| وَرّاق الجزيرة
* تمثل الأوقاف أحد الروافد الاقتصادية للمجتمع الاسلامي بالاضافة الى انها تنمِّي مبدأ التكافل الاجتماعي بين المسلمين وتقوي روابط الاخاء والمحبة والتعاون وتجعل المجتمع متكامل الخدمات وقوي البنية.
ولذلك حث الاسلام على الوقف ففي حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له رواه مسلم.
قال جابر رضي الله عنه: لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة الا وقّف .
والأوقاف في أشيقر قديمة ولكن لا يمكن تحديد تاريخ أقدمها لتلف وثائقها الأصلية الا ان وثيقة وقف صبيح المؤرخة سنة 747ه تعد أقدم وثيقة وقف نجدية وصلت الينا حتى الآن.
ثم توالت الوقفيات بعدها بكثرة، فلا يكاد يخلو بستان في بلدة أشيقر القديمة من وقف أو عدة أوقاف اما خاص بذرية الموقف أو عام للمسلمين, وكانوا يوقفون الأوقاف في كل مجال يحتاجه المجتمع مع قلة ذات اليد، وليست أوقافهم خاصة ببلدهم فقط بل تتعداها الى البلدان الأخرى، كما ان أهالي أشيقر الذين رحلوا عنها واستوطنوا بلداناً أخرى وقفوا أوقافاً على مصالح بلدهم مما يدل على شدة ارتباطهم بها، فهناك أملاك في بلدتي حرمة وجلاجل وغيرهما وقفت على مصالح في أشيقر.
وقد أشار أحد الباحثين الى ان بلدة أشيقر لا تقارن بها بلدة أخرى من حيث قدم أوقافها وكثرتها، مما يدل على رغبة الأهالي بفعل الخير بسبب انتشار التعليم وأثر العلماء 1
وأنقل هنا طرفاً من وصية صبيح 747ه تبين مصارف وقفه الذي حذى حذوه كثير من الواقفين، قال: يخرج منه دلو وحبلها على بئر العصامية فإن تعطلت بئر العصامية جعلت على بئر غيرها مما ينتفع به المسلمون, وفيه أيضاً ستون صاعاً تكون أكفاناً لمن يموت ولم يخلف ما يكفنه من أهل عكل 2 وأهل الفرعة وأهل شقراء وما فضل بعد ذلك أطعمه الولي في شهر رمضان ويكون سماطاً في ليالي الجمعة والخميس والاثنين ويفرق منه الولي ثلاثين صاعاً على الأرامل اللاتي يشتهين ويستحين ولا حرج على من حضره في الأكل منه سواء كان غنياً أو فقيراً أو بدوياً أو حضريا وان أصاب الناس مجاعة في غير شهر رمضان المعظم أطعمه الولي في ذلك الوقت اذا رأى الصلاح في ذلك 3
أنواع الأوقاف في بلدة أشيقر ونماذج لبعضها:
* أوقاف للمدرسة يكون ريعها لصيانة مبنى المدرسة ولمن يقوم بتدريس الطلاب القرآن الكريم وضروريات الدين الاسلامي, وهي أوقاف كثيرة منها أرض تسمى بالزيدي ذكر موقفها ان ريعها في الشتاء للمؤذن وريعها في القيظ للمدرسة 4 .
* ايقاف الكتب والمكتبات وهي كثيرة جداً، وقد استوفيت ذلك في مقدمة كتابي: العلماء والكتّاب في أشيقر , ومن أقدم هذه المكتبات مكتبة الشيخ حسن بن علي بن بسام ت 945ه 5 كما يوجد لدى بعض الأسر نسخ مخطوطة من القرآن الكريم أوقفها أسلافهم.
* أوقاف على المساجد الثلاثة المشهورة في أشيقر وهي: المسجد الجامع، ومسجد الفيلقية، ومسجد الشمال, والأوقاف على هذه المساجد تشمل اعمارها وصيانتها ووقفا للمؤذن والامام, ومن ذلك أوقاف سليمان بن محمد الرزيزاء حيث قال في وصيته: يملط بجميع ما ذكر مساجد أشيقر الثلاثة وما فضل عن المليط واختل شيء في المساجد فيعمر به ووقفه على المساجد والأكفان والسراج 6 .
وتوجد في أشيقر مساجد أخرى صغيرة بجانب بعض الآبار الواقعة على حافة الطرق الرئيسية لها أوقافها الخاصة بها ومن هذه المساجد: مسجد المديبغة، ومسجد الزعيزعية، ومسجد العامرية، ومسجد الجفر، ومسجد الربيعية، ومسجد السديس، ومسجد الجنينة، ومسجد الغبية, ومن الأوقاف على هذه المساجد وقف عبدالله بن محمد البسيمي حيث جاء في وثيقة من املائه غير مؤرخه ومن طرف مغارسي في خضرية الركية في المديبغة وقف على مسجدها يصلح به فيه اذا احتاج شيء والفاضل عن المسجد للركية .
* أوقاف السرج وهي كثيرة جداً وكانت في السابق توقد بالودك وهو الشحم المذاب ثم صارت توقد بالقاز, وهذه السرج توضع في المساجد وفي سوابيط الطرق الرئيسية ومن أمثلة ذلك وقف محمد بن أحمد البجادي للسراج يعلق سبعة أشهر واشترط في وقفيته أن: يعلق بين العشائين بعد صلاة المغرب في مسجد فيد أشيقر في الصف الأول الذي هو صدر المسجد وهو الذي يقطعه المنبر والمحراب الى حين وقت خروج المسلمين من ذلك الصف الى الصف الأخير ثم يعلق ويستمر الاعلاق في الموضع المذكور في الوقت المذكور الى أذان العشاءالآخرة ان أعلقت المسارج اذا أذن المؤذن للعشاء الآخرة والا فحتى تعلق المسارج فقط 7 .
كما أوقفت هيلة بنت حمد بن منيف: وزنة ودك لسراج الفيلقية في رمضان وقربة تروى في مسجد الفيلقية رمضان والقربة من جلود الضحايا 8 التي أوصت بها,
ووقف حمد بن عبدالوهاب: سراج في شهر رمضان يعلق بعد صلاة المغرب الى طلوع الناس من صلاة العتمة يعلق بين دار ابن جوير ودار آل فهد في سوق الصعيد أما في العشر الأواخر من رمضان فيعلق زيادة على ذلك يعلق في الموضع المذكور اذا قام الناس لصلاة القيام الى صلاة الفجر 9 .
وأوصت نورة بنت عبدالرحمن الرزيزاء بريال كل سنة يشرى به قاز ويشب به سراج في سريويل على عادته يجعل عند باب محمد بن ابراهيم بن حسين في رمضان في العشرين الأولة يشب أول الليل وآخره والعشر الأواخر يشب من المغرب الى آخر الليل كله 10 .
* وقف أحدهم نخلة تشرب من بئر المجاشعية ليربط بخوصها أكفان الموتى وكانت أكفان الموتى تحاك محلياً وقد سبقت الاشارة في وصية صبيح بأنه وقف على الأكفان.
* أوقاف يشترى بريعها لَبِن للموتى منها ما وقفه عبدالرحمن بن ابراهيم بن حسن الخراشي: في غلة نصيبه من النخل المعروف بالشمالية الشارب من بئر الزعيزعية ستة أرباع يشرى بها لبن للموتى كل سنة قادمات في غلة النخل المذكور 11 .
* أوقاف يكون ريعها للفقراء والمساكين والأرامل والأيتام وهي كثيرة، ومن أطرفها ما جاء في وصية ابراهيم بن حمد المنيعي: وقف ابراهيم المذكور بنت الحلوة التي تحت التينة وهي الصغيرة والخضرية الغرسة التي قبلي الحلوة المذكورة هما وحريمهما من الأرض للسوال الذين يقفون عند باب الحايط 12 .
وكان الفقراء عادة اذا سمعوا بأن بستاناً سوف يجذ ثمره اجتمعوا عند باب البستان رغبة في الحصول على ما يسد جوعهم, ويدخل ضمن هذا النوع من الأوقاف وقف يسمى وقف اللاعي وهو مخصص للذي يصيح من شدة الجوع ليلاً فقط 13 .
* وقف يشترى بريعه سم للذئاب.
* الوشم أشيقر
** الهوامش:
1 أحمد بن عبدالعزيز البسام: الحياة العلمية في نجد في القرنين الحادي عشر والثاني عشر: 40، 41 .
رسالة دكتوراه غير منشورة.
2 عكل: اسم قديم لبلدة أشيقر نسبة لقبيلة بني عكل التي كانت تسكن أشيقر.
3 مجلة العرب ج 1 س 2 1387ه ص: 57، 58 .
4 من رسالة موجهة الى قاضي بلدان الوشم الشيخ علي بن عيسى ت 1331ه بخط الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن عامر.
5 سبق وأن تحدثت عن هذه المكتبة في صفحة التراث من جريدة الرياض العدد 11547 الصادر في 28/10/1420ه.
6 من وثيقة بخط الشيخ عبدالعزيز بن ابراهيم بن عبداللطيف مؤرخة في 3/7/1263ه ومن الأوقاف التي وردت في هذه الوثيقة: عيش يفرق في جمع رمضان وفي يوم عرفة وفي يوم عاشوراء على المحتاج من ذرية الموقف فان اغتنوا فعلى المحتاج من اسرته فان اغتنوا فعلى الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام في بلد أشيقر, وأوصى بأضحية جيدة سمين جبرة وجلود الضحايا يدبغهن الولي ويرويهن في مسجد الفيلقية في شهر رمضان.
7 وثيقة مؤرخة في 7/1/1058ه حكم بها الشيخ ابراهيم بن محمد بن اسماعيل ثم نقلت من خطه, كما ان محمد بن بجاد المذكور أوقف أوقافاً أخرى منها بستان مسقاة مسجد الفيلقية، انظر: تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد: 228 للمؤرخ ابن عيسى.
8 وثيقة كتبها الشيخ علي بن عيسى في 2/2/1299ه ونقلها من خطه الشيخ عبدالعزيز الفريح.
9 وثيقة بخط الشيخ ابراهيم بن صالح عيسى مؤرخة في 2/4/1335ه.
10 وثيقة بخط الشيخ عبدالعزيز بن عامر مؤرخة في 15/1/1338ه.
11 وثيقة بخط الشيخ ابراهيم بن عيسى مؤرخة في 2/6/1304ه.
12 وثيقة بخط الشيخ محمد بن عبدالله بن فنتوخ سنة 1282ه.
13 مخطوطة: ديوان ضبط أوقاف أشيقر: 54، 55 .
|
|
|
|
|