| متابعة
* بيروت الجزيرة محمد الشامي
لم يكن يكفي العواصم الغربية المهتمة بوضع الشرق الأوسط ولا سيما واشنطن التعقيدات الطارئة التي تظهر على خط الاحداث الإسرائيلية والفلسطينية، حتى بدا وكأن أزمة الانتخابات الأمريكية اضافت المزيد من الارباك على مستوى معالجة هذه الأحداث وضبطها ومنعها من تجاوز الخطوط الحمر المرسومة نظراً لما لواشنطن من قدرة كبيرة لضبط المسار المتفاقم للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
وبدا تصرف السفارات الأمريكية في عواصم الشرق الأوسط ولا سيما سفارتها في لبنان ابلغ دليل على تلخيص الموقف الأمريكي، فالسفير دايفيد ساترفيلد يقلل قدر الامكان من تصاريحه، وإذا ما اضطرته الظروف للكلام فهو لا يخرج عن دائرة الخطوط العامة للسياسة الأمريكية ومن دون الدخول في أي تفاصيل, وطبعاً فإن هذا ناجم عن التوجيهات التي أعطتها الخارجية الأمريكية لسفرائها في المنطقة في ظل وضع رمادي لا بل ضبابي سببه الأزمة الفريدة التي تمر بها واشنطن.
ولا تتأخر مصادر دبلوماسية غربية بارزة من الاشارة إلى ان انطلاقة انتفاضة الأقصى انما حصلت بعد أن لمس المسؤولون الفلسطينيون وجود عدم ممانعة لدى احد التيارات الأساسية داخل الادارة الأمريكية ذلك أن انصار هذا التيار هم على قناعة بأن أي حل جذري للملف الفلسطيني الإسرائيلي لا يمكن أن يحصل على البارد خصوصاً ان بنود الاتفاق النهائي تتضمن نقاطاً حساسة مثل القدس وعودة فلسطينيي الشتات والمستوطنات، وبالتالي فان ما سيكون مرفوضاً في المفاوضات سيكون مقبولاً لا بل مطلوباً بعد سلسلة حروب صغيرة تدفع الرأي العام لدى الطرفين للقبول بالتسويات فيقبل الفلسطينيون بقسم من القدس الشرقية ويقبل الإسرائيليون بدولة فلسطينية تحميها قوات فصل دولية.
تقصير الأجهزة الإسرائيلية
إلا ان هذه المصادر الدبلوماسية لا تخفي الصدمة الغربية بسبب حجم الانتفاضة الفلسطينية والدعم العربي والدولي لها وبخاصة من المملكة العربية السعودية التي باتت الرياض تشكل عاصمة القرار العربي السياسي الذي كان أكبر من توقعات الجميع، لا بل ان الداخل الإسرائيلي مذهول بدوره للقدرة والتصميم للفلسطينيين الذي جعلهم يدفعون مئات القتلى وآلاف الجرحى من دون أي تخاذل، وتحدثت هذه المصادر عن انتقادات عنيفة بدأت توجه إلى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بسبب تقديراتها الخاطئة عن الواقع الفلسطيني وتقصيرها في هذا المجال.
وتقول هذه الأوساط ان الدبلوماسية الأمريكية بدت مرتبكة في الأيام الماضية بسبب خروج الوضع عن مساره المعقول، وان هذا الارتباك بدا واضحاً من خلال كلمات وزير الدفاع الأمريكي ويليم كوهين بعد لقائه بالمسؤولين الإسرائيلين, حيث دعا إلى ضبط الأمور والعودة الى طاولة المفاوضات من دون الاشارة إلى وجود خطة حل كاملة متكاملة.
ثوابت واشنطن
وتضيف هذه المصادر ان واشنطن متهمة بمعالجة الوضع من خلال ضمان ثوابت ترتكز عليها سياستها في المنطقة حالياً وهي:
1 حماية الأنظمة العربية وتحصينها في وجه أي محاولة لاسقاطها، وفي هذا الاطار تابعت الدبلوماسية الأمريكية بكثير من القلق التطورات المتعلقة بتحرك الشارع العربي تعاطفاً مع الانتفاضة والمواجهات بين بعض هذه الأنظمة وشعوبها، وهي راقبت وتراقب بكثير من الدقة التطورات الحاصلة في الأردن ومصر.
2 حماية اسرائيل وضمان أمنها، والعمل على احباط وقوعها في افخاخ أمنية قد تجعلها مكشوفة امام أي تطورات مستقبلية مؤذية لها ولاستقرارها الأمني، ولبنان هو احد هذه الأفخاخ.
3 التداخل المخابراتي الغامض والمتشعب في المنطقة، الذي كشفته عملية تفجير القطعة البحرية الأمريكية في ميناء عدن، وحسب هذا المصدر فان آخر التحقيقات التي حصلت جعلت المحققين الأمريكيين في حيرة من أمرهم حول الجهات الحقيقية التي تقف وراء منفذي العملية، ذلك ان السفن الحربية المتطورة تملك انظمة للحماية تمنع على أي جسم عائم الاقتراب منها وبالتالي تدميره قبل اقترابه منها، إلا أن الزورق الذي نفذ العملية كان مزوداً على ما يبدو بآلة سكرامبلر لفك الشفرة الخاصة بنظام الحماية للسفينة المستهدفة، وبالتالي فان عملية من هذا النوع بحاجة إلى تحضيرات دقيقة ومن جانب جهات مختصة على أعلى المستويات وهذا ما لا تمتلكه أي شبكات اصولية لوحدها إلا في حال مساعدة أو مساهمة من قبل دول متقدمة في مجال الصناعة الحربية.
وانطلاقاً من هذه الثوابت الثلاث فإن الخارجية الأمريكية تحاول الجمع بين ما هو مطلوب وبين عدم الوصول إلى السقف المرسوم, الا أن القلق هو شطور المواجهات في اتجاهات متقدمة، في ظل وضع اسرائيلي داخلي ملبد وينذر بسقوط ايهود باراك ودخول اسرائيل في مرحلة من الفوضى الداخلية، ورغم ان هذه المصادر تعترف بأن ما يطمئن هو استمرار المبادرة في يد ياسر عرفات على مستوى الساحة الفلسطينية واستمراره في موقع القادر على السيطرة على الشارع الفلسطيني وقيامه هو بقيادة معظم العمليات، إلا ان الخشية حسب هذه المصادر هو من انتقال الشارع الفلسطيني الى واقع أكثر راديكالية يمنع حصول التسويات المرجوة لاحقاً، فعرفات يزيد من ضغطه على الأرض لدفع اسرائيل الى القبول بالتفاوض والموافقة على قوات فصل دولية، ولكن الشارع الفلسطيني يتجه إلى واقع أكثر راديكالية.
باراك يسعى لضربة في لبنان
وفي المقابل ترى هذه المصادر ان باراك المحاصر داخلياً يفكر جدياً بضربة عسكرية نوعية تنقذ وضعه الداخلي وتغير بعضاً من موازين القوى ولا سيما ان واشنطن غارقة في أزمتها الدستورية.
وحسب هذا المصدر الدبلوماسي البارز فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي عاد واستذكر امام بعض زواره الغربيين مشروعاً كان قد اعده عام 1982 عشية الاجتياح للبنان, وهو كان يشغل يومها موقعاً بارزاً داخل هيئة الأركان وسمى مشروعه على اسمه، أي مشروع باراك.
وحسب هذا المشروع الذي نشرته يومها عدة صحف اسرائيلية وغربية, فان على اسرائيل ان تحقق هدفين في لبنان هما على نفس الدرجة من الأهمية، الأول ضرب البنية التحتية لمنظمة التحرير وطردها خارج لبنان، والثاني تنفيذ ضربة قوية ضد الجيش السوري تؤدي إلى هزه بقوة ان في لبنان أو في سوريا حتى داخل سوريا إذا لزم الأمر، وتعيين حاكم عسكري اسرائيلي على لبنان بدل تسليم الأمور لطاقم سياسي جديد في لبنان.
وتضيف هذه المصادر ان باراك يحاول من خلال ذلك الهروب من مشكلته الكبيرة في الداخل من خلال استهداف مواقع سورية في لبنان عبر عمليات جوية مكثفة تؤدي إلى تغيير ما على الساحة اللبنانية، وتضعف وسائل الاتصال بالداخل الفلسطيني وتؤدي إلى وقف الانتفاضة الفلسطينية.
واشنطن لا تشجع
الا ان المصادر نفسها تكشف بأن واشنطن لم تشجع اسرائيل على القيام بأي تحرك من هذا النوع ذلك ان الضربات الجوية مهما بلغت شدتها لن تكون قادرة على تغيير اي واقع ميداني وان أي عملية عسكرية برية اسرائيلية مستحيلة في ظل الظروف السيئة التي يعيشها الجيش الاسرائيلي وان نهايتها ستكون شبيهة بعملية أنصارية في لبنان منذ بضع سنوات.
لا بل ان واشنطن نصحت اسرائيل بتنفيذها انسحابا من مزارع شبعا التي ليس لها أية قيمة عسكرية وانهاء ملف الأسرى واقفال الجبهة اللبنانية الاسرائيلية بالطرق الدبلوماسية وبعيدا عن أي مخاطرة أو مغامرة عسكرية.
الا ان المصدر يعتقد بأن واشنطن غير واثقة من ردة الفعل الاسرائيلية خصوصا ان الازمة الأمريكية تفتح شهية اسرائيل على استغلال الوضع وبتنفيذ ضربة عسكرية جوية.
وفي هذا الاطار نقلت الدبلوماسية الامريكية لمسؤولين لبنانيين ملاحظاتها حول تحركات فلسطينية في مخيمات الجنوب اللبناني لها طابع أمني وفي بعض الاحيان عسكري وبالتالي ضرورة معالجتها لانها تشكل ذريعة اضافية لاسرائيل لتوتير الوضع.
الانعكاس على لبنان كيف ينعكس ذلك على الوضع في لبنان؟
تقول هذه المصادر ان ما يحصل يؤدي الى المزيد من التأزيم على صعيد الوضع الاقتصادي ويجعل الجنوب نقطة سريعة للاشتعال ويضع الساحة اللبنانية تحت المراقبة الامنية الدقيقة بسبب التداخلات التي تشتهر بها هذه الساحة.
|
|
|
|
|