أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 6th December,2000العدد:10296الطبعةالاولـيالاربعاء 10 ,رمضان 1421

عزيزتـي الجزيرة

المملكة العربية السعودية والدور الريادي في العالم الإسلامي
تعتبر المملكة العربية السعودية عند كل مسلم فوق كل أرض وتحت كل سماء، هي قلب العالم الإسلامي النابض، وروحه الفاعلة، ومحركه الفعال ومحط أنظار أبنائه، ومهوى أفئدتهم، ومتجه قبلتهم، ونصيراً بعدالله لمظلومهم ومضطهدهم ومعيناً لمشردهم وضعيفهم ومنكوبهم وداعما أساسيا لجميع قضاياهم على تنوع أجناسهم وألوانهم وتباين وتباعد بلادهم وديارهم تعطي ولاتبخل، تؤيد ولاتتنازل، وتعطف وترحم، تبني ولا تهدم، دون منة أو أذى، أو انتظار لمدح وثناء، ثبات في المواقف نابع من رسوخ وأصالة في المبادىء، منتج للقوة في الحق وفق نظرات صائبة وسياسة حكيمة، وأحكام سليمة تنطلق من رسالتها السامية وغاياتها النبيلة، وأهدافها العالية المستمدة من مبادىء الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقاً والتي قاعدتها الأصيلة، ومنبعها الصافي،ومعينها الذي لا ينضب كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه سلف هذه الأمة مع ما تميزت به من الأصالة، والكمال والتمام والشمولية، والصلاحية لكل زمان ومكان وأمة, قال تعالى: (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) وقال تعالى: (مافرطنا في الكتاب من شيء) وقال صلى الله عليه وسلم: تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي وقال صلى الله عليه وسلم: تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا هالك وقال أبو ذر رضي الله عنه : لقد توفي رسوله صلى الله عليه وسلم وما طائر يطير بجناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً يعرف ذلك ويدركه المحققون من أهل العلم المدركون للمصالح، العارفون بحقائق الأمور القادرون على تطبيق الأحكام الشرعية على مايستجد في الدنيا من الحوادث والأقضيات، وماينزل فيها من النوازل.
ودولتنا الفتية أخذت بذلك وطبقته، وعملت به في دقيق أمورها وجليلها، كبيرها وصغيرها، علماً وعملاً، تعاملاً وتصرفاً وعلاقة، عبادة ومعاملة، أحكاماً وسلوكاً واحتراماً للحقوق، وتقديراً لكل مستحق، ووقوفاً مع المسلمين وقضاياهم بصفة عامة وقضية فلسطين خاصة منذ عهد مؤسس هذا الكيان العظيم الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله الذي وقف موقفاً مشرفاً منها، ودعمها بكل الوسائل والأساليب المتاحة، يشهد بذلك التاريخ، وتدعمه الوثائق، وتجليه الحقائق، واستمرت تلك المواقف الواضحة والصريحة، وذلك الدعم المادي والمعنوي المنقطع النظير حتى بلغ أعلى ذروته، وقمة امتداده، وبالغ قوته وأثره إسلامياً ودولياً في هذا العهد المبارك الميمون عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله يعينه في ذلك ويشد من أزره، ولي عهده الأمين وعضده الأيمن صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز وفقه الله.
يشهد على ذلك، ويدل عليه دلالة واضحة، ويجعله واقعاً حياً، وملموساً يعرفه القريب والبعيد، والعدو قبل الصديق، الموقف الخالص المخلص الصادق المؤثر من حكومة المملكة العربية السعودية وشعبها بأنفسهم وقلوبهم ودعواتهم وأموالهم وأقلامهم ووسائل إعلامهم مرئية كانت أو مقروءة أو مسموعة مع انتفاضتهم، وكان مضرب المثل في ذلك والقدوة الحسنة والصالحة هم قادة هذه البلاد حيث بادر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني حفظهم الله بالتبرع بملايين الريالات، والتوجيه بإقامة حملة تبرعات مباشرة عبر القناة الأولى في التلفزيون السعودي ظهر من خلالها تفاعل عجيب، وتعاون ناهض من أفراد هذا المجتمع مع هذا النداء الخيّر تحدثت به الركبان وصار شاهد عيان لكل من أراد الحقائق ونظر إلى الأحداث بواقعية وموضوعية، فقد هب الصغير قبل الكبير، والنساء قبل الرجال، وسبق الفقراء الأغنياء، والمرضى الأصحاء في مشهد رهيب ومعبر أثار العواطف واستنهض الهمم وأحيا القلوب وأدمع العيون وحرك المشاعر وأيقظ الأرواح لمد يد العون لابناء فلسطين في جهادهم ضد المعتدين الآثمين المغتصبين من إخوان القردة والخنازير الذين لم يتركوا سلاحاً ولم يتورعوا عن أي أسلوب مشين في قمع تلك الانتفاضة والتنكيل بأهل بيت المقدس، وأذاقتهم ألوان وأصناف العذاب والتشويه والتخريب دون هوادة أو رحمة، أو مراعاة لحق أو سن أو نوع أو جنس مما هو ليس بغريب عليهم فقد قتلوا أنبياء الله قبل ذلك، وأفسدوا في الأرض قال تعالى: فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية .
ولم يقف الحد عند ذلك بل تعداه بخطى ثابتة ونظرات صائبة فصدر الأمر السامي بتشكيل لجنة عليا لجمع التبرعات وفق تنظيم سليم وتخطيط نافع برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية حفظه الله تمثل فيها إمارات المناطق، ليستمر العطاء، ويحصل المقصود وتصل تلك الهبات إلى أهلها وتابع قادتنا وفقهم الله اهتمامهم وعنايتهم بما يلاقيه ويعانيه الفلسطينيون من القتل والتعذيب، ففتحوا جسراً جوياً لنقل الأطعمة والأدوية إليهم، مع استضافة العديد من المصابين منهم في مستشفيات المملكة ونقلهم عبر طائرات الإخلاء الطبي المتطورة وتقديم أرقى وأفضل الخدمات الطبية لهم، وإعطائهم الأولوية في ذلك، وقد وقفوا حفظهم الله على تنفيذ ذلك وتابعوه بأنفسهم، وفعّلوه وعايشوه بكل محبة وعطف ظهر ذلك جلياً في تلك الزيارات التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني رعاه الله وصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض حفظهما الله للمرضى المنومين في المستشفيات ممن وصلوا إلى هذه الأرض المباركة من مجاهدي الانتفاضة، حيث اطمأنوا على صحتهم، وقووا من معنوياتهم، ومسحوا دموعهم ولملموا جراحهم وضمدوها وواسوا مصابهم، ووعدوهم بكل خير في لفتة أبوية قيادية، يعز وجودها ويندر حصولها، وتأتي القمة العربية الطارئة المعقودة بهذا الخصوص فتقف المملكة شامخة عزيزة رافعة رأسها، مصرحة بموقفها القوي، ودعمها اللامحدود للقضية الفلسطينية على مختلف الأصعدة، وتنوع الأحوال والظروف دون تردد أو تراجع، سطّر ذلك وأعلنه مدوياً في أرض الكنانة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز رئيس وفد المملكة في هذا المؤتمر وفقه الله في كلمته الوثائقية التاريخية العظيمة أمام المؤتمرين والتي تلاقحت بسببها الأفكار، واجمعت الكلمة وتوحد الهدف، تطلعت إليها الأفئدة، واشرأبت لها النفوس، وعلت بمضمونها الهمة، وأعطت المدى البعيد الذي تعمل من أجله حكومة هذا الوطن الغالي، فتعلقت بها قلوب المسلمين، وارتوت من معانيها عقولهم حتى لامست سويداء قلوبهم، فراحوا يتأملون، ويمعنون النظر، وينتظرون بلهف وشوق النتائج المرجوة والأهداف المنشودة، ولم يبعدوا النجعة بذلك التأمل والانتظار، حيث عاينوا الحقائق ولمسوا الغايات، وشاهدوا المواقف الصلبة الأهلية لقادة الإسلام وأئمة الهدى والخير، والتي تجلت في موقفهم من مؤتمر القمة الإسلامي التاسع، وعدم القناعة بالمشاركة فيه، لأن عوامل النجاح المطلوبة له غير متوفرة، وبعد أن اتخذت الخطوات العملية والمؤدية لنجاحه وبكل ثقة وثبات تعلن المملكة موافقتها على حضور المؤتمر، فتعظم آمال الجميع قادة وشعوباً.
ويشيع الإعلان عن مشاركتها في قمة الدوحة ورئاسة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز لوفد المملكة جواً من التفاؤل بنجاحها ووصولها إلى موقف إسلامي عربي موحد في مواجهة التحديات الراهنة يقول الرئيس الإندونيسي: (إذا وضعنا في اعتبارنا أن المملكة رائدة العمل الإسلامي، وكذلك ثقلها السياسي الهام على كافة الاصعدة ثم موقفها الحازم إزاء العدوان الإسرائيلي فلاشك ان مشاركة سمو ولي العهد سوف تكون دفعة قوية للقمة).
ويتفق الجنرال برويز مشرف الرئيس التنفيذي لباكستان مع ما ذهب إليه عبدالرحمن واحد فيقول: (أضف إلى ذلك أن المملكة دولة المقر بالنسبة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وعليها مسؤولية إسلامية كبيرة وهي عوّدتنا دائماً على تحمل هذه المسؤولية والعمل بكل إخلاص لما فيه خير الأمة).
ويقول الرئيس الكازاخستاني نور سلطان نزارباييف: (نحن سعداء للغاية بهذه المشاركة فلا قمة قادرة وفاعلة بدون المملكة).
كما عدَّ الرئيس المالديفي مأمون عبدالقيوم مشاركة المملكة عاملاً مهماً لإنجاح القمة وقال: (إن الأمير عبدالله شخصية سياسية محنكة، وبالإضافة إلى ذلك فهو أيضاً ينحو نحو الدعم العملي الحقيقي لقضايا الأمة), وها هو خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وفقه الله يتابع فعاليات هذه القمة، ويعرب عن تمنياته بالنجاح والتوفيق لاخوانه قادة الدول الإسلامية المجتمعين في الدوحة في إطار مؤتمر القمة الإسلامي التاسع، وأكد حفظه الله الأهمية القصوى التي تكتسبها القمة الإسلامية في ضوء الأحداث والتطورات التي تشهدها الساحة الإسلامية، وماتواجهه القضايا المصيرية للأمة من تحديات والحاجة الملحة إلى المزيد من التضامن الإسلامي، ووحدة الصف لمواجهة تلك التحديات,كما أكد على ثقته في أن قادة الدول الإسلامية قادرون بإذن الله تعالى على التوصل إلى القرارات الفعالة التي تخدم الأمة الإسلامية وقضاياها وتحقق أماني وتطلعات الشعوب الإسلامية، وتدعم التضامن الإسلامي والتعاون بين الدول الإسلامية، وتقدم الصورة الحقيقية الباهرة عن الإسلام الذي يدعو إلى العمل من أجل الإخاء والبناء والسلام وخير البشرية، وتقدم الإنسانية جمعاء، منوهاً وفقه الله بالدور المهم الذي تؤديه منظمة المؤتمر الإسلامي من خلال هيئاتها ومؤسساتها المعقودة التي تواصل جهودها في خدمة التعاون بين الدول الإسلامية، ودعم العمل الإسلامي المشترك بجميع ميادينه البناءة مؤكداً حفظه الله استمرار المملكة العربية السعودية في دعم ومؤازرة هذه المنظمة الإسلامية ومؤسساتها بما يسهم في تحقيق أهدافها الخيرة النبيلة جاء ذلك في جلسة مجلس الوزراء التي رأسها حفظه الله بعد ظهر يوم الاثنين 18/8/1421ه,ويفعّل هذه المشاعر على أرض الواقع، وينادي بها بكل جرأة واقتدار وتحديد للمطالب صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني رئيس وفد المملكة إلى القمة الإسلامية التاسعة والتي عقدت في الدوحة من 16 18/8/1421ه عبر كلمته القوية، ذات الأنماط الشرعية، والمعاني الإنسانية، والجمل البيانية الشافية والعبارات الرائعة الكافية، والتي احتوت على حقائق يغفلها كثير من الناس أو يتغافل عنها، ونظرات صائبة لايدركها إلا أصحاب الخبرة والدراية التاريخية والسياسية ودعوة إلى مواقف حازمة وجادة لايمكن أن توجد إلا بوحدة الصف والتعاون على كل ما يخدم مصالح المسلمين ويدعم قضاياهم وخصوصاً قضية القدس الشريف بعيداً عن الخلاف والاختلاف، وإبراز لجانب العمل الذي يدعم القول ويؤيده، وأن القول بدون عمل لا قيمة له، ولن يحقق ما ينتظره المسلمون في هذا المؤتمر وغيره.
وإصراراً على الثبات في المواقف والاستمرار بالمطالبة بالحقوق دون كلل أو ملل.
إن هذه الكلمة وماحوته من المبادىء والمعاني الصادقة وما قصد بها من الأهداف والغايات العالية، وما تميزت به من دقة وعناية بكل مجدٍ ومفيد، وماخلفته وراء ظهرها من المجاملات والمزايدات جاءت في وقت أحوج ما تكون الأمة الإسلامية إليها لتنفض عنها غبار الكسل والخمول، وتبعث فيها روح التفاؤل والأمل، وتحيي في نفوس أبنائها قيمتهم الحقيقية وقدرة قادتهم على اتخاذ القرارات وإيجاد الحلول المناسبة لكل ما يعانونه من مشكلات، وخصوصاً إذا أدركنا أنها صدرت من قلب رجل حكيم، بعيد النظر، مخلص محب لدينه ووطنه وأبناء أمته، صاحب عقل كبير ومشاعر فياضة، وعاطفة جياشة، ونخوة وشهامة، الأمر الذي معه بلغت هذه المقطوعة النثرية الوفية قدراً كبيراً وشأناً عالياً حتى فاح عبق عبيرها، ورائحة طيبها، وفوح مسكها بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وصارت هي شغلهم الشاغل، وحديثهم الحادث الذي لايملون ولايكلون من إعادته وتكراره وحق لهم ذلك؛ لأنها أعادت لهم أمجادهم، وبينت سبب عزهم ونصرهم وتمكينهم، ونظراً لأن اللسان يعجز والقلم يقف، والمشاعر تضعف وتتلاشى أمام هذا الطود الشامخ، والعلم البارز، والقائد الفذ والجبل الراسي، وما قاله في هذه الكلمة الإمامية الأمامية، فإنني أسوقها بنصها ليطلع عليها كل قارىء، فيتأملها، ويتمعنها، ويقف عند كل جملة من جملها بل كل كلمة من كلماتها ويعرف ما بين سطورها ويدرك ما جاء فيها، ليأخذ منها الدروس والعبر، ويجعلها نبراساً يضيء له الطريق، ويوضح له المعالم، وينير السبل لكل باحث عن الحق والحقيقة.
قال سموه الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم القائل: يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا وأتقوا الله لعلكم تفلحون والصلاة والسلام على رسول الإنسانية وآخر الأنبياء والمبشرين.
صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أيها الإخوة قادة العالم الإسلامي
صاحب المعالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أيها الإخوة الحضور:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أتوجه إليكم جميعاً وإلى الأمة الإسلامية من خلالكم باسم الشعب السعودي وفي مقدمته خادم الحرمين الشريفين، بنداء صادق بأن يكون هذا اللقاء وهذه القمة عملاً لاينتهي، وفعالية لاتهدأ، إلا بترجمة مشاعرنا الجياشة إلى كلمات صادقة، وكلماتنا إلى منهج واضح، ومنهجنا إلى واقع مؤثر وفاعل,نجتمع اليوم في ظل ظروف دقيقة بالغة الحساسية ظروف تمتحن فيها إرادة الأمة الواحدة التي قال عنها جل جلاله: كنتم خير أمة أخرجت للناس فإذا شخصت أبصار المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها تجاه مؤتمرنا هذا فلأنها تنتظر منا جميعاً موقفاً مشرفاً تجاه قضايا أمتنا الإسلامية، وفي مقدمتها القدس الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
30 عاماً ألم تكن كافية؟
وتعلمون جميعاً أن منظمة المؤتمر الإسلامي التي نجتمع في كنفها اليوم قد ولدت من رحم القدس, وكانت صرخة انبعاثها الأولى حريق المسجد الأقصى، الذي أشعله وقود التعصب والعنصرية، بعد أن فاض من احتلال إسرائيل لكامل مدينة القدس بما في ذلك القدس الشريف.
واليوم وبعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً، نجد أنفسنا مرة أخرى أمام متحد مماثل، وكأن حادثة الحريق لم تكن كافية لحملنا على اتخاذ ما يتطلبه الأمر من الاتفاق على رؤية واحدة والوصول إلى استراتيجية فعّالة للحيلولة دون تمكين إسرائيل من ترسيخ احتلالها وفرض واقع جديد على القدس، متحدية بذلك مشاعر كل عربي ومسلم، وغير عابئة بسقوط المئات من الجرحى والقتلى من أبناء الشعب الفلسطيني وهم يدافعون عن هويتهم وانتمائهم وانسانيتهم,إن مصير مدينة القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة أمانة في أعناقكم، وان ابناء الشعب الفلسطيني المنهمكين في نضالهم وانتفاضتهم ينتظرون أن يخرج عن هذا المؤتمر ما يصل إلى عمق تلك القضايا ويدرك واقعها بالأفعال قبل الأقوال، مبتعداً عن الطروحات النظرية العميقة, فنحن نعيش اليوم مرحلة حرجة من تاريخ أمتنا الإسلامية تستدعي منا تفعيل المفهوم العلمي للتضامن الإسلامي، ولن يكون ذلك إلا بفهم واضح جلي لمسؤولية ودور كل عضو من أعضاء هذه الأمة التي لاتزال متمسكة بالسلام المبني على العدل وتطالب به، وتصر عليه، رافضين أي تسوية تقوم على الظلم والإذلال.
أولاً: أيها الإخوة
إن ما يحدث في فلسطين المحتلة هو شأن إسلامي كما هو بنفس القدر شأن عربي هو بنفس القدر شأن عربي وفلسطيني لذلك علينا أن ننصر قضايانا قبل أن نطلب من الآخرين الوقوف معنا وأن نقف بكل طاقاتنا إلى جانب الحق والعدل قبل ان نناشد الآخرين بأن يبدوا مثل هذا الالتزام فاسترداد حقوقنا المشروعة لن يتم بجهود يبذلها الآخرون، كما أنه ليس هناك من نستمد منه بعد الاعتماد على الله سوى قدراتنا وطاقاتنا الذاتية من مثل هذا الوعي.
إن ذلك يقتضي أن ندرك التضامن الإسلامي ليس مجرد مؤتمر يعقد أو بيان يصدر، بل هو فعل يتشكل على أرض الواقع، وإن واقع اخوتنا الفلسطينيين يستوجب منا توفير كل وسائل الدعم لهم، وتحديد الآليات اللازمة لذلك، وعلى وجه الخصوص فإن المطلوب منا تعبئة الإمكانات وتهيئة المؤسسات المالية والاقتصادية لتمويل مشاريع يكون هدفنا الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية للقدس والحيلولة دون طمسها، وتمكين اخوتنا الفلسطينيين من التخلص من التبعية للاقتصاد الإسرائيلي.
وفي هذا السياق التضامني فإن المتوقع من الدول الإسلامية التي تربطها علاقات أو صلات بإسرائيل، ان تتخذ موقفاً يرتفع إلى مستوى التحدي الكبير المفروض علينا جميعاً من جانب إسرائيل، تلك الدولة التي أدارت ظهرها لعملية السلام، وانحرفت برسالة من رسالات النبوة والهداية عن منهجها الرباني، جاعلة منها حركة سياسية استيطانية يفيض تاريخها بالتآمر والتجاوز على حقوق الغير، وفي الوقت الراهن نرى أن إسرائيل ماضية في تحويل عملية السلام إلى حرب ضد الشعب الفلسطيني مستخدمة القوة العسكرية لحصاره وقمعه داخل أرضه, أيها الإخوة:
لا نعلم ما الذي ينتظره البعض منا حين يستمرون في علاقاتهم مع إسرائيل، وكيف يمكن لهذه العلاقات أن تكون بديلاً لعلاقات تضامن إسلامي مؤثر, إن أقل ما نتوقعه من هذه الدول هو تقليص علاقاتها مع إسرائيل إلى أدنى حد ممكن أو تجميدها تماماً، وربط أي تعامل مستقبلي مع إسرائيل باحراز تقدم فعلي وملموس في عملية السلام ليس فقط على المسار الفلسطيني بل وكافة مسارات هذه العملية كما أن من الضروري لمؤتمرنا أن يؤكد على مسألة قطع العلاقات الدبلوماسية مع أي دولة تنقل سفارتها إلى القدس المحتلة.
أيها الإخوة الكرام:
بقي أن نؤكد على أهمية أن يوجه مؤتمرنا رسالة صادقة لراعيي عملية السلام جمهورية روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية لإشعارهما بمسؤولياتهما تجاه هذه العملية، وأخص بالذكر الولايات المتحدة الأمريكية بحكم متابعتها لتطورات مسيرة السلام منذ انطلاقتها والتزامها التاريخي المبدئي بحرية الشعوب وتأكيدهم على حقوق الإنسان وفي هذا الصدد فنحن نميز بين هذه المسؤولية التي التزمت بها الولايات المتحدة الأمريكية، والمزايدات السياسية بها وندعو هؤلاء المزايدين لإرسال أبنائهم للأراضي الفلسطينية ليعيشوا ويروا بأعينهم واقع الاحتلال الإسرائيلي الذي يتنافى مع كل المبادىء التي تدعو لها الولايات المتحدة الأمريكية كما أننا ننتظر من المجموعة الأوروبية ان تمارس تأثيراً سياسياً يعادل اسهاماتها الاقتصادية في الجهود المرتبطة باتفاقات السلام.
ان هدف السلام الشامل والعادل لا يمكن بلوغه إذا لم يضمن راعيا العملية السلمية والدول المؤثرة الأخرى التزام الطرف الإسرائيلي بأسس عملية السلام والمبادىء التي قامت عليها، وهو الأمر الذي ما زالت إسرائيل ترفضه وتتنكر له، مما تسبب في انهيار عملية السلام.
أيها الإخوة الكرام:
إن المستعرض للتاريخ بتطوراته وأحداثه يعلم أنه لا يضيع حق وراءه مطالب ولايمكن أن تتحقق الأهداف إلا بالأفعال المشتركة، وانه ما قام وجود إلا باجتماع، ولا ثبتت حقوق إلا باتفاق، ولا نال عدو من هذه الأمة شيئاً إلا بتفرقها وتشتتها، ولنتذكر قول الحق جل جلاله: ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم .
هذا وأسأل الله أن يوفقنا لما فيه الخير لديننا وأمتنا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ا,ه.
وكما قيل ليس الخبر كالعيان، وليس من رأى كمن سمع، فيا أيها القارىء الكريم والأخ الحبيب عليك أن تقرأ وتطالع وتتأمل وتفكر في تلك الكلمة لتحصل لك اللذة الروحية، والنشوة الأخوية، والحجج القوية والبراهين الساطعة، ولتكون نبراساً يضيء لك طريقك وتعرفك على كل ما تقوم به بلادك ممثلة في ولاة أمرها من أعمال جليلة في خدمة الإسلام والمسلمين وريادة في الدعوة إلى الحق والعدل والفضيلة واحترام الحقوق,وليس هذا فحسب، بل ويستمر العطاء وتفعيل دور المملكة العربية السعودية الرائد في دعم هذه القضية، وتضميد جراح مصابيها، ومتابعة أحوالهم والتعرف على حاجاتهم، من خلال تتابع اجتماعات اللجنة المشكلة لجمع التبرعات لهم والتي يديرها ويرأسها ويفعّل مهامها صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز رعاه الله، فيوجه بإعطاء كل أسرة من أسر الشهداء المتواجدين مبلغاً يقدر بعشرين ألف ريال تعينهم على نوائب الدهر وتخفف من معاناتهم.
نسأل الله العلي القدير أن يحفظ علينا ديننا وأمننا وولاة أمرنا، وأن يوفق ولاة أمرنا وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني لما يحبه ويرضاه، ويمتعهم بالصحة والعافية ويزيدهم نصراً وعزاً وتمكيناً ورفعة ومنعة، وأن يجعل ما يقدمونه للإسلام والمسلمين في ميزان حسناتهم إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
د, سليمان بن عبدالله أبا الخيل
وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved