| عزيزتـي الجزيرة
سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة الاستاذ خالد المالك
لقد اطلعت على ما كتبه الأخ الكريم خالد بن صالح المنيف انتقاداً لمقالي (محنة فلسطين) في عدد الجزيرة ليوم الاثنين 1 رمضان 1421ه وإن كنت أعجب من شيء لأعجبني ما تكلفه في البحث في كثير من المراجع للفظة لغوية لا تستحق كل هذا المجهود رغم صحتها وسيأتي تفسيرها لاحقا، فأقول له محيياً:
تأن عليّ هداك المليك فإن لكل مقام مقالا |
سامحك الله يا أخانا خالد حتى مسمى وظيفتي الرسمية تدخلت فيه واستكثرته علي واتّهمتني بانتسابي إليه؟
ثم لقد تسرعت يا أخانا في الحكم بنقلي للمقال، ولم تعمل بقول أحد الحكماء، القائل: (اذا اعتقدت خطأ انسان في شيء ما فالتمس له من مبرر الى سبعين، فإن لم تجد في السبعين فقل: ولعل له مبرراً لا أعرفه) فأما ما اشرت اليه في نقلي من الزيّات، فاقسم بالله وأنا في اليوم الرابع من الشهر الكريم أنني لم تمس يدي أي كتاب لحظة كتابتي للمقال ولم أنقل منه حرفاً ولست ممن لا يخشى الله ولا يتقيه، فلا والله لم أفعل ذلك مكرِّرا، وإنما هو من محفوظاتي عن الزيات وغيره رغم مبالغاتك الباهظة فيما ذكرت وآمل أن يتسع صدر الأخ خالد وجميع القراء للمبررات التي سأوردها؛ فأنا لستُ ناشئا أو مبتدئاً في الادب أو نكرة مجهولة في الثقافة الأدبية فالذي يتقدم في منطقة حائل ويُلقي الخطابات الارتجالية نيابة عن أهلها في كل مناسبة من زيارات الملوك والأمراء والوزراء وفي كل محفل وفي أعوام خلت، والذي عُمل معه مقابلات عديدة وعلى الصعيد الاعلامي في (الاذاعة والتلفزيون) والراديو، والذي يكتب مقالات لجميع الجرائد والمجلات من عشرين عاما، وعلى سبيل المثال فقد كتبت لجريدة الرياض ما يربو على 100 مقال من اعوام مديدة، ولجريدة الجزيرة اكثر من 50 مقالا من عدة أعوام ثم توقفت عنهما، وكذلك عكاظ وغيرها، وكل مسوداتها عندي محفوظة، أظن من كان هذا شأنه ورصيده في مخزونه الأدبي والثقافي: ليس محتاجا لكتاب ليضعه بين يديه لينقل منه، أما ما كتبته في المقال بأنه من محفوظاتي: فلأني قد وهبني الله ملكة الحفظ، فقد كنت اقرأ لكثير من كبار الأدباء وأنا طالب في كلية اللغة العربية من عام 1374ه وكنت أحفظ كل كتاب قرأته بعد إعجابي بأسلوبه، فقد حفظت كل كتب الرافعي، وكتب المنفلوطي والزيات وكتب الجاحظ والعقد الفريد الى المجلد السادس، ومجموعة جبران خليل جبران والخلق الكامل وغيرها الكثير، غير ما قرأته من غير حفظ, وارجو الا تستغرب ذلك،
فليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد |
ومع هذا فانني اشكر الاستاذ خالد المنيف بأن نبهني بأنني لم أشر الى ذلك، والسبب في اغفالي لذلك، أنني عندما اكتب مقالا: فإنها تزدحم الأساليب والنصوص في مخيلتي مضافاً إليه انسياقي في قناعتي التامة بأن حفظي لهذه المقالات والنصوص يُبيح لي كتابتها؛ لأن ملكيتي لها مقابل كلفة الحفظ جرياً على ما ذكره أحد كتاب الأدب السابقين، حيث يقول: (إن من حفظ نصاً واتقنه فقد امتلك ناصيته) وهذا مصداق لقول عبدالله بن المقفع في كتابه الأدب الصغير والأدب الكبير صفحة 13 15، يقول: (ومن أخذ كلاما حسناً من غيره وحفظه فتكلم به في موضعه وعلى وجهه فلا يَرَيَنَّ عليه في ذلك ضُئُولة أي أنه لا يَحُطُّ من شأنه فإنه من أُعين على حفظ كلام المصيبين، وهدي للاقتداء بالصالحين، ووفق للأخذ عن الحكماء والأدباء ولا لوم عليه ألّا يزداد فقد بلغ الغاية، وليس ذلك بناقصه في رأيه، ولا غامطه من حقه؛ ألّا يكون هو استحدث ذلك وسبق إليه) انتهى ملخصاً.
وأظن الأخ خالد يتفق معي في مثالين اثنين أحدهما نعلو به الى اصحاب الأصالة في الأدب فهل تُراهم رضعوا الأصالة من ثُديّ أمهاتهم أو نزلت عليهم وحياً؟ أم انها نمت فيهم وتنامت شيئا فشيئاً وذلك بعد مران طويل في حفظ النصوص الأدبية وطول الاطلاع على الكتب والبحث والتنقيب وغير ذلك في السبر والغوص؟
المثال الثاني: ننحدر به الى الحسن بن هانىء الملقّب بأبي نواس بصرف النظر عن اخلاقه ومجونه وإنما عن أدبه؛ فقد كان من المجدّدين في الشعر البارزين في سرعة البادرة فهو أخسأ من أن ينزل عليه وحي ولم يعرف ثدي أمه لأنه ولد مشردا فلما اتّقدت قريحته بكثرة حضوره الاندية الادبية: احتضنه (والبة بن الحباب) كأستاذ له، فطلب من استاذه أن يقول الشعر فمنعه إلّا بعد أن يحفظ عشرة آلاف قصيده، وقد تقول: ما دخل هذا بذلك فاقول دخله كبير، وهو استفسارك التهكمي عن (أيِّنا الزيات) وأجيبك بلا خجل بأن الزيات هو الذي حلّ فيّ لكثرة ما حفظت له، بل وليس الزيات وحده وإنما كل من حفظت كتبهم عن ظهر قلب لتأثري بهم رغم مبالغاتك وغلوك فيما ذكرت سامحك الله، وأما لفظة (نترة) التي كلفت نفسك مشقة البحث عنها في كتب اللغة لما ذكرت أنت من لسان العرب والقاموس وغيرها وقد وصفتني بالجاهل وذيّلت هذا (بأن من لا يحسن الشيء يأتيك بالعجائب) وأنت تعنيني طبعا (إياك أعني واسمعي يا جارة) فأشكرك على هذا الحكم، لكنني أقول لك بملء فمي ألف مرة لا؛ فأنا أعني هذا البيت أو هو يعنيني
أنا ابن بجدتها علماً وتجربةً سائل بسعدٍ تجدني أعلم الناس |
ولو اقتصرت على كتاب المنجد بدل خوضك في هذه المهامه لوجدت لها ما يزيد على عشرة مدلولات كلها توائم البعثرة ويؤسفني أنك ضربتني في الصميم حيث وصمتني بالجهل في مادتي التي هي زادي في الحياة ولم تقع كتبها من يدي وهي تخصصي منذ خمسين عاما حتى اليوم، وأنصح للأخ خالد بأن لا يمدح أو يذم قبل التجربة، وأظنه لم يقرأ لي شيئا قبل هذا المقال.
لا تمدحنّ امرأً حتى تُجربه ولا تذمنّهُ من غير تجريب |
والتجريب الذي أردته من هذا البيت هو أنني أتمنى على الاخ خالد المنيف أن يتكرم فيرفع السماعة لتلفوني 5329142 ويأخذ بيده الأخرى كتاب أحمد الزيات أو اي كتاب آخر مما ذكرتها في هذا المقال مما حفظته فيسألني ويناقشني في مقال ما من موضوعات الكتب ليرى مدى صدق ما ذكرته، وأخيرا اقول: (ما هكذا يا سعدُ تورد اللبل):
وقل لمن يدّعي في العلم معرفة عرفت شيئاً وغابت عنك اشياءُ لا تحظر العفو إن كنت امراً حرجاً فإن حظركه في الدين إزراء |
وإن كان الأخ الكريم استكثر عليّ مسمى وظيفتي الرسمية (خبير التعليم) فلا يغب سأطرّحها وأقول اسمي حافّاً وكما يقول الشاعر الشعوبيّ (فما شرّفتّني كُنيةٌ عربية)
عبدالله تركي البكر حائل
|
|
|
|
|