أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 11th December,2000العدد:10301الطبعةالاولـيالأثنين 15 ,رمضان 1421

مقـالات

بدائل تمويل الخدمات الصحية في المملكة تحديات وحلول مقترحة
د, عبدالإله ساعاتي
تعد الخدمات الصحية من أغلى أنواع الخدمات التي تتصاعد تكلفتها يوماً بعد آخر وتئن جميع دول العالم من أعبائها، ويقدر حجم الإنفاق العالمي على الخدمات الصحية ب (2) تريليون و(200) بليون دولار سنوياً,, ومع هذا فإن تمويل الخدمات الصحية لا يزال في مقدمة التحديات التي تواجه النظم الصحية في العالم وكان العنصر الأساسي وراء حركة إصلاح القطاع الصحي التي انتشرت بسرعة كبيرة خلال العقد الماضي في الكثير من دول العالم.
والمملكة العربية السعودية شأنها شأن سائر دول العالم تواجه تحديات تمويل الخدمات الصحية العامة، فبالرغم من أن الدولة أيدها الله تنفق نحو 10% من ميزانيتها السنوية لتمويل الخدمات الصحية التي تقدمها القطاعات الحكومية المختلفة,, إلا أن العديد من المظاهر الملموسة تشير إلى الحاجة للمزيد والمزيد لتغطية التكلفة المتزايدة لإنتاج الخدمات الصحية.
ويمكنني اقتراح عدد من الحلول لإشكالية تمويل الخدمات الصحية العامة ابتداء من التعامل مع نظام الضمان الصحي التعاوني كأحد بدائل التمويل، إلى تفعيل آليات تشجيع التبرعات والمشاركات التطوعية والأوقاف والمساهمات الخيرية إلى تحصيل مقابل للخدمات الخاصة في المستشفيات العامة مثل الغرف الخاصة وغيرها إلى استثمار مواقع المستشفيات لتحقيق موارد مالية مثل الإعلانات وتأجير المواقع إلى استثمار الفترات المسائية لفتح عيادات برسوم إلى الأخذ بأساليب إدارية اقتصادية بحيث تدار المستشفيات وفق مبادئ إدارة الأعمال,, انتهاء بالخصخصة في مرحلة زمنية لاحقة.
ولكنني أود هنا أن أطرح مقترحاً جديداً لتوفير موارد مالية تسهم في تمويل الخدمات الصحية العامة وذلك من خلال مشاركة أكثر فعالية من قبل القطاع الصحي الخاص في مجالات الترخيص الطبي والصيدلاني بحيث يتم فرض رسوم معقولة ومناسبة على الرخص الطبية والصيدلانية تستخدم عائداتها في دعم ميزانيات الخدمات الصحية.
فلقد حظي القطاع الصحي الأهلي في المملكة برعاية الدولة واهتمامها,, حيث وفرت له صوراً متعددة من الدعم المادي والمعنوي,, باعتباره عنصراً مكملاً للقطاع الصحي العام ورافداً حيوياً للخدمات الصحية في بلادنا,, حتى بلغ حجم القروض الميسرة المعفاة من الفوائد والتي منحتها الدولة للقطاع الصحي الأهلي ما يقارب المليار ريال.
ونتيجة لاهتمام الدولة ودعمها,, نما القطاع الصحي الأهلي في المملكة نمواً قياسياً خلال السنوات القليلة الماضية حيث ارتفع عدد المستشفيات الخاصة من (40) مستشفى في عام 1405ه إلى (92) مستشفى حتى عام 1421ه بنسبة زيادة قاربت ال(130%), أما عدد المستوصفات الخاصة فلقد ارتفع من (464) مستوصفا في 1405ه إلى (706) مستوصفات في عام 1421ه بنسبة زيادة قاربت (52%) كذلك زاد عدد العيادات الخاصة من 547 عيادة في عام 1405ه إلى (790) عيادة خاصة في عام 1421ه بنسبة زيادة بلغت (44%) ويبلغ عدد الصيدليات الخاصة في المملكة حالياً (3,215) صيدلية خاصة,, إضافة إلى (300) مستودع أدوية.
ولقد قامت وزارة الصحة بإنشاء إدارة عامة للرخص الطبية والصيدلية ضمن هيكلها التنظيمي بالوزارة,, إضافة إلى إدارات للرخص الطبية أنشأتها في مديرياتها الصحية بمختلف أنحاء المملكة,, مهمتها إصدار التراخيص الطبية للمؤسسات العلاجية الخاصة وكذلك إصدار الرخص الطبية لمزاولة المهنة للعاملين في هذه المؤسسات من أطباء وفنيين, هذا إضافة إلى الإشراف على أعمال هذه المؤسسات أو العاملين فيها,, والتأكد من التزامها باللوائح والأنظمة.
وفي سبيل قيام الوزارة بهذه الأعمال فإنها تكرس لها موظفين من فئات مختلفة وتستهلك في إجراءاتها مكتبياً وميدانياً الكثير من الوقت والجهد وتستنفد الكثير من المطبوعات والمسوغات القرطاسية الأعمال المكتبية,, وهي تقدم كل ذلك بالمجان ودون أي مقابل.
وإذا كان هذا الأمر مقبولاً خلال فترة زمنية ماضية في ظل ظروف معينة تشجيعاً للقطاع الصحي الخاص حتى ينمو ويزدهر فإن الأمر اختلف الآن,, حيث أصبح هذا القطاع في وضع مزدهر,, وبالتالي فإن مساهمته في دعم جهود التنمية الصحية بجزء محدود من عائداته الربحية,, مقابل الخدمات التي تقدمها له الوزارة يصبح أمراً مطلوباً.
ومن هذا المنطلق فإن فرض رسوم معقولة مقابل الخدمات التي تقدمها وزارة الصحة للمؤسسات العلاجية الخاصة والعاملين فيها، إنما يعد أمرا منطقياً ومقبولاً, وهو إجراء مطبق في معظم دول العالم.
وعلى العكس فإنه لم يعد من المنطق والمعقولية أن تقوم الوزارة بإصدار تراخيص للمؤسسات العلاجية الخاصة وللعاملين بها دون رسوم مناسبة, ولا شك في أن العائد من الرسوم في حالة تطبيقها سوف يدعم جهود التنمية الصحية دون أن يكون فيها ما يرهق إمكانيات المؤسسات الصحية الخاصة طالما كانت معقولة ومدروسة.
ذلك أن من واجب هذه المؤسسات أن تسهم في التنمية الصحية, ان الرسوم المعقولة فيما لو فرضت سوف تشكل عائدا مالياً يخدم أهداف التنمية الصحية سواء من خلال خزينة الدولة,, أو عبر ميزانية وزارة الصحة، ففي كلا الحالتين فإن الفائدة تعود على الوطن والمواطن ويمكن تنسيق الأمر بحيث تعود العوائد إلى ميزانية وزارة الصحة مباشرة وذلك من شأنه أن يدعم إمكانيات الوزارة.
إن في المملكة اليوم 92 مستشفى خاصا فلو فرض رسم على تراخيص كل مستشفى في حدود (10,000) ريال سنوياً، فإن ذلك معناه دخلا يبلغ 920,000 ريال سنوياً, ولدينا 706 مستوصفات خاصة,, لو قدر رسم ترخيص كل مستوصف ب(3000) ريال سنوياً,, لأصبح العائد 2,118,000 ريال سنوياً ولو دفع كل صاحب عيادة خاصة رسم ترخيص عيادته (1000) ريال سنوياً ولدينا 790 عيادة خاصة فإن العائد السنوي من هذا الرسم يبلغ (790,000) ريال,, ولو قدر رسم ترخيص الصيدلية الخاصة ب(2000) ريال في السنة لبلغ إجمالي العائد من هذا الرسم (6,430,000) ريال سنوياً حيث إن هناك (3,215) صيدلية خاصة.
ثم لو قدرت قيمة رسم ترخيص مزاولة مهنة طبيب القطاع الخاص ب(500) ريال سنوياً,, لبلغ إجمالي العائد من هذا الرسم 4,912,500 ريال حيث إن هناك (9,825) طبيباً يعملون في القطاع الخاص,.
وفيما لو قدرت قيمة رسم ترخيص مزاولة المهنة للممرض أو الفني الصحي ب(300) ريال سنوياً وهناك (17,767) ممرضاً وفنياً يعملون في القطاع الصحي الخاص,, فإن العائد من هذا الرسم سيصل إلى (5,330,100) ريال,, ولو قدر رسم ترخيص مزاولة المهنة للصيدلي ب(400) ريال سنوياً ولدينا حوالي (4,000) صيدلي لبلغ الإيراد السنوي (1,600,000) ريال, هذا إضافة إلى الرسوم على تراخيص مراكز العلاج الطبيعي والمختبرات الطبية الخاصة ومحلات النظارات ورخص العاملين فيها.
إننا نتحدث هنا عن موارد مالية سنوية بملايين الريالات من الممكن ان تدعم أهداف التنمية الصحية دون أن يكون لها أي تأثير سلبي كون الرسوم تكاد تكون رمزية,, ولكنها ليست كذلك,, ذلك أنها لو كانت رمزية لفقدت قيمتها وجدواها.
وأخيراً فإن المنتظر من القطاع الصحي الأهلي في بلادنا أن يساهم في جهود التنمية الصحية الشاملة ليس فقط بتوفير الرافد الصحي الجيد المستوى وإنما أيضا بالمساهمة في دفع رسوم رمزية مقابل خدمة الترخيص التي تقوم بها وزارة الصحة شأنه في ذلك شأن مؤسسات القطاع الخاص في جميع دول العالم ليعكس ذلك تضافر الجهود بما يحقق تطلعات قيادتنا الرشيدة في هذا البلد المعطاء.
مستقبلنا الصحي,, تحديات ومتغيرات!!
في ظل تحولات معيارية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية يعيشها العالم.
وفي إطار متغيرات صحية أساسية حفلت بالمنجزات والابتكارات الإبداعية في التقنيات الطبية,, في ذات الوقت الذي شهدت فيه ظهور أمراض جديدة وعودة أمراض سابقة كان الظن أنه قد قضي عليها.
وفي انتشار ملموس للوعي الصحي والمستوى الثقافي الصحي عموماً,, في ظل ذلك تثور في أذهان المعنيين والباحثين والمهتمين بالشأن الصحي تساؤلات عريضة وهامة بحجم أهمية الصحة لدى الإنسان التي تعد أغلى وأثمن شيء في حياته تتعلق بمستقبل الوضع الصحي,, من هذه الأسئلة الهامة,, ما يلي:
كيف ستكون الحياة خلال القرن الجديد الذي بدأنا نخطو على أولى عتباته؟!.
كيف سيكون عليه الوضع الصحي إجمالاً وصحتنا وصحة أبنائنا خاصة في المستقبل القريب؟!.
هل ستظهر أوبئة وأمراض جديدة؟!.
هل ستحدث تطورات تقنية طبية تبتكر العلاج الطبي الناجع للأمراض المستعصية الحالية,,مثل أمراض الإيدز والسرطان والسكر,, وغيرها,, أم ستواصل هذه الأمراض فتكها بالبشر؟!.
هل سيستمر متوسط حياة الإنسان في الارتفاع؟.
وهل سيكون مجرد طول في العمر مع اعتلال في الصحة أم أنه سيكون طول في العمر مع قدرة على الإنتاج والحياة الصحية؟.
هل سيؤدي النمو السكاني إلى زيادة اعداد المدن العملاقة (Megacities) في العالم وما يتبع ذلك من ارتفاع في معدلات التلوث البيئي؟.
هل يستطيع العالم مكافحة المخدرات وسوء التغذية والسمنة والاضطرابات النفسية وغيرها من الظواهر السلوكية الضارة ,, أم أن آثارها ستزداد وتنتشر؟.
أسئلة عديدة تمثل هموماً للقائمين على الصحة على المستوى الدولي والاقليمي والمحلي,, وهي في ذات الوقت تستقطب اهتمامات كل شخص منا,, ولابد أن تكون في نظر وفكر المعنيين والمسؤولين عن التخطيط الصحي في كل مكان.
ولا ريب أن التطور الصحي العالمي الذي تحقق خلال العقود القليلة الماضية تجاوز في نظر الكثير من الدارسين والمحللين الانجازات الطبية التي حققها العالم على امتداد القرون السالفة.
إن دراسة التطورات الصحية خلال القرن المنقضي والأوضاع الصحية العامة ومؤشراتها القياسية إجمالاً تمثل أساساً علمياً لتحديد الأوضاع الصحية المستقبلية خلال هذا القرن,, ولتكن خلال الربع الأول من هذا القرن.
وعندما ننظر إلى متوسط مأمول الحياة Life expectancy نجد أن المتوسط العالمي يبلغ (66) عاماً بينما كان في عام 1955م (48) عاماً.
ومن المتوقع أن يصل إلى (73) عاما في عام 2025م.
وفي المملكة العربية السعودية يصل متوسط مأمول الحياة حالياً (71) عاماً, ومتوقع أن يصل إلى (82) عاماً في عام 2025م.
أما وفيات الأطفال أقل من (5) أعوام فلقد انخفضت بشكل كبير خلال العقود القليلة الماضية ومن المتوقع أن تتواصل في الانخفاض خلال سنوات الربع الأول من هذا القرن, فلقد انخفض عدد وفيات الاطفال أقل من 5 سنوات على مستوى العالم من 21 مليونا في عام 1955م إلى 8 ملايين حالياً ومتوقع أن تصل إلى أقل من 5 ملايين في عام 2025م,, وفي المملكة انخفض معدل وفيات الأطفال من 150 ألف في مطلع الثمانينيات إلى 27 لكل ألف حالياً.
أما في مجالات تطعيم وتحصين الأطفال ضد الأمراض,, فلقد حدث تطور كبير على مستوى العالم حيث أصبح معظم الأطفال محصنين ضد الأمراض.
وفي المملكة العربية السعودية تحقق إنجاز كبير في هذا المجال حيث بلغت نسبة تحصين الأطفال ضد الامراض 95% ونالت المملكة شهادات دولية في هذا المجال.
* إن عدد سكان العالم اليوم يبلغ 6 بلايين نسمة,, وفي عام 2025م سوف يبلغ 8 بلايين نسمة,, وهذا يشكل تحديات كبيرة لتوفير الاحتياجات الصحية لهذا العدد الضخم من البشر.
وفي المملكة العربية السعودية يبلغ عدد سكان المملكة حاليا نحو (20) مليون نسمة، ولكنه يزداد بمتوالية هندسية كبيرة حيث يبلغ معدل النمو السكاني في المملكة 3,7% سنويا,, وهو من أكبر معدلات النمو السكاني على مستوى العالم,, ومن المتوقع أن يبلغ عدد سكان المملكة في عام 2025م (40) مليون نسمة!!.
وهذا بلا شك يشكل ضغطاً كبيرا على الخدمات الصحية,, ويمثل توسعا وتنوعا للاحتياجات الصحية للسكان وللوضع الصحي العام,, ويمكنني القول: إن المستقبل الصحي ينذر بتحديات ومشاكل كبيرة لن نستطيع مواجهتها بكفاءة مالم نعمل مبكراً على التخطيط العلمي المدروس الذي يستشرف الأبعاد المستقبلية ليس فقط على مدى الخمس سنوات القادمة بل على مدى العشر والعشرين سنة قادمة.
ولا يسعني في الختام إلا أن أدعو الله سبحانه وتعالى أن يجعل بلادنا آمنا وأماناً ,,وأن يمتعنا جميعاً بالصحة والعافية,, إنه سميع مجيب.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved