القول ان الغيرة إذا ما وجهت وفق أسس قويمة ابتداء من سني الطفولة وخصوصا خمس السنوات الأولى,,
أجزم أنها سوف تؤتي ثمارها بإحداث نقلة حضارية تتسق وتتناسب والتطور السريع للمجتمعات.
علي بن سعد الزامل
|
|
|
|
|