| عزيزتـي الجزيرة
لا تغيب شمس اليوم الذي ينقضي الا وقد اشتغل المعدون للاحداث التي سوف يتم عرضها ومناقشتها ونشر تفصيلاتها في وسائل الصحافة والاعلام لبداية عرضها على الملأ قبل شروق شمس اليوم التالي, وهنا اتساءل هل كل ما يدور في الإعلام من قضايا هي التي تفرض نفسها عليه ام هو الذي يفرضها على قرائه ومشاهديه ومستمعيه,, وليس سهلا الاجابة على هذا التساؤل, باجابة ساذجة والقول بسيادة احد الخيارين السابقين، بل انه تفاعل بينهما يأخذ اشكالا مختلفة من المد والجزر, فبعض الاحيان يفرض الحدث نفسه على الاعلام واحيانا العكس, وفي احيان كثيرة ترِد الاحداث كردة فعل على ما ينشره الاعلام من أقوال مسؤولين وتصريحات وأخبار محددة عن احداث معينة, فعندما تتصدر قضية الشيشان واجهات الصحف والفضائيات وغيرها من وسائل الاعلام، فإن ذلك لا يعني ان كل الجهات توردها من زاوية واحدة, فهناك مؤيد للروس ومؤيد للشيشان ومعارض للروس, وهناك من هو محايد بينهما وهناك ايضا من يحاول استثمار هذه القضية واحداثها لإثبات وجهة نظر معينة لا تخص بالضرورة نفس القضية.
وإذا جئنا إلى الزوايا التي يمكن ان ينظر إليها الكتاب والمحللون والمراسلون فيمكن ان ندرج الكثير منها فمثلا يمكن ان تكون زاوية سياسية، أو عسكرية، او اقتصادية، او بيئية، أو دينية، او عرقية، اقليمية,,, الخ ويمكن ان يكون لها مصنف كامل للزوايا والاهتمامات التي يمكن تركيزها على قضية او حدث معين.
وفي السوق الاعلامية يوجد بائع ومشتر كما هي الحال في الاسواق الاخرى وتوجد منافسة لعرض الافضل والاكثر مبيعا لدى الجمهور, ولا يملك الجمهور إلا ان يتفاعل مع من يجيب على تساؤلاته من سوق الاعلام, وفي هذه السوق كما هي في الاسواق الاخرى ايام نشاط وايام كساد, فأيام النشاط يحتار رجال الاعلام فيما يقدمونه وما يتركونه من الاخبار والاحداث الاعلامية, ولكن في ايام الكساد تبدأ التأثيرات الفعلية للاعلام على الاحداث والتي هي اخطر ما يكون على مسار الاحداث العالمية وقوة التأثير فيها, ففي قلة وجود المخزون الاعلامي، يضطر الاعلاميون إلى اظهار أفضل بضائعهم وتحقيقاتهم والخوض في الامور الأكثر جدية وأهمية لرجل الشارع وتساؤلاته.
ومن هنا يأتي فرض قضايا معينة على الساحة الاعلامية ومن ثم تجبر اصحاب القرار على اتخاذ مواقف وحلول معينة لتلك القضايا.
وفي هذه الاوقات بالذات تتضح لدى رجل الشارع كثير من القضايا المغيبة عنه في خضم السوق الاعلامية النشطة, وهنا تأتي لحظة التفكير الاستراتيجي لتقييم اي الاحداث والقضايا التي يجب وضعها على الساحة الاعلامية، وعرضها بشكل ومضمون مقبول ومعقول لدى رجل الشارع وصاحب القرار.
فترة ركود السوق الإعلامية الحالية
منذ مقررات أوسلو وما تلاها من معاهدات والامة العربية تتطلع الى نتائج الاجتماعات والمباحثات والمحادثات التي تؤدي بدورها إلى اجتماعات ومباحثات ومحادثات اخرى في امل الحصول على صورة اخيرة لاتفاقية سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين, ولكن بعد ان اشتعلت احداث الانتفاضة الفلسطينية الاخيرة، اتضحت النتائج وبشكل شامل من اجماع اصحاب القرار في القمة العربية والقمة الاسلامية بأن السلام الذي كان يُنتظر هو اوهام دامت ما يقارب من عشرة اعوام، وقد دفعت بهم إلى اتخاذ مقررات حاسمة يؤدي تطبيقها الى فرض الامر الواقع على الاسرائيليين بدلا من العكس، وهذه هي واحدة من القضايا التي هبطت اسهمها في السوق الاعلامية، إلى جانب القضايا الاخرى التي يمكن إثارتها في اي وقت وتلاقي تجاوبا سريعا من اصحاب القرار ومن الجمهور, ومنها قضية الشيشان وافغانستان، وكشمير، والبوسنة والهرسك، والصرب، قضية قبرص، وقضية الصحراء الكبرى، وقضية الانتخابات الامريكية، وقضية العراق والكويت وقضية الجزر بين ايران والامارات و,,, و,,, و,,, الخ ولو اردت لأوردت مئات القضايا التي يمكن اثارتها وعرضها في الاعلام لكي تكون موضع المداولة والنقاش والتحليلات والاستنتاجات وما إلى ذلك من المحاور التي يمكن البحث فيها حول اي قضية او حدث.
ومن المؤسف جدا ان يتجاهل الاعلام دوره في عرض القضايا الملحة في تأثيراتها على الشعوب، ويتجه الى القضايا والاحداث الفرعية والجانبية، فنرى معظم وسائل الاعلام تتجه الى تضخيم احداث مثل سقوط الطائرات والزلازل والكوارث الطبيعية والمفارقات المحلية وتجعل منها قضية عالمية وتجعل منها مسلسلات اخبار وتقارير والتي تصل في بعض الاحيان الى ذكر تفاصيل دقيقة عن حياة شخص في قضية لا أخلاقية يقوم بها الرئيس الامريكي او غيره,ويتم ذلك في الوقت الذي يمكنهم التركيز على قضايا وأحداث أهم منها وبحسن عرضها والتعمق في ذكر الوقائع والحقائق التي تمر فيها تلك القضية يمكنهم فرضها على الإعلام العالمي والتأثير على اصحاب القرار والمتنفذين, وهذه هي الثروة التي لم يستطع الاعلاميون العرب استثمارها حتى الآن وبالشكل الصحيح، فمتى يتم لهم ذلك.
عادل العيثان
|
|
|
|
|