| رمضانيات
إن الحديث عن الصيام والقيام عن شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن شيق وممتع، كان أن التحدث عن حكم هذه الفريضة العظيمة وثمارها التربوية الفائقة، عندما تجوع المعدة ويعطش الإنسان وتشبع الإرادة والعزيمة ويقوى الإيمان واليقين، إن الصوم مدرسة كبرى تقوي الإرادة الفاعلة والعزيمة الصادقة وتغرس في أبنائها الصدق والولاء والإخلاص وتضيء في أرواحهم معاني المحبة والاخوة والمساواة والتكافل والتعاضد، عندما تنهزم وتندحر الشهوات والشبهات والنوازع الأرضية البهيمية، وتستعلي وتتكامل الرجولة الفائقة اللائقة بخير أمة أخرجت للناس، عندما تصفو النفوس النفيسة من الكدورات والعضد والدخل والدغل، إن هناك علاقة جميلة رائعة بين شهر رمضان وبين القرآن في شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون .
فالهدى يجلب التقى والنقاء والعفة، وفي التقوى صلاح الآخرة والأولى، وحسن المعاملة وجمال الخُلق وطيب الأخذ والعطاء والبيع والشراء وحسن الأداء وجمال العمل وإتقانه وفي التقوى الأنس وزوال البؤس والرفق والضبط والربط وحب الخير وإدخال السرور على كل مسلم خاصة الضعفة والصغار والفقراء والمحاويج وما أكثرهم في دنيا المسلمين الذين لا يتفطن لهم ولا يسألون الناس الحافاً ما أكثرهم في دنيا الناس التي تفيض بالآلام والأسقام وجور الإنسان التقوى فيها نفع ورفع ودفع للظلم فيها صيانه تامة للسان عن الفواحش والاثام ورديء الكلام من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه، رمضان فرصة مباركة ومناسبة سعيدة للمراجعة والمحاسبة ينظر في كشف حسابه خلال سنة كاملة بدقة وإمعان بعين الناقد البصير الخائف المشفق على نفسه وعلى مصيره متأملاً نادماً على تقصيره ويستقيم وليقيم نفسه بنفسه يقبل على الله بنفس رضية محبٍ مطيع ويكون مع اخوانه في سرائهم وضرائهم ومختلف أحوالهم مساعداً معاضداً مسامحاً متعاوناً متلاحماً مع إخوانه المسلمين يرحم الضعيف ويعطف على الفقير والمسكين وابن السبيل يقبل العثرة والكبوة ويمسح الجراح ويواسي المحتاج وبهذا تصفو نفسه وتمحو روحه ويشرق قلبه بنور الإيمان حيث يكون أكثر طاعة وانقياداً ولمزايا الصيام العديدة والفريدة كتبه الله على هذه الأمة كما كتبه على الأمم السابقة كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون وذلك لأهمية ونبل غايته وسمو مقاصده وعظيم منافعه للروح والبدن والعقل وسائر القوى البشرية لعكلم تتقون فهو من أقوى العبادات في التهذيب والتأديب والضبط والربط وشحذ الهمم والافطار ايضا وتصفية وتزكية النفوس وإعزازها، وفيه تربية مثلى للإرادة العازمة الجازمة وكبح منظم ودقيق لجماح الشهوات والشبهات والمطالب الأرضية والاهتمامات الدّنية وفيه كبح شامل وكامل لأنانية النفوس وحقارتها وما أكثرها لدى الناس خاصة في مثل هذه الأوقات حيث غلبت الشهوة وقصرت الهمم وقل الساعد، وفي الصيام والقيام وقراءة القرآن حمل صادق للأمانة وتحمل بين للرسالة والدفع بها إلى الأمام متغلبا بعون الله على كل ما يعترض طريقه من أشواك وآلام، والصيام الصادق يعلم المسلم كيف يتعامل بحق وصدق مع ربه ثم مع نفسه ومع خلق الله أجمعين، المسلم يرتفع بإسلامه وإيمانه وصيامه عن درجة الحيوان إلى منزلة الإنسان الذي كرمه الله، ولقد كرمنا بني آدم والإنسان بمعصيته ومخالفته ينزل بنفسه إلى أقل من درجة الحيوان ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون إننا هنا أمام جملة حقائق ذات قيمة عظيمة في التوجيه التربوي لهذا الإنسان، وهذا المخلوق الضعيف بحاجة دوماً إلى خالقه وباريه إلى هديه بحاجة الى الموازين الإهية الثابتة قريباً من الله ومن هداه، وبما نزل من الحق يستضيء بالنور المتلألئ الذي أمده به في متاهات الطريق الطويل.
إن من أبرز وأميز المنهج الإسلامي أنه منهج عبادة والعبادة الصحيحة هي السير دوماً في الطريق الصحيح الموصل الى الهدف المراد مع التزود بين الفينة والأخرى بشحنة حية موقظة موصلة تدفع دائماً إلى الأمام في الطريق المستقيم فلا يعبثر ولا يتبعثر ولا يندثر ما دامت الشحنة حية تضيء له الطريق والمسلم صلته دائمة بالله لا تفتر ولا تلين في كل لحظة وومضمة وكل عمل وكل فكر او شعور دائم المراقبة دقيق المحاسبة والمعاتبة لنفسه، والمسلم يعيش مع رمضان في لقاء حبيب جميل لقاء يرفع النفس ويمتع الحس ويطلق الروح لا يُسأم ولا يُمل يعيش المسلم حفياً به يوقظ نفسه وحسه البارد أحياناً وفكره الشارد أحيانا أخرى يهزه من أعماقه ويجعل المسلم ينفعل به انفعالاً حياً متجدداً لا ينقطع ولا يفتر وبرمضان يتصل قلب المسلم بالله اتصالات عديدة، يتصل به اتصال طاعة وانقياد خشوعاً وخضوعاً وتقوى، ويتصل به اتصال مراقبة ومحاسبة، ويتصل به حباً وقرباً وتطلعاً الى ما هو انفع وأرفع ويتصل به اطمئناناً وتسليماً ويسلموا تسليما .
وحين توجد في القلب هذه اليقظة وهذه المراقبة الذاتية هذه الحساسية المرهفة تجاه الله ودينه وشرعه تستقيم النفس وتخلص من أهوائها ونزواتها ويستقيم الناس اجمعون وتستقيم الحياة على منهج الله القويم وعندئذ يعيش الناس آمنين مطمئنين فرحين مستبشرين يفرحون بنصر الله ومدده وعونه يعيشون في مجتمع عفيف نظيف, نظيف من الجريمة والاثم والظلم نظيف من الرجس والدنس من الأحقاد والاثام والإجرام، ولهذا كانت الديانة والاستقامة على شرع الله ضرورة من ضرورات الإنسان ليحيا حياة سعيدة بحب دافق وشوق دائم اليه والى جنته، حيث القصد من الدين الصحيح تزكية النفس ورفعتها وبعثها من مرقدها وقيامها من وهدتها وتطهير القلب واستشعار عظمة الله والخوف منه في جميع الأحوال، والرجاء فيما عنده، والصوم الصحيح يحقق المعرفة بنعمة الله على عبده ويوقظ الشعور الى حسن التصرف بهذه النعم وبذل المستطاع منها في وجوه الخير ولذا ختم الله الآية المتعلقة بالصيام بالشكر لعلكم تشكرون هذا وان مدرسة الصيام والقيام وقراءة القرآن أعظم وأنفع مدرسة عرفها هذا الإنسان حيث أن هذه المدرسة العالية مشربة بروح التقوى حيث يتحرر الإنسان من سلطان الهوى وحفظ الشهوات وينطلق من سجن جسده وقيد شهوته وأسر لذته محلقاً بروحه معتزاً بإيمانه ويقينه شامخاً برأسه نحو خالقه ومولاه إذ ليس عجيباً الا تُرد دعوة الصائم لاقترابه من رحمة الله ورضوانه إذا أراد الله وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للجدل ان رفعة الأمم وعلو شأنها بقوة اخلاقها ومتانة وصحة دينها واستقامتها في أحوالها كلها وما سقطت ولا ذلت أمة من الأمم إلا بتخليها او تقصيرها في أمور دينها في اخلالها بقيمها الروحية والأمة إذا أخذت بأسباب التمكين في الأرض ومن منهج الله تماسك بنيانها وارتفع شأنها والتاريخ شاهد وماثل للعيان، والمسلم دوماً فطن لبيب لا يأمن مكر الله حال مخالفته فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون كما أنه لا ييأس من رحمة الله حال الإحسان فإن رحمة الله قريب من المحسنين هذا والله الهادي والمعين.
|
|
|
|
|