| الثقافية
من شرفة مركز صالح بن صالح الثقافي الناهض فوق ربوة تترامى حولها أحياء عنيزة في نسيج جميل يتداخل فيه القديم العريق بمهابته التاريخية، والجديد الزاهي بحداثته، تتوشى بزخرف اخضر تمده حقول النخل الباسقات، من ورائها تلال متعاقبة كرجع الصدى لقوافل التجار والعابرين من الشرق إلى الحجاز, وقف عبدالكريم الجهيمان بين المرافقين محاولاً ان يمد بصره الذي أوهنه الكبر إلى هذا السحر وهو يصغي إلى عبدالعزيز الرميح وقد أشار إلى مبنى البلدية وهو نسخة مصغرة ومعدلة للمبنى الرئيسي لوزارة البلديات والشؤون القروية قائلاً:
ان المهندس فهد بن جبير رئيس البلدية الذي شرع في تنفيذ المشروع أجل أمر نقله إلى الرياض حتى ينجزه ليقدمه هدية إلى عنيزة التي أحبها.
عقبت:
من لا يبادل الحب مدينة تحمل هذا القدر من الحب للحياة,, مدينة تحتفل بالحياة وتقيم المشاريع الرائدة لبناء مستقبل مشرق كهذا الصرح الثقافي الذي نطل من شرفته على عنيزة,, تجولنا في أرجائه برفقة عبدالعزيز الرميح وصالح الغذامي وإبراهيم السبيل، وحسين المبارك وسليمان البطحي، دخلنا مكتبته المنظمة ومركز معلومات ووثائق القصيم، المدرسة المعدة لتقديم الدورات في اللغات والحاسب، ومررنا بالمنشآت الرياضية التي تحتضن الأطفال والشباب وتوقفنا في المرسم الذي قدم للساحة الفنية فنانين واعدين امثال الزيكان والدامغ والفيروز والنقيدان وغيرهم, هذا المرسم يتكون من صالتين: ورشة متكاملة التجهيز يشرف عليها مدرس مختص، تقوم هذه الورشة بتنمية القدرات الابداعية لدى المواهب الفنية وصالة عبارة عن معرض دائم لفناني عنيزة تجسد تلك اللوحات معالم وجوانب الحياة في هذه المدينة.
خلال جولتنا مررنا بقاعة المحاضرات التي تم فيها الليلة الماضية تكريم الأستاذ عبدالكريم ضيف المركز، اذ كان محل حفاوة وتقدير، حيث تناول المحدثون وهم محمد القشعمي، وعبدالرحمن السويداء والدكتور معجب الزهراني وناصر الحميدي وعبدالله محمد حسين أبرز الجوانب والمحطات في سيرته ومسيرته وعطاءاته والأمثال والحكاية الشعبية والرحلات وأدب الأطفال والعمل الصحفي والتربوي, أما هذا الصباح ففي هذه القاعة تدار ندوة نسائية حول طب العيون مما يبرهن على نشاط وحيوية وتنوع عطاءات هذا المركز الشامخ.
واستضاف عبدالله بن يحيى السليم محافظ عنيزة شيخنا عبدالكريم ومرافقيه في بيته العامر بالكرم والحب على حفل عشاء، حيث كان يطوف بضيوفه يحادثهم ويستزيدهم من اطايب مائدته الدانية.
من المعالم التي تنتزع الاعجاب والتقدير والتي هي بعد آخر لمركز صالح بن صالح الثقافي، الفرع النسائي، هذا الفرع يعكس الاهتمام البالغ الذي حظيت به المرأة حيث يشكل صرحاً ثقافياً اجتماعياً متكاملاً يشتمل على مكتبة عامة مربوطة عن طريق الحاسب بمركز صالح بن صالح تخدم هذه المكتبة رائدات المركز من طالبات الكليات والمعاهد والمدارس والمعلمات, يحوي المركز فصولاً تعليمية للحاسب واللغات، أما القسم اللافت للانتباه في هذا المركز فهو ورش التدريب النسوي والانتاج القائمة على العناية بالحرف التقليدية في منطقة القصيم وتطويرها فيضم قسماً خاصاً للسدو استطاع هذا القسم بفضل التدريب والاشراف المدروس من ذوي الخبرة تطوير هذه الحرفة والرقي بها مما مكنه من تقديم انتاج متقدم ومنافس اضافة إلى هذا هناك قسم خاص بالسعف واشغال النخلة والغزل، ان أهمية هذه الورش لا تقتصر على حفظ التراث فقط بل وتوفر فرص عمل للمرأة التي استفادت فعلاً حسب ما شاهدناه.
وإذا تجاوزنا هذا المركز إلى معالم بارزة وهامة في هذه المدينة التي تركت انطباعاً طيباً في نفوسنا جميعاً، تأتي مزرعة إبراهيم الرعوجي مزرعة الترفيه والثقافة، تضم هذه المزرعة إلى جانب وسائل الترفيه والتسلية وحديقة حيوان متحفاً متكاملاً وهو بمثابة سجل حي لتاريخ عنيزة والمنطقة، يشتمل على شواهد لجوانب الحياة كافة من أدوات العمل والأسلحة وعتاد الحرب وأواني المنزل وأدوات الزينة والملابس والعملات القيمة ونماذج من المخطوطات النادرة التي تعود إلى مراحل مبكرة من التاريخ الإسلامي يجاور هذا المتحف معرض دائم لفناني عنيزة تعرض فيه ابداعات الفنانين التشكيليين دون مقابل وهذا يعكس حرص السيد إبراهيم الرعوجي ووعيه في تقديم زاد ثقافي إلى رواد مزرعته.
ثم قصدنا منزل الأستاذ العلامة عبدالرحمن البطحي الذي استقبلنا بقامته الممشوقة وابتسامته الوقورة, هذا الرجل الانسيكلوبيدي يبهرك اتساع دائرة معارفه التي تنداح حلقات متصلة لتشكل منظومة فكرية وعلمية منفتحة على الانتاج الفكري الانساني قديمه وحديثه وتنتظم وفق منهج علمي محدد.
استهل الأستاذ عبدالكريم الجهيمان هذا اللقاء الحميم مداعباً مضيفنا بلوم شفاف يعكس حبه وغيرته حيث سأل عن سر عدم مشاركته في محافل عنيزة الثقافية، ثم طرحت على بساط النقاش قضية العقيلات أصلهم وتسميتهم ومسرح نشاطهم وكان الاستاذان البطحي وعبدالرحمن السويدا قطبي النقاش، وانسرب الحديث إلى القبائل والأنساب واثار القشعمي مسألة وجود قحطان وعدنان، ثم انتقل الحديث إلى اليهوديات، حيث استلم دفة الحوار عبدالرحمن البطحي فكان محللاً بارعاً، ولأن اليهوديات مرتبطة بحمام الدم الذي ترتكبه قوات اسرائيل في فلسطين حظيت باهتمامنا لانها القضية الملحة الآن أعربت للأستاذ عبدالرحمن عن أسفي على أن يهدر وقته الثمين في مراجعة الأنساب وتمنيت ان كتاب القبائل لم يفتح فبلدنا ولله الحمد تشهد تحولات اجتماعية واقتصادية يفترض منها ان تؤدي إلى تحلل الهيكلية القبلية كونها هيكلاً اجتماعياً لا يتلاءم مع البنى الاقتصادية الحديثة ولا يخدم التطور.
فأكد عدم اهتمامه بهذا الجانب لولا فضول رواد مجلسه، وعلق ساخراً ان أشجار الأسر وجداول الأنساب التي تزين بها جدران القصور والمنازل لا تخلو في معظمها من أخطاء وثغرات لا تملأها القرون.
والشمس تنحدر خلف تلال النفود الحمراء انتزعنا انفسنا من مجلسه انتزاعاً حيث لم نكتف بعدد الساعات التي قضيناها ننهل من معين علمه المتدفق وتوجهنا إلى منزل الأستاذ عبدالرحمن العلي التركي العمرو والد منظم هذه الفعالية الأستاذ إبراهيم التركي.
وتوج برنامجنا بسهرة فنية رائعة في دار عنيزة للتراث الشعبي، هذه الفرقة التي وضعت أمامها رسالة احياء التراث والمحافظة عليه وتطويره، كان في استقبالنا رئيسها حمد الهطلاني الذي رحب بنا ورافقنا إلى صالة الاستقبال حيث تناولنا القهوة وحدثنا نائب رئيس الفرقة صالح الفرج عن نشأة الفرقة وعن الدعم والتشجيع الذي تلقته من أهل عنيزة والذي كان له أبعد الأثر في نجاحها المتميز، وقيامها لتكون ملتقى للفن النزيه والترفيه البريء في مكان مفتوح للجميع، وأورد أمثلة لأشكال الدعم والشخصيات المساهمة وعلى رأسهم الشيخ عبدالعزيز الخنيني أبو أحمد الذي تبرع بالأرض التي أقيم عليها مقر الدار، ثم شرح لنا ألوان الفنون الشعبية التي قدمتها الدار والتي شاركت بها في فعاليات كثيرة داخل الوطن وخارجه مما اكسبها سمعة طيبة, بعد ذلك انتقلنا إلى صالة العرض، حيث عشنا عروضاً جميلة من ألوان الفنون السامري والحوطي والناقوز.
فأطرب ذلك الفن الأصيل شيخنا الجليل عبدالكريم الجهيمان فرمى عكازه ونهض يرقص فحرض فينا شيمة الرقص فتبعه الدكتور معجب الزهراني ثم لحقت به متحرراً من خجلي.
*مكتبة الملك فهد الوطنية
|
|
|
|
|