| الثقافية
أتيحت لي فرصة طيبة أثناء تكريم الشيخ عبدالكريم بن عبدالعزيز الجهيمان في مركز صالح بن صالح الثقافي بمدينة عنيزة الفيحاء ثاني أكبر مدينة في القصيم في الفترة من 25 26/8/1421ه هذه الزيارة على قصرها تركت في نفسي انطباعا عميقا في أكثر من جانب، وأهم هذه الجوانب وفاء أهل عنيزة لذاك الرجل، وأعني به الشيخ صالح بن ناصر بن صالح رحمه الله، وليس بكثير الوفاء من الرجال الأوفياء هؤلاء الرجال الذين لم ينسوا من كان له فضل عليهم في يوم من الأيام، لم ينسوه عندما تعلموا وأصبح كثير منهم يحمل درجة الدكتوراه النظرية والعلمية أو الطب والهندسة وغير ذلك من الدرجات العلمية العالية، هؤلاء الرجال الاوفياء لم ينسوا معلمهم الذي اسهم في انارة عقولهم في فترة معينة من حياتهم وان لم يكن الاول في مجال التعليم فقد سبقه مجموعة ممن اسهموا في التعليم في عنيزة في العصر الحديث وأولهم الشيخ صالح بن عبدالله القرزعي والشيخ عبدالرحمن بن عبدالله القرزعي والشيخ صالح الدامغ، والشيخ عبدالعزيز بن صالح الدامغ، والشيخ محمد بن عبدالله الجناحي والشيخ عبدالرحمن بن سليمان الدامغ والشيخ علي الشحيتان والشيخ عبدالعزيز بن محمد الدامغ والشيخ فهيد بن مفلح الفهيد والشيخ محمد بن علي الجليدان وغيرهم رحمهم الله هذا في التعليم المبدئي اي تعليم القرآن الكريم قراءة وتجويداً وتعليم الخط، أما المرحلة الأعلى من التعليم في ذلك الزمن وهي تعليم الحلقات وهي قراءة الاصول والفروع من كتب العقيدة والفقه وغيرها وقد برز منهم كل من الشيخ عبدالعزيز بن محمد السناني والشيخ صالح بن عثمان القاضي والشيخ عبدالله بن محمد المانع والشيخ علي بن ناصر أبو وادي والشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي والشيخ سليمان بن عبدالرحمن العمري وغيرهم يرحمهم الله جميعا هذه المجموعة من رجال العلم كان من بينهم وربما في آخرهم الشيخ صالح بن ناصر بن صالح رحمه الله وهو ما جعله اقرب للذاكرة من الرجال الاوفياء عندما فكروا في احياء ذكره في انشاء هذا المركز الحضاري الهام، فقد اسس الشيخ مدرسته في عنيزة عام 1348ه 1929م على غرار مدرسة النجاة التي درس بها في مدينة الزبير وهي مدرسة تحتوي على العلوم الشرعية والعلوم العربية والحساب والهندسة والجغرافيا والتاريخ، وقد يكون هذا التنوع في مدرسة من كافة العلوم هو الذي ميزه عمن سبقوه الذين اقتصرت مدارسهم على العلوم الدينية، هذا الجانب الذي اكتسبه الشيخ خارج وطنه في مدينة الزبير وعاد ليطبقه في وطنه، وهذا من فوائد الغربة عن الوطن لاكتساب المعارف والانفتاح على العالم ثم العودة للوطن لتطبيق تلك الحصيلة المكتسبة,, هذا الجانب كان مدار الحديث الذي اتحفنا به سعادة محافظ مدينة عنيزة العميد طيار متقاعد عبدالله بن يحيى السليم اثناء حفل العشاء الذي اقامه للمحتفى به في تلك الليلة.
لم يذهب جهد ابن صالح ادراج الرياح كما ذهب جهد غيره في مناطق أخرى، ،إنما وقع في أيدٍ أمينة وفية له، وأعني هؤلاء الرجال الاوفياء لمعلمهم حينما فكروا في احياء ذكره، لا في تمثال يوضع في أحد الميادين كما يفعل في الاقطار الاخرى ولا في اطلاق اسمه على احد الشوارع المنزوية هذه الطرق لا تجدي فتيلا وإن ذكره من ذكره وخفي فضله على كثير من الناس، وإنما أحيوا ذكره في هذا الصرح الشامخ، في هذا المركز الثقافي الذي يحتوي على كثير من الانشطة الفاعلة من ذلك ما يتمشى مع افعال الخير، مثل الجمعية الخيرية الصالحية ومنها ما يخدم الثقافة والمثقفين مثل المكتبة المحتوية على آلاف الكتب والمفتوحة للقراء والباحثين، وكذلك المكتبة/ القسم النسائي المنفصل بمبنى مستقل والتي توفر الخدمات للباحثات والدارسات، ومنه ما يخدم توجه الناس اليوم مثل قسم الحاسوب والانترنت وتعليم اللغة الانجليزية لمن يريد التقوية في اللغة وبالاضافة لذلك لم يغفل اهتمامات الشباب وما يقضون به وقت فراغهم خاصة في الاجازة الصيفية التي يبحث الشباب خلالها عن مكان يقضون به وقت فراغهم فقد أوجد لهم مسبحا ممتازوا على كافة المستويات من التعليم المبدئي للسباحة حتى يصل الشاب إلى مرحلة متقدمة من اجادة السباحة، هذا المسبح مرتبط ارتباطا وثيقا بالنشاطات الثقافية الاخرى من قراءة وتعلم على الحاسب والانترنت والتقوية في دراسة اللغة، والى جانب ذلك فقد فتح الباب امام الهوايات الاخرى كالرسم الذي اوجد له مساحة ومراسم مخصصة وصالات للعرض ولم ينس المسؤولون عن المركز النصف الآخر في المجتمع وهي المرأة فقد خصصوا لها مكتبة منفصلة وأنشطة متعددة من ضمنها ما يتعلق بالهوايات النسوية كالنسيج والخياطة والسف وتصميم الملابس وابتكار الهدايا وغيرها يتم ممارسة هذه الهوايات بطريقة فعلية ويبرز نشاطهن فيما يساهمن به في المحافل المحلية المماثلة ومن يبرز لهن في مهرجان الجنادرية الذي يعقد سنويا ويكون لهذه الهوايات وممارستها مردود مادي يعود عليهن بالربح مما يشجعهن إلى الاستمرار في العمل، يضاف إلى ما سبق اسهام المركز في نشر المعرفة وطباعة الكتب والكتيبات التي لهما علاقة بالمنطقة من بعيد أو من قريب وابرزها على سبيل المثال مجموعة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي المحتوية على نحو عشرين مجلداً، هذه المطبوعات التي يقوم بها المركز واسعة الانتشار ليس في داخل المملكة فحسب بل إلى الاقطار العربية الاخرى حيث علمت ان القطر الجزائري الشقيق قد طلب من مجموعة الشيخ السعدي الكاملة نحو الفي نسخة، وفي مهرجان الجنادرية السنوي لا يغيب مركز الصالح عن المساهمة في مطبوعاته او مشغولات منسوبيه التي مرَّ ذكرها, لم يقتصر نشاط المركز على الجوانب التي مرَّ ذكرها وإنما يكملها بخطوة لها علاقة بالوفاء ألا وهي تكريم رواد الثقافة وغيرها نذكر منها على سبيل المثال تكريم الشيخ إبراهيم بن سليمان القاضي، والشيخ عبدالرحمن بن منصور الزامل رحمهما الله وأخيراً وليس آخراً تكريم الشيخ عبدالكريم بن عبدالعزيز الجهيمان امد الله في عمره ومنحه الصحة.
وهكذا يكون الوفاء من الرجال الاوفياء لاستاذهم لا أخص أحداً بالاسم فهم معروفون جميعا ويمثلون حبات التاج على جبين عنيزة جميعا وإن قام النخبة من هؤلاء الاجواد سواء من كان منهم مقيما في عنيزة أو خارجها، فاليد مع اليد تفعل المعجزات، وليت مجتمعنا الطيب إذا وجد من يقود المبادرة ان يفعل مثل ما فعل أهل عنيزة بانشاء المراكز النافعة تخليداً لذكرى ابنائه من الرواد الذين كان لهم دور فاعل في يوم من الايام في مجالات الخدمات العامة، سيما الخدمات التعليمية التي اسهم أولئك الرواد في انارة عقول الناس حين ضحوا بكل ما يملكون في سبيل التعليم في وقت غير وقتنا الراهن حين صار للمعلم مرتب شهري ويتم التعليم في مدرسة حكومية بكافة مستلزمات التعليم، ،لكن اولئك المعلمين الرواد كانوا يدرسون طلابهم في المساجد او في بيوتهم الخاصة يعتنون بهم وكأنهم أبناؤهم لأصلابهم ويؤوونهم في بيوتهم ويسقونهم من الماء الذي تحضره زوجة المعلم على رأسها ويدفئونهم في وقت الشتاء من الحطب الذي احضره المعلم لبيته وربما قدم لطلابه وجبة من الطعام من التمر وغيره إذا كان ممن وسع الله عليه في الرزق وغير ذلك من الخدمات، هؤلاء المعلمون القدامى هم الجديرون بأن تنشأ لهم المراكز والمشاريع النافعة للمجتمع بأسمائهم، وقد يقول قائل: لماذا المعلم وحده؟ وماذا عن بقية الخدمات الاخرى، كالكرماء الذين ينقذون مئات الارواح من الهلاك في أوقات المجاعات والمساغب ومن يقومون بخدمات جليلة اخرى فأقول لكل واحد من اولئك الرواد البارزين حقه، لكن مهمة المعلم الذي ينير العقول الى آفاق بعيدة وواسعة قد تفوق في نظري على الاقل الخدمات الاخرى دون مساس بأهميتها، وما أجدر كل من قام بخدمة من هذه الخدمات بأن يتذكره من له فضل عليهم ويحيوا ذكره في اشياء نافعة في الوقت الحاضر وما أكثرهم في كل قرية وبلدة ومدينة ومنطقة من بقاع وطننا الحبيب المملكة العربية السعودية، فما أكثر أهل الخير، وما أكثر من يبادرون فيه لكنهم بحاجة إلى من يبادر بمثل هذه المشاريع لابرازها إلى حيز الوجود مثلما فعل اهل عنيزة في مركز الصالح الثقافي فجزاهم الله خير الجزاء وأكثر من أمثالهم في بلدنا الحبيب.
|
|
|
|
|