| الثقافية
ناقش ويناقش النقاد والشعراء وغيرهم من المهتمين، ومنذ فجر الشعر حتى الآن، القضايا التي تعالقت وتتعالق بالشعر، واشبعوا ويشبعون هذه القضايا دراسة وقتلوها ويقتلونها بحثاً، ووصلوا ويصلون إلى نتائج أو لم يصلوا ولن يصلوا أو هم على وشك الوصول.
ولكن، ماذا عن القضايا التي سوف تتعالق بالشعر مستقبلاً، ثم هل انتهت قضايا الشعر الماضية والحاضرة حتى يتم البدء في مقاربة قضاياه المستقبلية؟
وبعد تلك القضايا التي لا تُحصى وما دار ويدور حولها والنتائج التي تم الوصول إليها، هل ستبقى قضايا للمستقبل، أو هل ستجدّ أو تُثار قضايا تتعالق بشعر المستقبل أو مستقبل الشعر؟
ولكن الحركة الشعرية المتسارعة والعطاءات المتواصلة التي تتجدد وتتطور وتخترق المسافات والحدود وتحرق المراحل بطاقاتها الجديدة والقصوى واللامحدود، ستفرز ويصاحبها كثير من القضايا والهموم والمشاكل التي سترافق الشعر في رحلاته الدائمة إلى المستقبل بالاضافة إلى ما بقي من قضايا قديمة ومعاصرة لم يتم حسم جدلياتها، وبالاضافة أيضا إلى تكاثر أعداء الشعر وانضمامهم إلى المعسكرات التي تشن الحروب الخاسرة أبداً على الشعر والانسانية والجمال.
وإذا كانت قضايا الشعر في الماضي تدور حول الفرق بين الشعر والنظم والنثر، وفنون البلاغة المستخدمة، والأغراض الشعرية وغيرها مما شغل بال النقاد والشعراء القدامى، وكانت قضايا الحاضر وما تزال تدور حول الشكل والمضمون وماهية الشعر والفرق بين الشعر والنثر، والتقنيات والعناصر المستخدمة والبناء والوحدة وقضايا قصيدة النثر والنص الجديد المفتوح على كثير من الاجناس الأدبية، والاصالة والتجريب والعلاقة مع التراث وغيرها، فإن قضايا المستقبل، والتي قد يكون بعضها امتداداً لقضايا الماضي والحاضر، قد تتركز على تحديد الفرق بين الشعر والنثر وتحديد ما نتصوره نثراً وهو شعر وما نتصوره شعراً وهو مجرد نثر أو نثر منظوم، وتحديد وتحقيق الشعرية الصافية في معزل واستقلال عن سيطرة أحد عناصرها وعن ما يتوهم البعض انه ما يمنحها هذه الصفة كالشكل او الايقاع او المضمون او اللغة، وعلاقة الشعر بالمتلقي بعامة وقرب أو بعد الشعر العربي بخاصة عن القارئ العربي ووجدانه وحياته وذائقته، وغيرها من القضايا التي سوف يقوم المستقبل بانشائها, ولعل من القناعات الشعرية التي تم حسمها: ضرورة الاستمرار في المغامرة والتجريب والمجازفة والاكتشاف المدعومة بوعي وخبرات حياتية إنسانية وفنية، والبعد عن الاغراب والابهام والتعقيد والصعوبة، وتجسيد التجارب الجديدة مهما كان تعقيدها في بساطة وتلقائية وعفوية مع البعد عن التقريرية والمباشرة والسطحية والثرثرة والتفكك البنائي وبأساليب عميقة تذهب الى ما هو اصيل وحقيقي وجوهري، وفي وضوح للرؤى والمواقف وتحديد الأهداف وطرق التعبير عنها، وفي تحويل التجارب الذاتية الى تجارب إنسانية مشتركة، وفي البعد عن مجرد محاولة الاثارة الخارجية أو لفت الانظار فقط، وفي العودة عن الكتابة للنخبة فقط إلى الكتابة إلى الجمهور الانساني بمختلف طبقاته.
ومما ساعد على هذا النجاح المتحقق انتهاء انصار القديم أو قرب نهايتهم الأخيرة بعد سقوط التقاليد الجمالية القديمة وبعد أن فشلوا تماماً في عرقلة مسيرة تطور الشعر وتقدمه وحركيته، وبداية حركة شعرية تصحيحية جديدة تبعد وتنفي العاجزين والأدعياء الذين يحاولون تغطية عجزهم بأزياء من الألاعيب والغموض المبهم الفاقد للدلالة والمعنى، وبداية الالتحام الحقيقي بالواقع والعصر وانسانهما ووجوده وما يدور في هذه المنظومة من جدليات وبالحياة اليومية ولحظاتها وأمكنة احداثها، وبداية عصر جديد مع بداية الألفية الثالثة من الوعي والانفتاح الثقافي والاعلامي والاجتماعي والفكري والسياسي العالمي والعربي مع بداية انحسار عصور الأمية والتخلف والاستعباد، وبداية خروج كثير من الشعراء الحقيقيين من عزلتهم التي فُرضت عليهم أو فرضوها على انفسهم، وبداية دخول الشعر الحديث ومفاهيمه بعض المراحل الدراسية وانتهاء فرضية ان للشعر جمهوراً خاصاً من الصفوة فقط بعد ان اصبح الشاعر يكتب للجماهير بشكل عام اي بدون تحديد المتلقي سلفا وتفصيل النص على مقاسه، وبداية حركة تصحيحية أخرى تنفي ما ليس صالحا وتذهب بالزبد وتبقي ما ينفع الناس ويوقظهم ويحركهم ويثيرهم ويوحي إليهم ويغيّرهم ويستشرف لهم المستقبل، وبعد اجتياز الشعر الحديث كثيراً من المشاكل التي واجهته في بداياته والتي كادت ان توقف حركته التقدمية وتصيبه بانتكاسات ضارة، حيث تجاوزها واستطاع الاستمرار بعدها، وحتى الآن.
ولعل اهم قضية سوف يتمسك بها الشعراء الجدد وشعراء المستقبل، الوقوف صامدين أمام من يحاول التقليل من شأن رسالتهم الانسانية أو يحاول اقناعهم بعدم جدوى ما يقاتلون من أجله وما ينفقون وقتهم وجهدهم وصحتهم في سبيله، إذ ان الطريق إلى المستقبل لن تخلو من المرجفين ومثبطي العزائم والتوفيقيين والفارين من المواجهة والعاجزين عن اداء أدوارهم والمأجورين والباحثين عن الشهرة والاضواء على حساب الانسان وحاجاته الروحية.
|
|
|
|
|