| الاقتصادية
غير مستغرب أن يختلف البائع مع المشتري في تحديد سعر السلعة أو الحكم عليها من حيث الجودة والمنافسة للسلع المماثلة بل انه من الطبيعي أن يحدث الخلاف والاختلاف بين الباعة والمشترين لأن في الخلاف والاختلاف أجزاء مهمة من حركة السوق اليومية وربما يؤدي ذلك في الكثير من الأحيان إلى خلق أجواء تتسم بالإبداع الذي ينجم عنه ذلك التميز والتفضيل لسلعة دون أخرى بالرغم من التشابه في الشكل والمظهر لكن النفط ليس مثل كل السلع فهو متوحد في مظهره متنوع في درجات جودته وهذا التنوع يعطي مفهوما محدداً وعلمياً لكل نوع من أنواع النفط ويتم عن طريق هذا التنوع تحديد وظائف كل نوع وتقنية التعامل معه؛ فالنفط إذاً سلعة واحدة وليست سلعاً متماثلة أو متنوعة لذا كان هذا المعدن الأسود من السلع الاستراتيجية التي تقرر هيئة ومظهر الحياة في هذا الكون المتلون الإرادات والمتعدد القوى.
لقد شهدت الدول المنتجة للنفط العديد من صور الاضطهاد الاقتصادية فكانت صورة الاستعمار من أشد هذه الصور قناعة إذ كانت أغلب الدول المنتجة للنفط تحت الاستعمار البريطاني في كل من دول منطقة الخليج والعراق وإيران والفرنسي لشمال أفريقيا وبعض دول أفريقيا السوداء ولم تنته مظاهر الاستعمار الا في مطلع السبعينات أي أن العقود السبعة من القرن العشرين كانت عبارة عن احتفالات متبادلة بأموال النفط بين شركات الغرب وحكوماته في حين يتلظى بالحر والهجير وزمهرير البرد تلك الدول المنتجة للنفط شعوباً وحكومات.
منظمة الدول المصدرة للبترول لم تظهر على حيز الوجود إلا بعد آخر مهزلة في شهر اغسطس عام 1959م عندما وصل سعر برميل النفط إلى 42 سنتاً أي أن قطعة من الدمى الصماء التي يلعب بها الأطفال تساوي قيمة ثلاثة براميل نفط, وقد شعرت دول أوروبا والولايات المتحدة بالحياء عندما وصلت الأمور إلى هذا الحد لذا لم تنكر هذه الدول الصناعية على دول الأوبك أن تتحمس لرفع قيمة هذه السلعة العالمية وان تمهد لبناء شخصية اعتبارية في السوق العالمية لهذه السلعة الفريدة في العطاء.
تقنية النفط من حيث التنقيب عنه وحفر آباره واستخراجه وتكريره كلها أوروبية وأمريكية في الغالب لذا كان لابد في أول الأمر من الاحاطة بجزء من هذه التقنية إما عن طريق البعثات الخارجية أو التدريب على رأس العمل وهذا مالم تستطع معظم دول الأوبك تحقيق جزء من تلك التقنيات إلا بعد مرور عقدين من الزمن بعد قيام منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) لكن التقنية التي عثرت عليها دول أوبك كانت ناقصة فهي ان مكنت دول الأوبك من استخراج النفط وتكريره إلا أن هذه الدول لا تستطيع الاستفادة من انتاجها بالكامل بل لابد من بيعه في أسواق الدول الصناعية.
لقد جاء تنظيم الأوبك بعد سنوات قليلة من قيام السوق الأوروبية المشتركة والتي كانت نواتها الجماعة أو المجموعة الأوروبية في النصف الثاني من الخمسينات وكانت تلك الجماعة بداية لتكتل اجتماعي واقتصادي كبير يضم الآن 15 بلداً أوروبياً.
في عام 1974م بدأت تحركات جادة لبناء شخصية لسلعة البترول لتدخل ضمن المؤهلات لتلوين القرار السياسي لذا قررت الدول الصناعية أن تكون منطقة الشرق الأوسط وبالذات منطقة الخليج ذات مواسم حربية متواصلة بدءاً من حدود إيران الجنوبية وحتى حدود الجزائر مع المغرب لهذا قامت حرب افغانستان والحرب الأهلية الإيرانية وحرب العراق وإيران والحروب العرقية في العراق ومشاكل الحدود بين المملكة واليمن وحروب تلك الحدود والحروب العربية الاسرائيلية وحروب الحدود المشتركة إضافة إلى النزاعات التي يتم تصنيعها بين لحظة وأخرى بين دول الأوبك نفسها ومع كل النزاعات والحروب والخلافات تصاعد سعر برميل النفط حتى سعر برميل النفط 50 دولاراً في السوق السوداء في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات وهكذا شهد سعر النفط تقلبات متناقضة تشكل السياسة الدور الأكبر في تلك التقلبات.
لقد قامت الروابط والهيئات والمنتديات الاقتصادية بين دول أوروبا وآسيا ودول الشرق والغرب والدول المستهلكة للنفط والمنتجة له كل تلك التنظيمات جزء من إرادة يتم تصنيعها هي مانسميها الارادات المتحالفة والتي تمتلكها الدول الصناعية.
المنتدى الدولي السابع للطاقة الذي أنهى اجتماعاته يوم الأحد 19 نوفمبر 2000م جاء لتأكيد الارادات المتحالفة في وضع سعر للنفط لايتعدى 28 دولاراً آخذاً في اعتباره زيادة مضطردة لسقف الانتاج.
لكن هذه الارادات المتحالفة لم تكن قاسية مثل تلك الارادات السالفة في الخمسينات والتي سخرت بهذه السلعة إلى حد الازدراء.
سوق النفط هي الآن سوق حائرة فليس هناك سماسرة أو صناع سوق فالبائع للنفط يستوحي حاجته من السوق من طريقة تعامله مع المشتري وسط أخلاقيات تراعي الكثير من الفوارق الشاسعة بين البائع والمشتري للنفط من حيث النفوذ، والقوة والقدرة على حماية هذه السلعة سياسياً واقتصادياً.
المنتدى الدولي للطاقة مجلس يتشاور فيه المنتجون والمستهلكون في أمور الطاقة، والبترول هو السلعة الرئيسة والمصدر القوي للطاقة لذا كان لابد من تطويق دوله بهذا المنتدى, ودول النفط تؤمن مامن حصولها على جزء يسير من التقنية ولو بعد حين من قيام المنتدى يعد مكسباً كبيراً ذلك أن قيام صناعات من الدول البترولية يعد جزءاً من السيادة وتطوراً في النفوذ إذ ستزداد النسبة المئوية المستغلة من النفط داخل دول الأوبك كما أن قيام التقنية بدور كبير في توجيه الدول يعطي صفاء في الوضوح أثناء التفاوض بين الدول المنتجة والدول المستهلكة للبترول.
رئيس الوفد الياباني أثناء المداولات في المنتدى السابع للطاقة الذي أقيم في الرياض تحدث بكل صراحة ومنطقية عندما أكد على ضرورة نقل تقنيات النفط للدول النامية مقابل وفاق حول أسعار النفط وسقف الانتاج والزيادة المضطردة للانتاج يتماشى مع نسبة الزيادة في الطلب على البترول سنوياً.
ان التجاوب مع الرأي الياباني جاء متثاقلاً فلم تكن الدول الصناعية مستعدة لتقديم التقنية مقابل التوازن بين العرض والطلب في سعر النفط كما ان الضرائب المفروضة على النفط في الدول الصناعية يعتبرها المستهلكون الأوروبيون مسألة داخلية لاعلاقة للدول المنتجة بهابل ولاحتى السؤال عنها.
يقول وزير البترول السعودي في مؤتمره الصحفي الذي عقده بعد نهاية المؤتمر ان بدائل البترول ليست قادرة في الوقت الحاضر على القيام بدور النفط إما لعجزها أو في التكاليف الباهظة لاستخراجها لكنه ألمح إلى أنه يجب ألا تكون هناك آليات ضغط واكراه بين الدول المنتجة للبترول والدول المستهلكة مؤكداً حاجة السوق إلى العودة للهدوء والاستقرار ويرى النعيمي أن الدول التي ترفض زيادة الانتاج تتخذ هذا الموقف من أجل المحافظة على قدر من الاحتياطيات المعرضة للنضوب وأوضح أن الزيادة في الإنتاج ستكون حتمية في السنوات القادمة نظراً لتزايد الطلب على البترول.
الدول البترولية ترفض إتاحة الفرص في التفكير بأي بديل عن النفط كمصدر رئيسي للطاقة وهذا الرفض يعني أنه لابد من وضع سعر معقول للنفط يجمع بين رضا المنتج وقبول المستهلك.
وزير الطاقة الأمريكي بيل ريتشارد سون كان من أكبر الداعين لسعر لا يزيد عن 28 دولاراً للبرميل بل انه قال: ان سعر 25 دولاراً للبرميل الواحد هو السعر الذي تفضله الولايات المتحدة موضحاً بأن سعر 30 دولاراً يعد مرتفعاً جداً.
ولكن ينبغي الأخذ في الاعتبار زيادة التضخم وتغير أسعار صرف الدولار وظهور عملات أخرى قد تؤثر على القيمة الشرائية للدولار فهل هذا يعني ان أمام دول الأوبك خيارات أخرى لوضع تسعيرة جديدة للبترول مرتبطة بعملة أو عدة عملات أخرى بما فيها الدولار الأمريكي هل يمكن أن يؤدي التطور التسويقي لليورو إلى اعتماده من دول أخرى كعملة أساسية في أسواق اقتصادية وتجارية أخرى لو تم ذلك خلال الأعوام الثلاثة القادمة لأصبح سعر النفط حراً وغير خاضع لأية عملة بل سيرتبط بميزان التعامل بين دولة منتجة وأخرى مستهلكة.
ولكن عندما تصل الأمور إلى هذا الحد مَن هي تلك القوة التي تحكم الكون السياسي هل ستكون هناك سياسة أو عدة سياسات قطبية؟ وهل سيكون في الشرق جزء من تلك الأقطاب مثل الصين أو اليابان إذا تحللت من اشكالياتها السياسية؟!
الأحداث المتلاحقة من عام 2000 وحتى عام 2005م ستكون أكثر بكثير من تلك الأحداث المتلاحقة بين عامي 1974 1999م وستكون عوامل التغيير أكثر ظهوراً منها في الفترة القادمة عما كانت عليه في الفترة السالفة لكن المبادرات ستكون متعددة الاتجاهات هذه المرة فلن تكون فقط من جانب الدول الصناعية بل ستظهر قوى أخرى جديدة سيكون لها رأيها في الاسواق وحركة المال في العالم.
|
|
|
|
|