| رمضانيات
* قراءة وعرض : ظافر الدوسري
يتبادر الى الأذهان الصوم حين يذكر شهر رمضان، الصوم الذي هو امساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من الفجر الى غروب الشمس وهذا المعنى الدارج لدى العامة اذا كان مجرداً عن المعاني الروحية والمقاصد التربوية الاخلاقية والفوائد الصحية العديدة كان تصوراً آلياً فارغاً ففي كتاب صادر بعنوان صوموا تصحوا دراسات علمية لفوائد الصيام الصحية للمؤلف الشيخ سعيد بن عبدالرحمن الاحمري الذي يقع في 112 صفحة من الحجم المتوسط، وهو يعتبر كما يقول مؤلفه صيحة جديدة في عالم الطب الحديث تثبت ان الصوم علاج فعال يفوق ماتوصل اليه العلم الحديث في القرن العشرين من انواع العقاقير الطبية وغيرها ويضيف المؤلف في مقدمة الكتاب قائلاً:
رجعت لكتب الفقه وأقوال علماء الإسلام والاطباء المسلمين لأعرف رأيهم فيما توصل اليه العلم الحديث من ان الصوم ذو اثر فعال لشفاء كثير من الامراض وانه علاج لها, وهل صحيح ان هذا احد اسرار الصيام وفوائده وان كان لايهمنا نحن المسلمين هذا فهم يبحثون عن الصحة فقط ونحن نصوم لتقوى الله سبحانه لقوله تعالى لعلكم تتقون ويكفينا ولكن مادام هذا ثبت طبياً وعلى ايدي اعداء الاسلام ومن لايعرفون الاسلام اصلاً فلا مانع من توضيح الحقيقة ليستبين الامر فيزداد الصائمون ثقة بما عند الله من الاجر العظيم المدخر لهم في قول الرسول عن ربه سبحانه وتعالى الصوم لي وانا اجزي به فنقول للباحثين ان الصائم المسلم يحصل على الخيرين معاً وفوق هذا يطمئن من يخاف على نفسه من المسلمين ان ينهكها الصوم لوجود بعض الامراض معه او ان يصاب بمرض نتيجة نقص الطعام فيعلم ان هذا غير وارد بل العكس هو الصحيح ويقول المؤلف عن الطريقة التي سلكها في هذا الكتاب اولاً طرح آراء علماء الإسلام في فوائد الصيام الطبية والصحية ثانياً تناولت كتاب الصوم الطبي وهو دراسةحول الصوم الطبي لنظام الغذاء الامثل تاليف الدكتور آلا كوت واستخرجت منه العبرة ونتائج التجربة من فوئد الصيام التي اجريت في المصحات في اوروبا وامريكا.
الصوم في القرآن
تحت هذا العنوان بين المؤلف ان غاية الصوم في القرآن اسمى وأعظم من كل هدف وتأتي بقية الغايات تبعاً لهذه الغاية، وان هذه الغاية الاولى هي اعداد قلوب المؤمنين للتقوى والشفافية والحساسية والخشية من الله، وان الصوم اذا أحسن الالتزام بادابه التي سنها الرسول صلى الله عليه وسلم يمثل ارقى اشكال المعالجة للجوع، هذا الشكل من المعالجة الذي بدأت أوروبا مع بداية نهضتها بالاهتمام به في معالجة الامراض، فكتب الطبيب السويسري بارسيلوس يقول: ان فائدة الجوع في العلاج قد تفوق بمرات استخدام الادوية.
حمية الصوم
هنا فقد عرج المؤلف بذكر قول لابن القيم في زاد المعاد ولما كان المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات وفطامها عن المألوفات وتعديل قوتها الشهوانية لتستعد لطلب مافيه غاية سعادتها ونعيمها وقبول ماتزكو به مما فيه حياتها الابدية ويكسر الجوع والظمأ من حدة شهوتها ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين وتضييق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب وتحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها ويسكن كل عضو منها، وكل قوة عن جماحه وتلجم بلجامه فهو لجام المتقين وجنة المحاربين ورياضة الابرار والمقربين وهو لرب العالمين من بين سائر الاعمال فان الصائم لايفعل شيئا وانما يترك شهوته وطعامه وشرابه من اجل معبوده.
الصوم لجميع المخلوقات
ثم ينتقل المؤلف القارئ الى فصل اوضح فيه ان الصوم ليس مقتصرا على الانسان فقط بل على جميع المخلوقات حيث قال: اكتشف علماء الطبيعة ان الانسان ليس هو الكائن الحي الذي يصوم,, بل ان جميع المخلوقات الحية في الكون تمر بفترة صوم اختياري مهما توفر لها الغذاء في الطبيعة حولها: الحيوانات تصوم والطيور تصوم والاسماك تصوم والحشرات تصوم وحتى النبات ايضاً يصوم ومن الطيور مايمكث في عشه ويمتنع عن الطعام في مواسم معينة كل عام، وبعض الاسماك يدفن نفسه في قاع المحيط او قاع النهر لفترة معينة بدون اكل والحشرة ايضاً تمر بمرحلة تتحوصل فيها وتمتنع عن الطعام ومن الملاحظ ان هذه المخلوقات تخرج من فترة الصيام هذه اكثر نشاطاً وحيوية وان اكثرها يزداد بعد الصوم نمواً وصحة فالحيوان يجدد جلده وفراءه والطائر يكتسي ريشاً جديداً زاهياً ويبدأ بالتزاوج والتغريد والحشرة تخرج لتأكل بنهم وتتكاثر بسرعة ويضيف المؤلف في هذا الفصل قائلاً: فإذا تركنا هذه المخلوقات الدنيا التي تعيش على الفطرة يعتبر صومها ظاهرة فسيولوجية واستجابة لعوامل الطبيعة,, وهو مايسميه العلماء ظاهرة البيات فماذا عن الانسان الذي يتصرف بعقله اكثر مما يتصرف بغرائزه!
الصوم وصحة الجسم
ثم شرع المؤلف في فصل ذكر فيه ان الصوم يقوم مقام مشرط الجراح الذي يزيل الخلايا التالفة او الضعيفة من كل عضو مريض فيعطيه فرصة يسترد خلالها حيوته ونشاطه,, وبهذه يكون الصوم وقاية للجسم من كثير من الزيادات مثل الحصوة والرواسب الكلسية والزوائد اللحمية وانواع البروز والاكياس الدهنية وايضاً الأورام الخبيثة,, فقد لوحظ بالاشعة ان هذه الزوائد يصغر حجمها اثناء فترة الصوم, كما تناول المؤلف في هذا الفصل اثر الصوم ومرض السكر والمعدة والامعاء وكيف يستفاد من الصوم في انقاص الوزن ووقاية الصوم من مرض النقرس يسمى احياناً بمرض الاغنياء .
وعن الصوم مع الجهاز الهضمي استدل المؤلف بقول الدكتور محمد الظواهري الذي قال: لقد كان معظم العلاجات قديما وحتى حديثاً تتبع النظام الصحي في الغذاء والابتعاد عن الطعام والشراب لفترات محدودة منظمة لراحة الجهاز الهضمي وضمان قدرته عندما يستأنف عمله وهذه هي سنة الله ولن تجد لسنة تبديلاً وعملية الصوم هي عملية تنظيم لفترات تناول الطعام ويشمل التنظيم اعداد الجهاز الهضمي لتقبل الغذاء في فترتين محدودتين من فترات اليوم فلا شك ان اتباع النظام في كل شيء هو المثل الاعلى ,
ولكن للاسف هناك كثيرون من الصائمين يقضون فترة المساء في تناول مختلف الاطعمة ويحشون معدتهم بالوان عدة من الطعام، وقد يأكلون في شهر الصيام اضعاف ما يأكلونه في غيره,, أمثال هؤلاء لايستفيدون من الصوم الفائدة الكاملة المرجوة,, وصدق عمر بن الخطاب اذ يقول اياكم والبطنة فانها ثقل في الحياة ونتن في الموت وما أروع قول المصطفى صلى الله عليه وسلم المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء وفي ذلك مسك الختام.
الصيام,, يؤخر رحلة الشيخوخة
استند المؤلف لقول الدكتور عبدالرحمن العمري في هذا الموضوع قائلاً: الأدلة والبراهين العلمية تؤكد هذه الحقيقة,, العلم يقر ذلك بكل الوسائل,, ان الصيام يجعل انسجة الجسم قادرة على مقاومة الزمن وبذلك يؤخر وصول الشيخوخة وظهور اعراضها,.
تعتبر الشيخوخة علمياً حيوية في الجسم وهي وان كانت مرتبطة بمرور الزمن الا انها لاترتبط بالوحدة الزمنية,, ان الشيخوخة لها سماتها الحيوية في الجسم والتي تبدأ في أي وقت,, يؤكد العلماء بأن الشيخوخة لا تبدأ مع الشعيرات الرمادية في رأس الانسان أو مع التجعيدات الأولى حول العينين,, ولكن العلماءيقولون إنها تبدأ قبل ذلك بكثير,, وتشير تقاريرهم الطبية إلى أنها تبدأ مع الطفولة والبعض يعتقد أنها تبدأ حين تنتهي فترة النمو أي بين الثلاثين والخامسة والثلاثين ولكنها في الغالب الأعم تبدأ عند سن الأربعين بصورة غير محسوسة ثم تزيد تدريجياً حتى تصل الى المحسوسة وسرعة زيادتها تختلف من شخص الى آخر وعند بدء التغيرات التي تصيب الجسم في الشيخوخة نجد أن بعض اعضاء الجسم وخاصة الغدد الصماء تبدأ افرازاتها في النقصان فاذا تناولنا من الاكل اكثر من قدرة هذه الغدد على العمل فان ذلك يرهقها وربما يؤدي الى فقد قدرتها على مواجهة احتياجاتها بصورة دائمة.
كما استدل المؤلف برأي الدكتور روي ولفورد الذي تحدث في مؤتمر بحث مظاهر الشيخوخة حيث قال: ان اغلبية الناس تأكل اكثر مما تحتاجه اجسادها وان قلة الاكل تؤدي الى طول العمر ومما يوصي به الدكتور ولفورد ان تصل قلة الاكل الى الصيام.
ويعتقد الباحث الاميركي انه بوسع الآخرين ان يعيشوا عمراً مماثلاً من كمية الكربوهيدرات والحراريات التي يتناولونها.
ويقدر ولفورد انه سيعيش حتى يبلغ 120 عاماً نتيجة لانقاص وزنه عن المعدل بنسبة بالمئة وتجويع نفسه باستمرار.
الصوم الطبي
وفي القسم الآخر من الكتاب تناول المؤلف دراسة في كتاب الصوم الطبي الذي ألفه الدكتور آلان كوت فقد قال: ان دواعي الصوم في نظر المؤلف كثيرة جداً ولكني اقرر هنا حقيقة وهي انهم يسرفون في الصيام بحيث قد يصوم الشخص الواحد منهم عشرة ايام او اكثر او اقل بدون انقطاع الا عن تناول الماء فقط ونحن المسلمين قد نهينا عن صيام الوصال ولكننا من الممكن ان نستفيد من صيامنا القصير نهار اليوم الواحد وذلك للحصول على نتائج صحية جيدة مثل التي يبحثون عنها وهو بأن نخفف قدر الامكان من تناول الطعام في رمضان الى الحد المعقول جداً فنجمع بذلك الحسنيين والله اسأل ان يوفقنا لفهم اسرار هذا الدين العظيم.
كل شيء عن الصوم
وتحت هذا العنوان اورد المؤلف العبارة الآتية لقد وجدت في الصوم صحة تامة,, ونوعية جديدة من الحياة,, وشعوراً بالصفاء والسعادة انه لشيء يجهله بنو البشر .
ويرى المؤلف ان التنظيم الغذائي بالصوم ما هو الا الطريق لاعادة بناء الحياة لذلك فقد عرفه الانسان منذ وجد على ظهر الارض ومنذ بدأ بالاكل فلقد صام انبياء العهد القديم والعهد الجديد,, صام كل من موسى وعيسى مدة اربعين يوماً تهيؤاً لتلقي الوحي السماوي,.
وصام قدماء الاغريق ليطهروا اجسادهم ويشحذوا نشاطهم العقلي.
وفي روسيا صام تولستوي ومعاصروه ليحموا العقل عن التقوقع ضمن اطار الاهتمامات المادية وليريحوا المعدة والجسم مقررين ان نبذ الطعام والشراب ليس متعة فحسب بل انما هو سعادة الروح .
وكذلك صام الهنود الحمر الأمريكيون طلباً للرؤى والأحلام ولارضاء آلهتهم وصام الانكليز المهاجرون الى امريكا لتوفير الاغذية ولممارسة ضبط النفس.
وفي أواخر القرن التاسع عشر ذاعت شهرة الصوم في الولايات المتحدة الامريكية، حيث كان الناس يعيشون ايام الرفاهية فصام الناس لمجرد القيام بعملية تنظيف عام للجسم.
واليوم يصوم الأمريكيون من اجل جميع تلك الأسباب المشار اليها اعلاه وخصوصاً من اجل تخفيف الوزن.
ويقول المؤلف الدكتور كوت من سوء الحظ اننا نعيش ضمن ثقافة توازي ثلاث وجبات يومياً لحفظ الحياة نفسها ونعتقد خطأ ان اغفال وجبة طعام واحدة سيكون مجازفة على صحة الفرد وسلامة بنيانه,, والحقيقة العملية هي ان الجسم يتلاءم مع تجربة الصوم ذلك ان الجسم يمتلك مصادر وفيرة اخرى لتغذيته خلال فترات زمنية طويلة بشكل يثير الدهشة مستغنياً عن الطعام,, مع ان التغذية تستمر كما لو كان الفرد يستهلك غذاءه اليومي المعتاد.
الصوم وتهدئة الأعصاب
يرى المؤلف ان ممارسة الصوم مريحة وتبدد القلق والتوتر وهي نادراً ما تسبب الضيق بل انها غالباً ما تبعث الحيوية والنشاط بصورة مباشرة وسريعة.
والمعروف ان ما يقارب نصف عدد سكان الولايات المتحدة الامريكية يشكون في نومهم احياناً -او دائماً أنهم يلاقون المصاعب في النوم او الاستمرار فيه او في كلا الامرين معاً,, في حين ان الكثير ممن يعانون من الأرق يكتشفون خلال الصيام -او بعده بقليل انهم اصبحوا ينعمون بنوم افضل مما كانوا عليه خلال السنوات السابقة,.
ان هذا التأثير الفعال للصوم في تهدئة الأعصاب وازالة الاضطرابات يجب ان يكون مدعاة للدهشة,, فمتى عرف السبب بطل العجب.
وسيلة للتخلص من السموم
يقول المؤلف والحديث مايزال للدكتور كوت في هذا الفصل اننا معشر الامريكيين اكثر شعوب العالم نظافة واعني بذلك النظافة الارجية,, ولقد بلغ بنا وعينا الجرثومي وانشغالنا بالنظافة حدا جعل الآخرين يتهموننا بالافراط في هذا المجال,, ولكم كنت اتمنى لو كنا كلنا مهتمين بالقدر نفسه بالنظافة الحالية فنتخلص من السموم المتراكمة في جميع انحاء الجسم من جراء الاطعمة التي نتناولها كل يوم والهواء الفاسد الذي نستنشقه كل حين الامر الذي لا يتأتى الا بالصيام, في الكتاب ايضا عدة طرق ممتازة لشفاء الامراض بالصوم كما طرح مؤلفنا تجارب عدة خبراء وفلاسفة في الصوم عبر كتاب الدكتور كوت ايضاً عرض الكتاب اهم اكتشافات القرن العشرين من خلال زيارات وجولات الدكتور كوت,.
ولاشك ان كل عنوان من هذه العناوين وغيرها وراءه علم غزير وتحقيق وفير بذل في جمعه جهد كبير ولذلك نال الكتاب قبولا عظيما والكتاب جدير بالاقتناء والاهتمام.
|
|
|
|
|