| مقـالات
قد وقع لي عن طريق الشراء والإهداء ما لم يكن قد حصل لي قبل خمس عشرة سنة من كتب وكتيبات متنوعة المصاب متعددة العناوين بعضها أعتبره كتاباً وبعضها كتيباً والآخر رسالة أو وصية أو مجرد صف لكلام طيب اجتهد صاحبه في جمعه حتى رأى أن تحويه دفتان وهكذا حتى سهل عليه بين كل فترة وأخرى أن يضيف إلى سابقه لاحقاً يدور معه وإن اختلف العنوان وحجم الكتاب ولاشك أن ظاهرة مثل هذه تعتبر ظاهرة طيبة وأقطع كل القطع أنها أفادت خاصة تلك التي تخاطب القلوب بوعظ وإرشاد وبيان لكن كل هذا مع فائدته وخيره يحتاج مني حسب فهمي إلى أن أبين أموراً قد وقفت عليها في هذه الكتب لا يعدم قارئ هذا الكلام من: الفائدة وهذه الأمور شبه مشتركة ومن هنا رأيت الكتابة عنها لبيان ما تحتاجه من ضوابط ضرورية فمن هذه الأمور وليس كلها:
1 ضرورة تحرير النص.
2 بذل الجهد في تحرير المسألة.
3 استيفاء القول في كل طرح.
4 فهم الكلام المنقول حول المراد.
وضوح الرأي مع دليله.
6 وضوح الرأي مع التعليل.
7 إيضاح الغاية في الجملة.
8 تثبيت المصادر.
9 توثيقها.
10 أمانة النقل مع الفهم.
11 بيان وجهة نظر المخالف.
12 عدم الخلط بين قول وقول.
13 عدم الخلط بين النص والقول.
14 فهم عبارات السلف.
15 معرفة النواسخ ونحوها.
16 التأني + دقة المراجعة.
17 البعد عن: الإنشائيات.
18 البعد عن الاستطراد والتكرار.
والذين يتذوقون القراءة ويتمعنون بمعاني ما يطرح ولو لم يكونوا من ذوي الاختصاص فإنهم يدركون الخلل في بعض هذه الرسائل التي يتعجل صاحبها بنشرها، ولو أنه عرفها أو استشار غيره من ذوي النظر المتمكن في علم الشريعة خاصة الحديث والرجال والجرح والتعديل وأحوال الرواة والأسانيد، لو أنه يفعل ذلك لجمع إلى عقله عقلاً وإلى رأيه رأياً وإلى إجتهاده في الخير اجتهاداً لا يعدم نفعه بإذن الله تعالى.
وكل من ألف أو بحث فإنه يقع فيما لابد منه أن يقع فيه بين مقل ومكثر، وهذه طبيعة البشر يبدو له اليوم ما يخالفه غداً وما بدا بغد فإنه يحسنه أو يزيد منه أو ينقص بعد غد لكن أصل الخلل إنما هو: واقع فيما حررته من الأمور الثمانية عشر وهذه صالحة دون ريب حتى من يتناول ذات تأصيل العلم من تحقيق.
وتخريج.
وفتوى.
وبحث علمي خاص.
وتقرير حكم.
ونقد لمسألة معينة.
وقد وجدت الخلل كذلك حتى في مجال الأدب والتاريخ والنقد ولهذا تراجع كثير منهم عن آرائه ومذهبه ومذاهبه لما تبين له أنه لم يكن على شيء وقد اتضح له الآن ما كان خافياً عليه من قبل بسبب زلة أو عجلة أو إعجاب ما أو اعتقاد فيه من الخطأ بقدر مافيه من حب الذات وورم النفس والحيرة في الانتقاء الثقافي والمعرفي.
ولعل أهم ما يمكن وجوده قبل نظر المسائل وبحثها هو تصور المراد طرحه ما له وما عليه وما يحيط به من أهم مواده التي طول النفس وحسن التصور وحسن التصرف والوقوف على أمر مهم وهو أن من سوف يقرؤون كتابه أو بحثه يعرفون أمورا قد لا يعرفها هو فيقع في دائرة التحقير أو التجهيل، وقد كان بمنجاة عن هذا وذاك، وهذا كله من آثار العجلة وسوء التصور وضعف التصرف.
ولقد كان كبار العلماء في هذه الأمة يراجعون كتاباتهم وتقريراتهم ويسافر بعضهم الى بعض من أجل مسألة أو رأي أو نص ولقد يمضي على الواحد منهم عشرون عاماً وهو يُبدي ويُعيد ويُضيف ويحذف ويراجع ويتأمل ويستخير حتى يطمئن ويرتاح قلبه ويستقر عقله فيخرج كتابه للناس، ولا يمضي وقت يسير مع قلة الرحلات وضعف المواصلات وخوف الطريق وقلة الزاد لا يمضي وقت يسير إلا وكتابه قد طبق خبره المشرقين وسار في الناحيتين وعلم البحرين وعلمه العلماء والعوام وطلبوه وألحوا في طلبه ما بين مسافر وموصٍ وموكل.
فها هم الكبار مثل: ابن جريج وحماد بن سلمة وحماد بن زيد ومالك والزهري وابن معين وابن المديني وابن راهويه وموسى بن عقبة ويحيى بن يحيى الليثي.
واحمد بن حنبل ومسرد بن مسرهد وشعيب ابن ابي اياس وغندر وبندار وشعبة وقتيبة بن سعيد وسليمان بن حرب .
وها هو البخاري ومسلم,, إلخ.
ثم ها هو: ابن قتيبة وابن سلام وسيبويه والمبرد وابن جني وعيسى.
ثم هاهو: ابن جرير والكلبي وابن سعد وابن عدي وابن ابي حاتم,, الخ.
في علوم شتى واصناف كثيرة لايؤلفون حتى ينظروا ما فوقهم وما بين ايديهم وكيف ألفوا وعمن اخذوا وهل اضافوا جديداً للامة تحتاج اليه في دينها ودنياها؟ وهل ما قاموا به تكرار ونقل؟ وهل نياتهم صافية صادقة؟ وهل ظلموا او جنوا او سفهوا الخ؟
تلك هي حالهم وتلك هي حالتهم تجديد آراء واضافة اجتهاد مع كمال علم وفهم وسداد رأي وصلاح نية وتواضع وهدوء وسكون وانك لو اجد وايم الحق من خلال تراجم هؤلاء الذين جددوا وابدعوا وسبقوا ما لم تكن تتوقعه من كمال ثقة بالله وكمال توحيد وحسن ظن بالعلم الصحيح وانتشاره ابداً ولقد تعجب من بركة الوقت لديهم مع قلة اسباب الكتابة والسفر لكن الله تعالى يأبى إلا ان يختار في كل جيل وقرن من يقوم بهذا العلم بناصع من البيان والحكمة والفهم والوعي السليم العميق.
وقل وجود: الإنشائيات وسرد الوعظ وحطب الليل إنما هو تحرير المسائل العلمية وضبطها بدقة وفهم مراد وسعة صدر وحسن تصور وجمال تصرف حكيم موزون.
اقرأ إن شئت فقط: مقدمة مسلم.
أو اقرأ إن شئت فقط: تقدمة الجرح والتعديل.
أو اقرأ إن شئت فقط: الإلماع,, لعياض,
أو اقرأ إن شئت فقط: رسالة أبي داود.
أو اقرأ إن شئت فقط: العلل,, للدارقطني.
أو اقرأ إن شئت فقط: الحيدة,, للكتاني.
أو اقرأ إن شئت فقط: الرحلة في طلب الحديث.
أو اقرأ إن شئت فقط: الإبانة عن اصول الديانة.
أو اقرأ إن شئت فقط: مقالات الإسلاميين.
تجد عجباً أثمره جهد عقول كبار العلماء وبانت الصبح بشمس صافية وسماء هادئة وريح نافعة وأرض راسية حلوة باقية، وخذ كتاباً صغيراً مثل: الحيدة أو مقالات الإسلاميين أو رسالة أبي داود وقارن بينها وبين ما تريد مما ظهر اليوم تجد أن أركان التأليف هي ما أسلفت، وإنما العجلة وقصور التصور وضعف وجهة نظر المخالف والسرد الإنشائي أول ما يواجهك فيما ظهر اليوم إلا ما شاء الله, وإني لضارب أمثلة مما وقع لي من كتب وبعضها رسائل علمية لنيل الدكتوراة اضربها حتى تتبين مقارنة الحال وحتى تتضح بالأمثلة مدارك الخطأ من الصواب فيما يجب نظره على كل حال: ثلاث صغيرة أصحابها فيهم من حب الخير للغير بقدر ما فيهم من الحرص على التثبت لكن ليس كل مجتهد يصيب:
فقد جاءت الرسالة الأولى بقرابة ستين صفحة فقط امر ونهي ووعظ مع إيراد بعض الآثار،والملاحظات:
إيراد نصوص لم يخرجها بل حكم على نصين أو نقل ممن حكم عليهما أنهما صحيحان، وليس كذلك.
الأول: حديث احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله,, إلخ.
فقال: صحيح عن ابن عباس, قلت هوحديث حسن رواه الترمذي,
الثاني: حديث من لم تنهه صلاته عن الفحشاء فلا صلاة له.
قلت هذا الحديث لم يصح، وقد ورد بلفظ غير ما نقله.
وبجانب هذين النصين هناك جزم وقطع وقد كان الأولى التأني والمراجعة.
وجاءت الرسالة الثانية كبيرة نوعاً ما بمئة وثلاثين صفحة عدا الفهرس وسبيلها سبيل الأولى إلا أنه يرجح قولاً على قول وأحياناً قولاً على أقوال وهذا بسبب قصر النفس وقلة البضاعة فلم يبين الأدلة ولم يبين سبب الترجيح الذي ذهب إليه.
وكتابه مع أنه علمي إلا أنه جنح به إلى الطرح الخطابي والأسلوب المباشر، وهذا ناتج من الفقر العلمي وإلا فإن دراسة كل قول وبيان ما له وما عليه بتركيز ودقة وتمهل يحل محل ذلك الطرد الخطابي.
فإنه حين أورد وجوب الوفاء بالنذر حتى مع عدم القدرة عليه ونصر هذا القول وقال: إنه عبادة لازمة، ذهب ينشىء الكلام إنشاءً دون بحث ومعالجة مع أن هذا الرأي مرجوح وهو معلوم من الدين بالضرورة.
والرسالة الثالثة حول: الصيام وأفاد في بعض المواطن منها وجوب تتابع القضاء لمن افطر اياماً من نهار رمضان وراح ينصر هذا القول بسرد آيات الوعظ، ومع أن القضاء لا يلزم فيه التتابع ومن تابع القضاء فهو خير لكنه جزم بلزوم التتابع دون دليل صحيح وجاء في هذه الرسالة ما ليس منها كمسألة: الحجاب والأغاني ورسالة للدكتوراة اخذ صاحبها درجة الشرف ولا أدري هل نشرها ام لا؟
هذه الرسالة كبيرة ومن اشرف عليها وناقشها رجال فضلاء وطلبة علم أخيار احسبهم كذلك لكن لعل الخلل حدث اما لعدم التخصص وإما للخلط بين المعارف العلمية والمصادر والمراجع مع أن هناك فرقاً بين المصدر والمرجع ولابد من التنبه لهذا.
فمن الملاحظات التي نظرتها مثل :
قول الباحث وقد خرج حديث هو الطهور ماؤه الحل ميتته قاله ابن قدامة,, راجع المغني ج1.
وقوله: وقد رجح صحة حديث لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد أبو داود واحمد .
وقوله: احلت لنا ميتتان ودمان صحيح.
راجع جامع الأصول لابن الأثير الجرزي,
قلت: انظر كيف جعل كتاب المغني للإمام ابن قدامة مرجعاً لتخريج الحديث,, ولا يصح من باب الأمانة العلمية لأن كتاب المغني كتاب فقه، وفيه الصحيح والحسن والضعيف.
وقوله: وقد رجح صحة حديث لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد أبو داود واحمد.
قلت: أولاً لم يتم الحديث فله تمام.
ثانياً: لم يخرجه ولم يصححه أبو داود .
ثالثاً: الحديث اخرجه الترمذي واحمد.
رابعاً: الحديث ضعيف.
وهناك غير هذا: أحاديث ونقولات تحتاج إلى نظر واسع وتأمل ودقة مراجعة، ولقد وجدت في كثير من الرسائل العلمية ما يلي:
اطالة الهامش.
تكرار المرجع كثيراً.
عدم العودة إلى المرجع نفسه.
التساهل في بسط الخلاف.
العجلة في تدوين الآراء.
عدم الدقة في نسبة الأقوال.
تكرار الترجمة كثيراً.
النقل وهذا قليل دون الاشارة الى المصدر.
الحكم على النص دون استقصاء تام.
فقدان طرح الناسخ والمنسوخ ونحوه الاستطراد.
النقل للكلام لا موجب له.
وانني لآمل من العلماء وطلاب العلم والباحثين تحري الدقة واستقصاء النظر بواسع من النفس وفهم عبارات علماء الجرح والتعديل في حال نقد الراوي جرحاً أو مدحه تعديلاً لأنني رأيت عدم فهم من طلاب الدراسات العليا خاصة في عبارات:
يحيى بن معين
البخاري
احمد بن حنبل
ابو زرعة الرازي
ابو حاتم الرازي
الترمذي
عبدالرحمن بن مهدي
فهؤلاء لهم عبارات توحي احياناً بنقد الراوي وليس كذلك، ولا يعرف هذا إلا باستقراء كلامهم بطول تأمل ومقارنة وتتبع كثير.
وان الفهم وطول النظر في المطولات وأصول الامهات مع المراجعة والاستشارة تدفع العلماء والباحثين إلى ما لا يجرهم إلى خلافه من الحذف والتغيير والزيادة والنقص في اصول ما طرحوه.
|
|
|
|
|