| مقـالات
تحدثت في مقال سابق عن حياة هذا العلم تعرضت فيه لحياته الشخصية وحياته العلمية وأواصل الحديث عنه رحمه الله فأخصص هذه الحلقة لأتحدث عن دعوته من خلال اهتمامه بقضايا الدعوة من بيان لأهميتها وتوضيح لأساليبها وتوجيه حكيم للتغلب على عوائقها مما يكون زادا للدعاة إلى الله الذين يسعون لسلوك طريق العلماء والاستنارة بآرائهم وسيكون الحديث من خلال التفصيل في النقاط التالية:
اهتمامه رحمه الله بالدعوة إلى الله:
يعتبر الشيخ رحمه الله من أبرز الدعاة إلى الله تعالى في القرن الماضي حيث اجتهد رحمه الله في نشرها سواء عن طريق تعليمه أو تأليفه أو وعظه وتربيته حتى صار لدعوته أثر عظيم وقد تحمل هذا العبء الثقيل طلباً لمرضاة الله وهداية لعباده, قال الشيخ حسن سري: ويتحمل الشيخ أعباء التعليم والدعوة والإرشاد عن رضى وطيب خاطر فهو صاحب رسالة يهون في سبيلها كل ما يعانيه من تعب ومشقة فلا تثنيه الشهرة واتساع الصيت عن تأدية رسالته ولا تخرجه عن تواضعه بل تضيف إليه من الأعباء ما تنوء به كواهل الرجال (1) .
وقد قام الشيخ من خلال مؤلفاته الكثيرة بإبراز أهمية الدعوة والحث عليها مع بيانه لأساليبها وطرق التغلب على عوائقها ومعالجته لكثير من قضاياها بإسلوب تربوي قويم من عالم مجرب حكيم وكما قيل (ليست النائحة الثكلى كالمستأجرة).
قال الدكتور عبدالله الطيار: لقد كان ابن سعدي موفقاً في معالجته لقضايا الدعوة وذلك أنه داعية من الرعيل الأول إذ نزل الميدان وجرب ومارس وتعامل مع الناس فأخذ يكتب عن تجارب واقعية صادقة (2) .
ولعل ما يميز الشيخ عن غيره من العلماء في معالجته لقضايا الدعوة أنه عاش في عصر ضعف فيه المسلمون وتفرقوا واستعمرت بلادهم وجزئت أوطانهم إضافة إلى أنه عصر النهضة الصناعية والتطور المادي الذي بهر كثيراً من المسلمين مما جعلهم ينصرفون عن دينهم ويفتتنون بهذه الحضارة مما يستدعي العلماء الناصحين والدعاة المخلصين ان يسلكوا في دعوتهم طرقا وأساليب تناسب العصر وتلائم المدعوين مع عدم خروجها عن المنهج السلفي الأصيل فيجمعون بين الأصالة والمعاصرة في معالجة قضايا الدعوة وذلك بعد معرفة عوائق وعقبات الدعوة والطرق السليمة لمعالجتها واجتيازها.
وقد قام الشيخ رحمه الله بهذا الدور وفق أسلوب تربوي شرعي أصيل بعد معرفته لعصره الذي يعيش فيه وواقعه الذي يتحدث عنه فانتهج منهجاً وسطاً في معالجته لقضايا الدعوة بين من عجز عن مجاراة الزمن واختلاف المدعوين وبين من تأثر بالحضارة فانحرف عن المنهج الشرعي في الدعوة بزعم تطويرها.
قال الدكتور عبدالله الطيار: وإذا كان لابن سعدي ميزة على أقرانه ومعاصريه في قضايا الدعوة إلى الله فهي أنه فهم النصوص الشرعية وفهم الواقع الذي يعيش فيه فجمع بين فقه النص وفقه الواقع وهذا ما جعل قدمه راسخة في هذا المجال (3) .
أولاً: أهمية الدعوة:
تستمد الدعوة أهميتها من أنها سبب الفلاح في الدنيا والآخرة وحاجة الناس لها أعظم من حاجتهم للطعام والشراب وكان الشيخ رحمه الله ممن عرف أهميتها وحاجة الناس إليها فنذر نفسه لنشرها والحث عليها قال رحمه الله في حث أهل العلم على القيام بواجبهم في الدعوة إلى الله: وأما واجب أهل العلم المتعلق بالخلق فإن مهمتهم أعظم المهمات وعليهم من القيام بالحقوق اضعاف ماعلى غيرهم فإن الله أوجب على أهل العلم أن يبينوه للناس ولا يكتمونه فيعلمون الجاهلين وينصحون ويعظون ويذكرون ويصدعون بأمر الله ويظهرون دين الله (4) .
ويبين رحمه الله أن من بركة المسلم بذله للخير ونشره للدعوة فيقول: فينبغي للعبد أن يكون مباركاً على نفسه وعلى غيره باذلاً مستطاعه في الدعوة إلى الخير والترغيب فيه بالقول والفعل والتحذير من الشر بكل طريق ولا يحقرن من المعروف شيئاً (5) .
ويحرك رحمه الله شعور المسلم للقيام بالدعوة بتذكيره بحال أهل الباطل الذين يجهدون ويشقون في سبيل نشر باطلهم وهم على غير هدى فيقول: يا عجباً لمؤمن يرى أهل الباطل يجهدون ويألمون في نصر باطلهم وهم لا غاية يطلبونها وهو مخلد إلى الكسل عن نصر الحق الذي يترتب على نصره من الخيرات العاجلة والآجلة مالا يمكن التعبير عنه (6) .
بل نرى الشيخ من حرصه على الدعوة واهتمامه بها وحثه عليها يوصي الداعي بحمل دعوته في كل مناسبة أو اجتماع حيث قال: وينبغي للعبد عند اختلاطه ومعاشرته لهم أي الناس ومعاملتهم أن ينتهز الفرصة في إشغالهم بالخير وأن تكون مجالسه لا تخلو من فائدة أو من تخفيف شر ودفعه بحسب مقدوره فكم حصل للموفق من خيرات وخير وثواب وكم اندفع به من شرور كثيرة (7) .
ثانياً: أساليب الدعوة:
لقد سلك القرآن في الدعوة أساليب شتى يطرق بها القلوب ويلفت بها الأنظار وينبه الغافلين وإنما تعددت الأساليب لتعدد البيئات واختلاف الطبائع وتباين الأفكار فأساليب الدعوة تختلف باختلاف المدعوين وباختلاف الزمان والمكان وقد حث الشيخ رحمه الله الدعاة إلى الله على تنويع الأساليب بما يحصل معه المقصود وهو استجابة المدعو وتقبله فقال في استنباطه لفوائد من قصة نوح عليه السلام: فيؤخذ من هذا أن تذكير الناس بما هو أقرب إلى عقولهم وأنسب لأحوالهم وأدخل في مداركهم وأنفع لهم من غيره أولى من التذكيرات بطرق أخرى وإن كان حقاً لكن الحق يتفاوت والمذكر والمعلم إذا سلك هذا الطريق واجتهد في إيصال العلم والخير إلى الناس بالوسائل التي يفهمونها ولا ينفرون منها أو تكون أقرب لإقامة الحجة عليهم نفع وانتفع (8) .
* الرفق واللين:
من أساليب الدعوة الرفق بالمدعوين والإحسان إليهم وقد بين رحمه الله أثر هذا فقال: إن هؤلاء يحتاجون إلى معالجات متنوعة بالطرق التي دعت إليها الرسل,, ومع هذا كله فيحتاج إلى الإحسان إليهم وبذل المعروف وأقل ذلك بالصبر على أذاهم وتحمل ما يصدر منهم ولين الكلام معهم وسلوك كل سبيل حكمة معهم والتنقل معهم في الأمور بالاكتفاء ببعض ما تسمح به أنفسهم ليستدرج بهم إلى تكميله والبداءة بالأهم فالأهم (9) .
وقال رحمه الله في بيانه للأسلوب الأمثل في مجادلة الخصوم: ويدعى المجادل إلى الحق ويبين محاسن الحق ومضار ضده ويجاب عما يعترض به الخصم من الشبهات كل ذلك بكلام لطيف وأدب حسن لا بعنف وغلظة أو مخاشنة ومشاتمة فإن ضرر ذلك عظيم (10) .
ومن الرفق واللين بالمدعو الاقتناع بالتحسن اليسير وعدم المطالبة بمعالي الأمور خصوصاً للمبتدئ وقد قال رحمه الله في هذه المسألة: واقنع بالقليل إن عجزت عن الكثير واعلم أن قبولهم وانقيادهم مع الرفق والسهولة أبلغ بكثير من سلوك طريق الشدة والعنف (11) .
وقد سلك رحمه الله في دعوته هذا الأسلوب وتميز به حيث كان رفيقاً بالناس متلطفاً معهم بل لازمه هذا السلوك حتى في ردوده على المنحرفين.
وقد كان رحمه الله في مجالسه واجتماعاته يتكلم مع كل فرد بما يناسبه ويليق بحاله وينفعه في دينه ودنياه قال عنه بعض من ترجم له: كان كثير الاجتماع مع العامة ومع الخاصة في انديتهم وفي مجتمعاتهم وإذا اجتمع بهؤلاء أو أولئك انقلب المجلس إلى ناد علمي فمع طلبة العلم يبحث في شؤون العلم ومع العامة يرشدهم إلى ما فيه نفعهم في دينهم ودنياهم ولهذه الميزة التي تدل على تفتح الوعي واستنارة البصيرة وسعة الأفق تجد كل من يحضر مجالسه يستفيد منها علماً جماً وفوائد جزيلة,, وكان يتكلم مع كل إنسان بما يصلح له ويصلحه ويبحث معه في المعلومات التي تهمه وتنفعه في دينه ودنياه (12) .
وقال تلميذه الشيخ محمد العثيمين: إن الرجل قلّ أن يوجد مثله في عصره في عبادته وعلمه وأخلاقه حيث كان يعامل كلا من الصغير والكبير بحسب ما يليق بحاله (13) .
*الموعظة الحسنة:
ومن أساليب الدعوة الموعظة الحسنة وهي الترغيب والترهيب ولما لهذا الأسلوب من أثر في تليين القلوب القاسية وتنبيه القلوب الغافلة أوضح الشيخ رحمه الله الصنف الذي يجدي معه فقال: الذين عندهم غفلة وإعراض واشتغال بأمور صادة عن الحق فهؤلاء يدعون بالموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب لأن النفوس لا تلتفت إلى منافعها ولا تترك اغراضها الصادة لها عن الحق علماً وعملاً إلا مع البيان لها أن ترغب وترهب بذكر ما يترتب على الحق من المنافع وما يترتب على الباطل من المضار والموازنة بين الأمور النافعة والضارة (14) .
وقد سلك رحمه الله هذا الأسلوب في دعوته ووعظه وبين أنه أخذ به اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال في مقدمة مؤلفه في الخطب مبيناً أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم في الوعظ: وكانت مواعظه على نوعين: نوع يعظ الناس وعظاً مطلقاً يرغب في الخير ويرهب من الشر ويشوق إلى ما أعد الله للطائعين من الكرامة ويحذرهم مما أعد الله للعاصين من الإهانة ليثير في القلوب الإيمان والرغبة في الخير والرهبة من الشر,, ولما كنت في الخطابة كنت أنشئ جهد طاقتي خطباً على هذه الطريقة مراعياً لأحوال الناس والوقت (15) .
وصدق الشاعر إذ يقول في رثائه:
كم من فؤاد عام في لجج الهوى أنقذته أيام كنت تذكر طوراً تحذر بالعذاب وتارة برضى الإله وما أعد تبشر |
* المجادلة بالتي هي أحسن:
وأما أسلوب المجادلة بالتي هي أحسن فقد وضح الشيخ رحمه الله الصنف الذي يجدي معه هذا الأسلوب فقال: إن كان المدعو يرى أن ما هو عليه حق أو كان داعية إلى باطل فيجادل بالتي هي أحسن وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلاً ونقلاً ومن ذلك الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها فإنه أقرب إلى حصول المقصود وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام ومشاتمة تذهب بمقصودها ولا تحصل الفائدة منها بل يكون القصد منها هداية الخلق لا المغالبة ونحوها (16) .
وقد بيّن رحمه الله أن هذا الأسلوب الدعوي قد يتعدى نفعه إلى الآخرين من غير المجادلين فقال: الله تعالى من رحمته بالعباد يسر لهم أسباب الهداية غاية التيسير ونبههم على سلوك طرقها وبينها لهم أتم تبيين حتى أن في جملة ذلك أنه يقيض للحق المعاندين له فيجادلون فيه فيتضح ذلك الحق وتظهر آياته وأعلامه ويتضح بطلان الباطل وأنه لا حقيقة له ولولا قيامه في مقابلة الحق لربما لم يتبين لأكثر الخلق وبضدها تتبين الأشياء (17) ، وقد أبدع رحمه الله في استخدام هذا الأسلوب الدعوي حيث وفق كثيراً في مجادلة المبطلين سواء من خلال تفسيره للقرآن أو من خلال مؤلفاته الأخرى التي ظهر فيها هذا الأسلوب واضحا فكتابه (انتصار الحق) سلك فيه هذا الأسلوب وجعله عبارة عن محاورة ومجادلة بين مستقيم ومنحرف توصل من خلاله إلى إبطال الشبه وتبيين محاسن الدين والدعوة إليه وهذا أسلوب في التأليف جديد.
* شرح محاسن الدين:
الإسلام هو دين الفطرة والعقل جعل الله سبحانه فيه من المحاسن والمصالح ما يجعله صالحاً للناس إلى قيام الساعة لكن هذه المحاسن قد تخفى على البعض وقد يغفل عنها آخرون لذا حث الشيخ رحمه الله الدعاة على إظهار محاسن الدين وتوضيحها فقال:
إن من أكبر الدعوة إلى دين الإسلام شرح ما احتوى عليه من المحاسن التي يقبلها ويتقبلها كل صاحب عقل وفطرة سليمة فلو تصدى للدعوة لهذا الدين رجال يشرحون حقائقه ويبينون للخلق مصالحه لكان ذلك كافياً كفاية تامة في جذب الخلق إليه لما يرون من موافقته المصالح الدينية والدنيوية (18) .
ولمعرفة الشيخ رحمه الله بواقعه الذي يعيش فيه ولحرصه على نجاح الدعوة وتخير الأسلوب المناسب أرشد إلى سلوك هذا الأسلوب في هذا العصر لطغيان المادة على حياة كثير من الناس وانبهارهم بالحضارة المادية الغربية بحيث غفلوا عن محاسن دينهم فقال رحمه الله: ومن أعظم النصيحة لله الذب عن الدين وتفنيد شبه المبطلين وشرح محاسن الدين الظاهرة والباطنة فإن شرح محاسن الدين خصوصاً في هذه الأوقات التي طغت فيها الماديات وجرفت بزخرفها وبهرجتها أكثر البشر وظنوا بعقولهم الفاسدة أنها الغاية ومنتهى الحسن والكمال واستكبروا عن آيات الله وبيناته ودينه ولم يخطر بقلوب أكثرهم أن محاسن الدين الإسلامي فاقت بكمالها وجمالها وجلالها كل شيء (19) .
وكشأنه رحمه الله في الالتزام العملي بما يدعو إليه فقد سلك هذا الأسلوب فكان حريصاً في جميع مجالسه وخطبه ومواعظه على إظهار محاسن الدين وإبرازها وتوضيح تفوقه على غيره من الأديان وكذا نجد هذا المسلك واضحاً في كثير من مؤلفاته وردوده التي قاوم بها الملحدين والمنحرفين بل أفرد لهذا الغرض كتابا مستقلاً وهو (الدرة المختصرة في محاسن الإسلام).
*القدوة الحسنة:
الداعي إلى الله ينبغي أن يكون قدوة عملية للمدعوين فيدعو الناس بلسان حاله قبل لسان مقاله وقد بين رحمه الله أثر القدوة على المدعوين فقال: الناصح للخلق الذي يأمرهم وينهاهم من تمام قبول الناس لقوله أنه إذا أمرهم بشيء أن يكون أول الفاعلين له وإذا نهاهم عن شيء كان أول التاركين له,, لأن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قوله فعله,, فاقتداؤهم بالأفعال أبلغ من اقتدائهم بالأقوال المجردة (20) .
وقد كان رحمه الله قدوة عملية لطلابه ولعامة الناس بحيث عرف الناس عنه مسارعته لما يدعو إليه واعتقادهم أن ما يفعله ممدوح شرعاً وما يتركه مذموم شرعاً ولو لم يكلمهم في ذلك ويتبين ذلك من خلال هذه القصة التي ذكرها الدكتور عبدالرحمن العدوي حيث قال: كنا نزور الشيخ بين الحين والحين,, وذات لقاء قلت له: يا فضيلة الشيخ لماذا لا تستخدم مكبر الصوت (الميكروفون) في الخطبة فإن أكثر الناس لا يسمعون صوتك ولا يستفيدون مما تلقيه عليهم من المواعظ والأحكام؟ فابتسم الشيخ وكان له بسمة خفيفة جميلة تنم عن الرضى والسرور وقال: إن مكبر الصوت لم يدخل المساجد في بلاد نجد ولا أحب أن يكون أول من يستخدمه، قلت: ولماذا؟ ألست الشيخ العالم القدوة؟ إذا لم تفعل أنت ما تراه نافعاً فمن يفعله؟,, أليس في استعماله خير وهو نشر تعاليم الدين وآدابه وإسماع أكبر عدد ممكن بواسطته والنساء في بيوتهن حول المسجد ومن سن سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ذلك لأنه سيتعرض لجهل الجاهلين ونقد الناقدين وسيصيبه من أقوال الناس وإيذائهم واستنكارهم لما لم يألفوه شيء كثير فيكون له من أجل ذلك الأجر الكثير ثم إنك يا فضيلة الشيخ إذا لم تستخدم مكبر الصوت في خطبة الجمعة فلن يجرؤ أحد على استخدامه بعدك وسيقول الناس: لو كان فيه خير لاستخدمه الشيخ السعدي فتكون قد منعت استخدامه مستقبلاً من حيث لا تدري ولا تريد,, فاتسعت الابتسامة على شفتي الشيخ وقد استمع إلى كلامي كله مصغياً ومتأملا وهز رأسه يميناً وشمالاً في هدوء رتيب وقال: ما شاء الله لقد حدثني في ذلك غيرك وما شرح الله صدري لذلك مثل ما شرحه الآن وأعدك أن يكون في المسجد مكبر صوت في الجمعة القادمة إن شاء الله وبر الشيخ بوعده (19) .
ثالثا: عوائق الدعوة:
لاشك أن معرفة العوائق والعقبات التي تحد من انتشار الدعوة وتعرقل مسيرتها من أولى ما يحرص عليه الدعاة إذ التغلب على هذه العقبات من أعظم أسباب نجاح الداعي في دعوته وقد بين الشيخ رحمه الله أن الداعي لا تتم له الدعوة حتى يزيل الأسباب المثبطة حسب الإمكان وقد تحدث رحمه الله عن بعض عوائق الدعوة أذكر هنا تشخيصه وعلاجه لليأس الذي قد يصيب بعض الدعاة عندما لا يرى آثار دعوته كشاهد لمعالجته لعوائق الدعوة حيث قال رحمه الله موجهاً الحديث للداعي الذي يصيبه هذا الداء: إذا أراد هداية أحد أو دعوته إلى الإسلام,, ثم رأى من المدعو نفوراً أو إعراضاً أو بلادة وقلة فطنة فإن أخذه الملل واليأس من إدراك مقصوده منه وعدم رجاء انتفاعه لم يلبث إلا قليلاً حتى يدع دعوته وتعليمه فيفوت بذلك خير كثير وإن سلك مسلك نبيه صلى الله عليه وسلم في دعوته وهداية الخلق وعلم أنه لبث مدة طويلة يدعو الناس إلى الإسلام والتوحيد فلا يلقى أذناً سامعة ولا قلباً مجيباً فلم يضعف,, بل لم يزل قوي الرجاء عالماً أن الله سيتم أمره ماضياً على دعوته حتى فتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً وبلغت دعوته وهدايته ما بلغ الليل والنهار فإذا جعل هذا بين عينيه لم يشتد عليه أمر من الأمور ولو لم يحصل له إلا أن مجرد دعوته إلى الله من أكبر الحسنات لكفى الموفق داعيا إلى الصبر والرجاء,, وكم من أمر ميؤوس منه انتقل من طي العدم إلى الوجود بالصبر والمزاولة فلا يزال راجياً طامعاً في إدراك مقصوده أو بعضه ساعيا السعي اللائق به حتى يرى من آثار سعيه خيرا كثيراً (22) .
ونظراً لأن الداعية مع إخلاصه يحوز الأجر العظيم ولو لم يحصل استجابة من المدعوين كرر الشيخ رحمه الله إبراز هذا المعنى فأوضح ذلك في كتابه (المواهب الربانية من الآيات القرآنية) مشخصاً الداء وصارفاً الدواء حيث قال: الداعي إلى الله وإلى دينه له طريق ووسيلة إلى مقصوده وله مقصودان: فطريقة الدعوة بالحق إلى الحق للحق فإذا اجتمعت هذه الثلاثة بأن كان يدعو بالحق أي بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن وكان يدعو إلى الحق وهو سبيل الله تعالى وصراطه الموصل لسالكه إلى كرامته وكانت دعوته للحق أي مخلصاً لله تعالى قاصداً بذلك وجه الله حصل له أحد المقصودين لا محالة وهو ثواب الداعين إلى الله وأجر ورثة الرسل بحسب ما قام به من ذلك, وأما المقصود الآخر وهو حصول هداية الخلق وسلوكهم لسبيل الله الذي دعاهم إليه فهذا قد يحصل وقد لا يحصل فليجتهد الداعي في تكميل دعوته وليستبشر بحصول الأجر والثواب وإن لم يحصل المقصود الثاني وهو هداية الخلق أو حصل منهم معارضة أو أذية له بالقول أو بالفعل فليصبر وليحتسب ولا يضيق صدره بذلك فتضعف نفسه وتحضره الحسرات بل يقوم بجد واجتهاد ولو حصل ما حصل من معارضة العباد وهذا ما تضمنه إرشاد الله بقوله تعالى (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك) فأمره بالقيام به بجد واجتهاد مكملاً لذلك غير تارك لشيء منه ولا حرج لأذيتهم وهذه وظيفته التي يطالب بها فعليه أن يقوم بها وأما هداية العباد ومجازاتهم فذلك إلى الله الذي على كل شيء وكيل (23) .
وللحديث بقية إن شاء الله
الهوامش:
(1) مقال في مجلة الكلية المتوسطة للبنين بمكة المكرمة، العدد الثاني، ص 124,(2) أثر علامة القصيم على الحركة العلمية المعاصرة للدكتور عبدالله الطيار ص84.
(3) المرجع السابق ص81,(4) الرياض الناضرة، المجموعة الكاملة للسعدي، ثقافة 1/437,(5) المرجع السابق ص 512.
(6) الجهاد في سبيل الله، المجموعة الكاملة، ثقافة 1/168.
(7) الرياض الناضرة، المجموعة الكاملة، ثقافة 1/513.
(8) خلاصة تفسير القرآن ص153.
(9) المرجع السابق ص176,(10) الدين الصحيح يحل جميع المشكلات، المجموعة الكاملة، ثقافة 1/360.
(11) الرياض الناضرة، المجموعة الكاملة، ثقافة 1/517.
(12) سيرة العلامة السعدي جمع محمد حامد الفقي ص11.
(13) صفحات من حياة علامة القصيم للدكتور عبدالله الطيار ص98,(14) خلاصة التفسير ص278,(15) مجموع خطب السعدي، المجموعة الكاملة، الخطب ص187,(16) التفسير، طبعة دار المدني 1408ه،3/93.
(17) المرجع السابق 1/115,(18) الدرة المختصرة في محاسن الإسلام، المجموعة الكاملة، ثقافة 1/310.
(19) الرياض الناضرة، المجموعة الكاملة، ثقافة 1/486.
(20) خلاصة التفسير ص 175 والتفسير 1/ 57.
(21) مقال للدكتور العدوي، مجلة الجامعة الإسلامية، سنة 11 عدد 4 ص 207,(22) الفتاوى السعدية، المجموعة الكاملة، فتاوى ص464.
(23) المواهب الربانية، المجموعة الكاملة، ثقافة 1/24.
د, عبدالله بن محمد رميان الرميان
|
|
|
|
|