| الثقافية
*تأليف: الدكتور عبدالله مناع
*قراءة وتعليق:حنان بنت عبدالعزيز بن سيف
*اسم الكتاب: الجاسر علّامة وعلامة, لمحات من سيرته، وجوانب من مسيرته.
*اسم المؤلف: د, عبدالله مناع.
طبعة الكتيب صادرة عن المجلة العربية، العدد 44 شعبان لعام 1421ه المجلة العربية علم رائد من اعلام الثقافة، وحلقة تواصل متينة بين العلم والفكر والنقد والتراث، ولم يقتصر تأثير هذه المجلة على ما يعرض بين صفحاتها، من حكيم القول، وناصع البيان، بل تعدى هذا الى طبع كتيبات صغيرة جامعة، عن اعلام بارزين، وفطاحل نابهين، كهدية متواضعة منها لكل قارىء، ومثقف، ومفكر، رغبة منها في ان تنزلق اقدامهم في بحر المعرفة الهادر، وخضم العلمية العميقة فلها منا تحية تقدير واحترام وعرفان، ولرئيس تحريرها الأديب المفضال حمد بن عبدالله القاضي تحيات عطرات، ودعوات مباركات، تبارك مقاله ومقامه، وحادثه وحديثه، وتشحذ عزمه وعزيمته، فهو بطل حارث همام، برز وعلا حتى جاوز الأقوام.
وفي بادىء الامر، عرفت المجلة بمؤلف الكتاب، تعريفا سهلا ممتنعا، فهو الدكتور الفاضل، والأديب الأريب عبدالله مناع، وقد جمع له ربه نعمتين، الاولى: بكالوريوس طب جراحة الفم والاسنان عام 1381ه، والثانية: حرفة الأدب، ومهنة الصحافة، وما لبثت حتى استأثرت به كله، وقد تولى مناصب ومهام صحفية مختلفة، وهو الآن يشغل منصب رئيس تحرير لمجلة الاعلام والاتصال التي تصدر عن وزارة الاعلام في المملكة، كما ان له انتاجا ادبيا خصبا يتمثل في لمسات وانين الحياري والطرف الآخر، العالم رحلة ورحلات وغيرها الكثير الكثير، وتذكرني هذه الشخصية المبدعة بذلك الوزير العباسي القديم عبدالملك بن حسن الزيات والذي حاول والده بكل ما اعطي من قوة وسلطة عليه، ان يصرفه عن الأدب الى الطب، حينما بدت عليه علامات الذكاء، ومخايل النبوغ، لكن النفس حرون أبية، ابت الا الأدب، الذي استأثر بجميع جوانحه، وامتزج بروحه وجسده، فكان ما كان وزيرا عظيما، وأديبا كبيرا، له صول وجول، وقول ومقام، وبسبب عوادي الزمن العاتية، وتقلبات الأيام الطائشة، نزل من اعلى عليين الى اسفل سجين، ومن القمة الى الهاوية، فعذب عذابا شديدا، ثم وافاه الاجل المحتوم، والموت المقدر، وكعادة المجلة العربية في التقديم لكل كتيب، تحدثت بكلمة جامعة عن هذا الكتيب، ووصفت مؤلفه بقولها: والكاتب د, عبدالله مناع أديب واعلامي معروف، له عطاءات ابداعية في فن المقالة وفن القصة القصيرة وادب الرحلات .
ثم وصفت هذه المجلة اسلوب هذا الاديب الكبير بقولها: وقد قدم الكاتب الدراسة بأسلوب رشيق، وخيال مجنح، وعاطفة مشبوبة وقد صدقت المجلة العربية في وصفها هذا، فالمطلع على الكتاب، والقارىء فيه، يراه صغير الحجم، لكنه في معناه كبير جدا، وموضوع جد مهم بل هو حديث الساعة، وقد يسر الله تعالى بفضله ومنه وعظيم نعمه فرصة سانحة لقراءته فاذا بالتسلية تتحول الى جد، ويفتح هذا الكتيب امام عيني صورا والوانا مختلفة من المعرفة والعلم والثقافة، وليس غريبا ان يمتعنا الأديب الكبير عبدالله مناع بهذا فهو من هو في مهنته وصحافته وأدبه، واذا كان من حق العلم المعرفة والتقدير والاحترام فهذا يكون لمؤلفه وللمكتبة الصغيرة وللمجلة العربية الرائدة، التي تولت هذا العمل العظيم وجعلته هدية من هداياها الجميلة المجيدة، والناظر في الكتاب يراه صغير الحجم، قليل الصفحات، غير ان صغر الحجم لا تعني ضعف الفكرة او عدم الاستيعاب او ضيق الافق، وعندما تبدأ في تصفح الكتاب يلفت نظرك، ويشدك اليه تلك الطبيعة الجذابة الآسرة الى مطالعته واكمال قراءته فهو كتاب جامع شامل لكل ما في شخصية المترجم له، الشيخ العالم العلامة حمد الجاسر، حيث تناول ابعاد حياته الثلاثية وهي على التوالي: البعد الاعلامي والصحفي البعد المعرفي، البعد المجمعي، فالجاسر رجل رمز وعلامة اشارة في تاريخ قلب الجزيرة العربية، حمد الجاسر علّامة وعلامة، هو صفحة مشرقة مشعة من صفحات التاريخ المضيئة، وهو سفر من اسفار الصحراء، رجل انشق عن سائر الناس فصار شيئا عظيما، وهو كما وصفه عارفوه: رائد تنوير في قلب الجزيرة وشعلة هيام بأرضها ومواقعها ومواضعها وبركان طموح قاده الى البحر الكبير ليكون العلم والعلامة، واستهل الأديب الأريب هذه الترجمة المباركة الميمونة بالحديث عن نشأة العلامة الراحل حمد الجاسر، فهو منحدر من اسرة فقيرة تمتهن الزراعة في قرية البرود من بلاد السر جنوب القصيم، وكان انفتاق طالعه المبارك عام 1327ه وتشير كتب اخرى تناولت حياة الشيخ ضمن حوارات صحفية، انه كان مريضا جدا حينما كان طفلا صغيرا، وبلغ الرابعة وهو لا يحسن المشي على قدميه فاحتار اهله فيه فإخوانه يحسنون امتهان حرفة الزراعة اما هذا الطفل فيناسبه ان يرسل الى الكتاتيب ليتعلم فيها وكأن هذه الفكرة وافقت قدر الشيخ فأقبلت عليه المحارف متهللة مستبشرة ضاحكة، وقد تلقى الشيخ تعليمه الاولي ثم تقدم للحصول على شهادة ابتدائية وكان هذا في عام 1367ه ثم انتقل مع بدايات عام 1349ه الى مكة لينهل من معين معارفها وليغرف من ينابيع ثقافتها وقد حاول الشيخ في بداياته العلمية ان يقول شعرا، وكان يوقع قصائده الشعرية باسم بدوي نجد الجاسر او الجاسر بدوي نجد ، لكنه اقلع عن ذلك كما فعل طه حسين من قبل وهو يقول: ان حالي مع الشعر كحال الخليل بن احمد عندما قال: يأباني جيده، وآبى رديئه وفي عام 1358ه جاءت النقلة الثانية في حياته، حين ابتعث الى القاهرة لينضم الى كلية الآداب، وهناك قابل عميد الادب العربي الدكتور طه حسين فسأله عن قراءاته ولمن قرأ، وكانت بداياته الصحفية وكفاحه ومعاناته مع الصحافة مع نهاية عامه الدراسي الاول بآداب القاهرة، حيث كانت الحرب العالمية الثانية قد شب اوراها واضرمت نارها، واشتعل حطبها، فعاد الشيخ الى ارض الوطن ليعمل مدرسا بالاحساء، فمدرسا بمدرسة تحضير البعثات والمعهد العلمي السعودي بمكة، فرئيسا لمراقبة التعليم في الظهران من عام 1362 لمراقبة التعليم في الظهران من عام 1362 الى عام 1368ه ثم عين معتمدا للمعارف بنجد لينتقل الى الرياض ويعود اليها بعد تسعة عشر عاما، وقد تغير كل شيء فيها، ليتولى هذا المنصب الموسوم الرفيع العالي في ذلك الوقت، وفي تلك الفترة اخذ إذنا من صاحب السمو الملكي الامير سعود بن عبدالعزيز عليه رحمة الله وفي ربيع الثاني عام 1372ه بطلب السماح له باصدار صحيفة يومية باسم الرياض على ان تبدأ شهرية، فأسبوعية، فيومية، وقد عانى في سبل هذه الصحافة اشد المصاعب واكبر المتاعب، ثم اخذ في جمع مواد العدد الاول، وطار الى القاهرة ليتسنى له طبعها وحينما عاد متأبطا مجموعة منها، وعرضت على المغفور له ان شاء الله تعالى صاحب السمو الملكي الامير المفضال سعود بن عبدالعزيز، اخبر بأن سموه لا يأذن بدخولها، لانه سبق وان تقدم اليه شخص وطلب اذنا لصحيفة اخرى تحمل هذه التسمية فأخذ شيخنا يفكر في مخرج من هذه المزلقة الهاوية, ليوفر على نفسه الجهد والمال والوقت، فغير اسمها من الرياض الى اليمامة، وهكذا استمرت وما زالت تبعث الوعي والثقافة والفكر بين شرائح المجتمع المختلفة صغارا او كبارا، شيبا او شبابا، وهي ما فتئت متطلعة الى ما يرضي غريزتها، ويشبع نهمتها وطلع على اليمامة طالع السعد والسرور، وكوكب الاشراق والضياء، يوم تحولت الى صحيفة اسبوعية، وقد عانى شيخنا في سبيل صحافته شيئا عظيما، وتحمل امورا جساما، ومشاما عديدة، حتى اكتمل نضج فكرته التي كان يتبناها ألا وهي دور الصحافة في احياء المجتمع وتثقيفه وتوعيته، ولم يهدأ له بال ، ولم تستقر به حال، حتى أي هذه الصحافة قد أدت رسالتها على اكمل وجه، وأحسن وجهة، ومن شيق الكتاب ورائقه ما خطه يراع مؤلفه حين قال: لقد كان المثقفون الذين تجمعوا في مكة خلال السبعينيات الهجرية يقولون في صوالينهم ان في الزيدان شيئا من الرافعي وان في العطار شيئا من العقاد وان في العريف شيئا من التابعي اكبر صحفي ذلك الزمان، قلت بعد مرور اربعين عاما على قولهم، ان في الجاسر أشياء من الشيخ رفاعة الطهطاوي رائد التنوير في مصر فهو رائد التنوير في قلب الجزيرة، بسبقه وجهاده وجلده وبتلك المصابيح التي حملها على كفيه وسار بها في جوف الصحراء، وعتمة الأيام لينير الطريق، ويسعد أمته ويذكرني هذا القول الجزل والكلام الفصل، بقول ذلك الشاعر، الذي عود نفسه على ارتياد المجهول، وتذليل الصعوبات، فخاطب كل من تمنى المجد، وسعى في سبيل الوصول الى هدفه وطموحه:
لا تحسبن المجد تمرا أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا |
ثم يقول أبي العلاء المعري:
ألا في سبيل المجد ما أنا فاعله عفاف وإقدام وحزم ونائل |
ولعمري لقد كانت هذه السمات متوافرة في شيخنا العلامة، عليه من الله تعالى شآبيب الرحمة والغفران، هذا وقد كان المؤلف الفاضل يعرض فيما سبق البعد الأول، والطور الأول، من أطوار حياة الشيخ، وبعد ان انتهى من التطواف في هذا الطور انتقل الى البعد الثاني من الأبعاد الثلاثية لشخصية الشيخ حمد الجاسر، وهذا الطور هو جديد في حياة المجتمع، وهو ما نعته المؤلف بقوله: الأعمال الجغرافية وجهوده فيها ، وفيه اشارة هامة الى اسباب عشق الشيخ لهذه الجزيرة العربية الغناء، ثم الاشادة بالأسباب الهامة التي فتقت بواكير حب جغرافية الجزيرة العربية والهيام بها في نفسية ووجدان الشيخ، وذلك حينما استدرك عليه طلابه موقع جبل رضوى، فقلب هذا الاستدراك شخصية الشيخ رأسا على عقب، وغير مساره واتجاهه في هذه الحياة فكم من قصيدة حولت تاريخ امة، وكم من بيت شعري حدد وقرر مصير صاحبه، وكم من استدراك استدرك على عالم فحوّل قصده ووجهته، ولم تقتصر جهود الشيخ رحمه الله تعالى على نفسه، بل كان له الاثر الواضح في تشجيع الباحثين، ودعوة المفكرين الى الكتابة عن جغرافية الجزيرة العربية فكان ان زخرف المكتبة العربية بكتب عدة مثالها: المخلاف السليماني للاستاذ محمد العقيلي، وبلاد غامد وزهران للأستاذ علي بن صالح الزهراني، وبلاد القصيم للأستاذ محمد بن ناصر العبودي، والاديب الكبير، والشاعر الفحل عبدالله بن خميس عن بلاد اليمامة قديما وغيرها الكثير الكثير.
وان كان من حق العربية ان تفخر برجلين عظيمين من أعلى الناس ادبا وفكرا وبحثا فلتفتخر بياقوت الحموي وكتابه معجم البلدان ثم بشيخنا حمد الجاسر ومعاجمه الجغرافية، وفي هذا يقول الاديب الأريب الخبير د, عبدالله مناع، معلقا على هذا الامر :شيخنا الجغرافي، ستبقى معاجمه الجغرافية انجازا فذا بأدق المقاييس وأصعبها ويبقى شيخنا بدعوته واسهامه بجهده وخطاه، بعمله وحبات عرقه التي تساقطت واختلطت برمال ارضنا، رائدا من رواد المعجمين الجغرافيين لجزيرتنا العربية اليوم وغدا .
ثم يلي هذا البعد الثالث من ابعاد شخصية الشيخ واسماه المؤلف البعد المجمعي في حياته ولا تسل ايها القارىء الكريم عن هذا البعد، فهو جوهر ذات الشيخ عليه رحمة الله، وسر ابداعه ونبوغه وتفوقه فقد جاب الدنيا كلها ورحل الرحلات الكثيرة باحثا عن كتاب، ومنقبا عن مخطوط ومستعرضا لمكتبات الدنيا طولا وعرضا، وشيخنا العلامة كان مفتونا بكتب التراث، مغرما بها سواء أكانت شعرا ام نثرا، أو تناولت تاريخ البلدان او جغرافية أرضها وقد اولع جدا بحب ابي الفرج الأصفهاني وكتابه الرائد الأغاني كما أولع بالجاحظ وكتبه الرائدة كالحيوان والبيان والتبيين والبخلاء، وكان محبا جدا لحماسة أبي تمام، ورائق شعر البحتري وعذبه، وقد حاول المؤلف الغور في اعماق هذه الشخصية، والتغلغل في هذه الذات المعرفية، فيتحفنا بقوله: تلك الذات المعرفية القلقة، والبركانية الطموح، والتي توهجت عبر سنين تجاربه مع القلم والصحافة ومصابيح التنوير التي اشعلها حتى أسيء فهمه لقد عبرت تلك الذات عن نفسها بعلمها وبحثها وثقافتها التراثية الاصيلة المتنوعة فلفتت اليها الانظار والاسماع في الخارج كما في الداخل في وقت مبكر وقبل ان يصدر صاحبها اليمامة ويتسنم ادارة كليتي الشريعة واللغة وقد كان الشيخ يتساءل لم لا يكون لدينا مجمع للغة العربية كتلك المجامع المقامة في دمشق والقاهرة وبغداد، يكون اختصاصه باللغة العربية وتراثها وأدبها وتاريخها ومفرداتها ويتعاون مع بقية مجامع اللغة العربية في البلدان المجاورة، وقد شرف مجمع اللغة العربية بالقاهرة بانضمام شيخنا اليه حيث وقع عليه الاختيار رغم تواضعه وعدم رغبته في هذه العضوية وكان هذا الاختيار الموفق في مارس من عام 1958م.
واخيرا لقد كان شيخنا صحفيا نابها وجغرافيا دقيقا وموسوعيا شاملا، اثرى المكتبة العربية بغرر كنوزه الأدبية والجغرافية والتراثية، وهذه الشخصية ذات الابعاد الثلاثة هي على حد قول المؤلف ووصفه رأيت شيخنا جبلا من ارادة لا تنفد، وعزيمة لا تضعف، وصلابة في الحق لا تلين، رأيته واديا أخضر خصيبا فرحم الله الشيخ رحمة واسعة، وأسبل عليه سحائب مغفرته وعفوه ورضوانه، وقد مد الجاسر جزيرتنا العربية بتراثها وأدبها وجغرافيتها بيد قصر عن مدها الينا سواه.
|
|
|
|
|