| عزيزتـي الجزيرة
إن في تعاقب الليل والنهار، وتنوع فصول العام، وتغاير مواسم الخيرات، واختلاف العبادات، والطاعات، دلائل على قدرة الله عز وجل.
وإن من المواسم الفاضلة التي ينبغي على المرء اغتنام الأجر والثواب، والعلم بالأحكام المتعلقة بها، موسم الشتاء.
وعليه، فإن ما يحتاج المسلم إلى معرفته والتفقه فيه، جوانب كثيرة، منها فضل هذا الموسم وأحكامه، والمسائل المتعلقة به، وما يقال من الأدعية والأذكار المرتبطة بنزول الأمطار والسنن المرعية عند الجدب أو الغيث.
وإنه من حكمة الله تعالى ان نوَّع على عباده الحر والبرد والصيف والشتاء، كما نوَّع عليهم الليل والنهار, وهذا الحر والبرد من آياته سبحانه وتعالى، يقول عز وجل: وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم (النحل 81).
يقول الشيخ محمد المنجد: كذلك أعظم في النعمة وأشد، فكما جعل سرابيل تقينا الحر وسرابيل تقينا بأسنا في الحرب، فكذلك امتن علينا بجعل هذه الملابس التي تقي من برد الشتاء، وهذا الشتاء ينبغي إحسان العبادة فيه.
يقول علي بن حسن الحلبي في كتابه: أحكام الشتاء : لم ترد كلمة الشتاء في القرآن الكريم سوى مرة واحدة، في قوله تعالى: لإيلاف قريش، إيلافهم رحلة الشتاء والصيف (قريش 12).
وقد جاء في تفسير القرطبي رحمه الله قول الإمام مالك رحمه الله: الشتاء نصف السنة والصيف نصفها.
وقد قال بعض العلماء: الزمان أربعة أقسام: شتاء وربيع وخريف وصيف,وقيل: هو شتاء وصيف وقيظ وخريف,وقد رجح أبو بكر بن العربي في كتابه أحكام القرآن قول الإمام مالك، فقال رحمه الله: والذي قال مالك أصح، لأجل قسمة الله الزمان قسمين، ولم يجعل لهما ثالثاً, ولجليل قدر فصل الشتاء وموسم البرد فقد خصه كثير من العلماء بتآليف عديدة، توضح شريف قدره وعظيم منزلته وفضله ومآثره وخصاله ومميزاته ومواسم الخير فيه وما ورد فيه من آيات وأحاديث وأقوال وحكم وأشعار وروايات ومن ذلك:
1 إرشاد الفتى إلى أحاديث الشتا للشيخ يوسف عبدالهادي ت 909ه.
2 أحاديث الشتاء للعلامة السيوطي ت 911ه.
3 المطر والرعد والبرق والريح للإمام ابن أبي الدنيا ت281ه.
لقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا حضر الشتاء تعاهد أصحابه وكتب لهم الوصايا، ومن ذلك: إن الشتاء قد حضر وهو عدو فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفاف والجوارب واتخذوا الصوف شعاراً ودثاراً، فإن البرد عدو سريع دخوله، بعيد خروجه
وإنما كان يكتب بذلك الفاروق إلى أهل الشام لما فتحت في زمنه، وكان يخشى على من بها من الصحابة وغيرهم، ممن لم يكن له عهد بالبرد أن يتأذى ببرد الشام، وذلك من تمام نصيحته وحسن نظره وشفقته وحياطته لرعيته رضي الله عنه.
وفي الحديث الشريف عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الشتاء ربيع المؤمن حديث حسن.
وفي رواية أخرى: الشتاء ربيع المؤمن، طال ليله فقامه، وقصر نهاره فصامه إسناده حسن.
ولذا، كان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: ألا أدلكم على الغنيمة الباردة؟ قالوا: بلى فيقول: الصيام في الشتاء.
ومعنى كونها غنيمة باردة، أنها حصلت بغير قتال ولا تعب ولا مشقة، فصاحبها يحوز هذه الغنيمة عفواً صفواً بغير كلفة، ولا مشقة.
وأما قيام ليل الشتاء، فلطوله يمكن أن تأخذ النفس حظها من النوم، فتقوم بعد ذلك إلى الصلاة، فيقرأ المصلي ورده كله من القرآن وقد أخذت نفسه حظها من النوم، فيجتمع له فيه نومه المحتاج إليه، مع إدراك ورده من القرآن، فيكمل له مصلحة دينه وراحة بدنه.
جاء في الرسالة الشتوية لمؤلفها محمد عبدالله الذياب بعض النصائح السلفية والتوجيهات لاغتنام فصل الشتاء وموسم البرد، ومن ذلك: قول ابن مسعود رضي الله عنه مرحباً بالشتاء تنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام ويقصر فيه النهار للصيام .
وقول يحيى بن معاذ رحمه الله: الليل طويل فلا تقصِّروه بالمنام، والإسلام نقي فلا تدنسوه بالآثام .
واختم مقالي هذا بقول الحسن البصري رحمه الله: نِعم زمان المؤمن الشتاء، ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه ,.
د, زيد بن محمد الرماني عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
|
|
|
|
|