أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 11th December,2000العدد:10301الطبعةالاولـيالأثنين 15 ,رمضان 1421

عزيزتـي الجزيرة

أزمنة الحزن والغضب
مهداة إلى روح الشهيدين محمد الدرة، ومحمد يوسف
يعلم جيداً أنها لن تطير به,, لكن ذلك لم يمنعه من الحلم,, كلما حاول أن يجعلها أكبر,, صار حلمه أكبر,, وإذا وضع لها جناحين,, صار لحلمه جناحان,, يشد الخيوط مجتمعة في قبضته الصغيرة,, يخطو بها,, يعدو,, يسرع,, تسقط مغشياً عليها.
يتأكد أنها لن تطير به، لكنه لم يسمح يوماً لحلمه بالسقوط.
يعود من المخيم، يدخل بيته,, ينطوي في صدر أمه وخلف ظهر أبيه كعصفور يشعر بالبرد, لم يكن أي منهما نائماً,, سألهما,, لماذا لم ترتفع طائرتي,, تجيب الأم وهي تضع إحدى يديها فوق قلبه,, لأنك لم تعد بها طويلاً,, الشارع أقصر من أن يجعلك تعدو وترتفع الطائرة,, لا ذنب لك,, حاول أن تنام.
الأب المثقل بهموم الأطفال الخمسة يرد قائلاً,, حاول مرة أخرى في شارع أكثر اتساعاً وأجعل الجناحين كبيرين.
في الصباح يرتدي ملابس المدرسة,, تعيد الأم نفس العبارة الصباحية على مسامعه,, لا تذهب هناك وعد سالماً.
يومئ لها برأسه ويخرج,, عند السلم,, يلحقه أبوه هامساً,, وإذا ذهبت هناك لا تشاغب كثيراً وحافظ على رأسك.
يدخل محمد المدرسة، تلتقط عيناه صديقه يوسف ، يسرع إليه,, يجاوره في الطابور,, يتهامسان ضاحكين,, هل صنعت طائرة جديدة؟,, نعم,, هل طارت بك؟,, لا,, هل ستصنع غيرها؟,, اليوم سأفعل,.
مدير المدرسة ينادي محمد ,, يوسف ,, إبراهيم ,, سارة ,, مريم ,, أنتم اليوم مسؤولون عن الحكم الذاتي.
تميل سارة تجاه يوسف ,, هل هذه المدرسة أيضاً ملك للأعداء؟! يضحك محمد بصوت عال ثم يكتم أنفاسه خوفاً من مدير المدرسة الذي راح يكمل,, الحكم الذاتي,, أن تكون مسؤولاً عن كل شيء في المدرسة بشرط ألا تتخذ قراراً إلا بعد الرجوع إلي شخصياً,, إياك أن تقرر شيئا من نفسك,, الحكم الذاتي ان تتعقب زملاءك الفارين والمشاغبين وتلقي القبض عليهم ثم تلقي بهم في غرفتي,, الحكم الذاتي أيها الطلاب هو قيادة ذاتية.
يجلس محمد ويوسف بجوار البوابة الأمامية,, يتساءل محمد وهو ينظر إلى الأرض قائلاً أمي قالت أن الشارع أقصر من أن أعدو به حاملاً طائرتي,, لذا فهي لا ترتفع,, كيف يمكن أن يكون الشارع كبيراً ونحن في المخيم؟,.
يرد يوسف إذا خرجنا من المخيم وأبعدنا العدو قليلاً عن شارع نصر الله يمكنك أن تركض لمسافة كبيرة محرراً الخيط إلى أقصى مدى وقتها سترتفع الطائرة وستطير معها.
عاد محمد إلى البيت يصنع طائرة جديدة,, لونها بالأخضر والأحمر والأسود,, وضع لها جناحين كبيرين,, صار لحلمه جناحان,, شد الخيوط مجتمعة في قبضته الصغيرة وخرج مسرعاً يعدو بها,, انطلق صوب أبواب المخيم,, كادت أن تطير,, لكنها سقطت مغشياً عليها عندما احتجزه جندي.
إلى أين؟
إلى شارع نصر الله.
ممنوع.
هل أنت من الأعداء؟
إنه حكم ذاتي.
عاد محمد إلى البيت وهو يفكر هل يكون هذا الجندي تلميذا في مدرسة مخيم البريج؟!
الأم القابعة بمنزلها تعد أبناءها الخمسة كل ساعة ثم تحمد الله,, الأب المثقل بهموم الأبناء وبأشياء أخرى يعود إلى البيت مصاباً في يمناه بطلق ناري,, يحتضن محمد والأبناء,, يبكي بشدة,, ينظر إلى محمد وهو يقول مات إبراهيم وماتت سارة وفي يد كل منهما حجر.
الزوجة تنهض من صلاتها تضمد جرح الزوج بنفس الطريقة التي اعتادت عليها,, الطفل الأوسط يدخل غرفته,, يرسم النجمة ذات الستة أركان ثم يمزقها كما تعود كل ليلة,, يأخذ محمد القصاصات وينفثها عبر النافذة تجاه بعض الخنازير الرابضة فوق إحدى الهضاب البعيدة,, ثم يدخل إلى حجرة النوم,, ينطوي في صدر أمه,, يتمنى لو يعود إلى رحمها مبتعداً عن حماقات الكبار,, مبتعداً عن خوفه وعن مدير المدرسة والحكم الذاتي,.
في اليوم التالي يجلس محمد ويوسف متجاورين وتغيب مريم ,, يتهامسان,, هل صنعت طائرة جديدة؟,, نعم,, هل طارت بك؟,, لا,, هل ستصنع غيرها؟,, لا,, سأجلعها تطير يدخل الشيخ حسن إلى الفصل يعلمهم صلاة الجنازة والغائب,, ثم يخلع عمامته ويحفظهم الق بحصاك تلتقط مدافعهم,, الق بحصاك تلتقط مدافعهم ,.
يقتحم تلاميذ الحكم الذاتي بابا الفصل,, يحملون الشيخ حسن ,, يلقون به في غرفة المدير.
يعود يوسف إلى البيت يدخل إلى أمه يقبل يدها يرجوها للمرة الثالثة أن تتركه يذهب,.
تبكي الأم,, يكمل يوسف ,, إذا مت مثل إبراهيم هل سأكون شهيداً؟ تغرق الأم في بكاء جديد وهي تقول,, نعم,, يكمل يوسف وهل الشهادة الخير؟ تومئ الأم,, نعم,, يحتضنها يوسف ويقول ,, وأنت لا تكرهين لي الخير؟!
خذني معك.
ماذا تفعلين؟!
أناولك الحجارة والحصى.
بل كوني هنا من أجل اخوتي.
يعود محمد إلى البيت,, يصعد درجات السلم إلى السطح,, من بعيد كانت أسوار المدرسة المتهالكة تسقط,, الطلاب يتدافعون في اتجاه بوابة المخيم,, المدير الخرف ينكفئ أرضا,, يسرع محمد إلى طائرته الورقية,, يعاوده الحلم الجميل,, يتضاءل خوفه أكثر,, يلقي بحصاه ويلقي الآخرون,, يتسع الشارع أكثر,, تهبط الخنازير من فوق الهضبة,, تأتي الطلقات من كل اتجاه,.
يسقط يوسف ومحمد في بقعة دم واحدة,, يموت الخوف,, يهمس يوسف في أذن محمد هل معك الطائرة؟ يومئ محمد بنعم,, يشير له يوسف بإصبعه ,, انظر الأرض,, أصبحت ممتدة,.
ينهضا سوياً,, شدا خيوط الطائرة وراحا يخطوان بها,, يعدوان,, يسرعان,, يحلقان فوق المخيم.
إيهاب محمد غرابة

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved