| مقـالات
يأتي شهر رمضان المبارك كل عام ضيفا عزيزا على المسلمين لطيفا على قلوب الطائعين، تمر أيامه ولياليه سراعا لا يكاد المرء يدرك أوله حتى ينتصف الشهر ثم سرعان ما يودعنا مأسوفا على فراقه,, هكذا يشعر معظم الناس أن أيام الشهر الفضيل تتفلّت من سبحة الزمن على نحو ربما لا يحدث في غيره من الشهور.
وهو الشهر المبارك,, حيث نزل القرآن الكريم على النبي الأمين صلوات الله وسلامه عليه، وفيه ليلة القدر التي هي حدها خير من ألف شهر,, وقد أبهم تحديد وقتها تحفيزاً للمسلمين على الاجتهاد في الطاعة طوال الشهر وإن كانوا يلتمسونها في العشر الأواخر على وجه الخصوص.
وفي رمضان تضاعف الحسنات ويجزل للناس الثواب من رب كريم لا تنفد خزائن رحمته ولا موجبات عطائه، وفيه تصفّد الشياطين وتتنزل الملائكة حتى إنها لتقاتل في صفوف المجاهدين المخلصين في سبيل الله بدءا من غزوة بدر وانتهاء في علمنا الى حرب العاشر من رمضان,.
والعمرة في هذا الشهر الكريم لها ثواب الحج, وأحسب أن أناسا من الخلق يقصرون عملهم في هذا الشهر الكريم على الصوم المادي وأعني به ترك الطعام والشراب ونحوهما من الأمور المادية ظنا منهم أن الأمر التعبدي بالصوم يعني أن يترك الانسان ضروريات الحياة وملذاتها قربى الى الله,, أما صوم الروح عن المعصية والأذى والتوبة ومجاهدة النفس ومجالدتها وترقيق الأخلاق وتهذيبها وتحري الطريق القويم في مرضاة الله فهي أمور لا تجد لدى هذا البعض حماسا.
وفي يقيني أن الله جل وعلا قد خصّ بالقدسية والبركات شهر رمضان كي يجعل منه فرصة للطائعين فيزدادوا تقرباً الى الله بالمزيد من الطاعات وللعاملين كي يؤوبوا الى بارئهم بالخلاص من أدرانهم,, وإنه لا يتقاعس عن ابتهال الفرصة إلا من قست قلوبهم كالحجارة وقد تراكمت عليها المعاصي والذنوب تنكت في لحمتها نكتا سوداء تطمس القلوب عن كل بر ويصبح أصحابها لا تطرف لأحدهم عين ولا ينبض قلبه مهما اقترف من الخطايا.
والبعض إذا انتهى رمضان أو أوشك وهو يدرك أنه لم يحسن انتهاز فرصته تمنى على الله الأماني وجلس في انتظار رمضان جديد عازماً أن يحسن ولكن من يدري هل يمد الله في عمره أم يقضي نحبه لما يبلغ الأمل وهذا من أعوان التسويف الذي تعوده البعض في حياته اذا ما راوده العزم لعمل معروف أو الانتهاء عن منكر وهو تسويف قد تتاح له فرصة أخرى ولكن ما بالكم بمن يسوّف حتى يفجأه الموت.
وإذا كان الحق تبارك وتعالى يقول:(إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة)، فإن التاجر الحصيف لا بد أن يضاعف تجارته مع الله في فرصة شهر الأرباح المركبة حلالا طيبا من رب كريم, وذلك بالصوم عن كل ما يغضب ربه، والاجتهاد فيما يرضيه جل وعلا لا في شهر رمضان فحسب، بل طوال العام فما هذا الشهر إلا فرصة لخلاص الروح من طين البشرية اللازب والخروج بها إلى عالم النور والطهارة.
شاكر سليمان شكوري
|
|
|
|
|