| الاقتصادية
عندما تكون في احد شوارع مدننا الكبيرة او الصغيرة وتنظر الى اليمين او الى الشمال فان من المتوقع ان يخيل اليك ان هذا الشارع متخصص في تقديم سلعة او خدمة معينة, واذا اردت ان تحدد ما هي السلعة او الخدمة التي يتخصص فيها هذا الشارع فإنك ستجد نفسك في حيرة تامة نتيجة لتماثل المشاريع الاستثمارية الصغيرة وتعددها بشكل لا يتوافق مع المنطق الاقتصادي الرشيد, فعلى سبيل المثال لو انطلقت عبر شارع خالد بن الوليد انكاس سابقاً فانك قد تشعر بأن المواطن السعودي يمضي كل او معظم وقته في الاكل خاصة ما يتعلق بالوجبات الشعبية التي يبرز من بينها بالطبع المندي والمظبي والمثلوثة, ولو انطلقت عبر شارع الامير بندر بن عبدالعزيز فستجد ايضا تكدسا هائلا للمشاريع المتشابهة خاصة محلات الديكور والاثاث المستعمل, وما يصدق على هذين الشارعين يصدق بالتأكيد على معظم شوارعنا الرئيسة والفرعية التي اريد لها ان تكون صالحة لتقديم كل ما يمكن تقديمه, وهنا اتساءل بكل حسرة عن المنهج التخطيطي المتبع لدى الجهات الحكومية المعنية؟ وعن جدوى مثل هذه العشوائية غير المقبولة والتي خلفت وساندت ظاهرة التستر والمتسترين؟ ألم يكن لدينا القدرة على تحديد الحاجة الفعلية للسوق وخصوصا ان الادبيات الاقتصادية قد تضمنت ما يعرف بدراسات الجدوى وتحليل التكاليف والمنافع المتوقعة؟ ثم من هو المسؤول عن الخسائر الكبيرة التي تحملها المستثمر السعودي الذي بدأ نشاطه وفق معطيات معينة ثم وجد نفسه في غابة من المشاريع المتماثلة المتنافسة التي تفوق حاجة السوق؟
وفي كل الاحوال فإن الواقع العشوائي في المشاريع الاستثمارية الصغيرة قد تسبب في العديد من النتائج السلبية على الاقتصاد السعودي بشكل عام وعلى الاسرة السعودية والمواطن السعودي بشكل خاص, ولعل من ابرز هذه النتائج السلبية الخسائر الكبيرة في رأس المال نتيجة لتعرض الكثير من المشاريع الاستثمارية للخسائر الناتجة عن حمى المنافسة الشرسة التي يقودها في الغالب عمالة وافدة يكفيها اليسير لتستمر في تواجدها التجاري.
كما ان من ابرز مخلفات هذا الواقع العشوائي انتشار ظاهرة التستر كبديل مناسب امام المشاريع العاجزة عن المنافسة, فما ان يبدأ المستثمر السعودي بملاحظة التناقص في معدل الارباح حتى يبحث عن البديل المناسب الذي يحقق له جزءاً من تكاليفه الثابتة التي تحملها عند انشاء المشروع ويحميه من تحمل التكاليف المتغيرة كالايجار والاجور, وهنا يجب ان نعي بأن المنطق الرشيد يفرض علينا عدم قبول الفكرة التي تقول بأن المستثمر السعودي يلجأ الى التستر بطوعه واختياره بل يجب علينا ان نعي بأننا ومن خلال العشوائية السائدة قد وضعنا المستثمر السعودي في زاوية حادة ليس امامه سوى خيار التستر, وبالتالي فان من المفترض ان نبدأ عندما نرغب في معالجة التستر كظاهرة بالبحث عن اسبابها الحقيقية بدلاً من معالجتها كمشكلة مستقلة بذاتها, اعتقد اننا مهما بذلنا من جهد في هذا المجال فسنظل نراوح المكان ما لم نتعامل مع المسبب الرئيس للمشكلة وهو في اعتقادي سوء تخطيط المشاريع الاستثمارية وعشوائية التراخيص الممنوحة وعدم القدرة على تحديد ما هو مطلوب ومناسب لحاجة السوق من المشاريع الاستثمارية المتنافسة,سؤال: هنالك من يقول بأن وزارة الشؤون البلدية والقروية وهي المعنية بمنح التراخيص لمثل هذه المشاريع تحرص على جباية رسوم اللوحات اكثر من حرصها على تنظيم المحلات التجارية، بل ان هنالك من يقول بأن الوزارة المعنية تشجع مثل هذه العشوائية رغبة منها في زيادة ايراداتها الذاتية, اذا كان الامر كما يقال فقل على واقعنا السلام.
*أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية
|
|
|
|
|