| مقـالات
ينبغي علىالمثقف أن يرصد التحولات الثقافية والاجتماعية في مصاديق الواقع ولا يكتفي بمتابعة آخر الاصدارات الكتابية والاطلاع على أمهات الكتب وتبقى الثقافة مجرد علاقة تنحصر بهذه الطريقة التقليدية لاكتسابها والتعرف من خلالها على التحولات الاجتماعية والانسانية دون النظر المباشر للقضايا الحسية ولخطاب السلوك الاجتماعي والثقافي الذي يتجسد في حركة الناس اليومية وفي نظام علاقاتهم وفي شفرة عاداتهم وتصوراتهم وفي أنظمة خطاباتهم الثقافية المختلفة فالتجريد والتهويم النظري وتقرير بعض الحقائق في ثقافة السلوك والتقليل من أهمية حركة المجتمع الثقافية والتعامل معها باعتبارها نسقاً جاهزاً لايحتاج تفسيره الى كبير جهد، أو الاكتفاء بمجرد أن الناس كما هم لا يتغيرون إلى الافضل عما كانوا عليه، وأن النخبة هي المعنية بخطاب الثقافة، يجعل من مهمة الثقافة عديمة الجدوى وتصبح ما هي إلا تعبير عن رغبة لا تتساوق مع الوعي الثقافي والاجتماعي الحقيقي.
فكما أن هناك أبوية اجتماعية او فحل اجتماعي وثقافي، كذلك هناك نمطية من المثقفين قريبين من هذه التسمية ولايبعدون عن كونهم فحولاً ثقافية، ويظهر ذلك جلياً في ممارستهم لخطاب ثقافي متعال ونرجسي، لايقترب من فعاليات الناس اليومية ومن سلوكهم الوجداني والاجتماعي، ولا يرصد الترهصات الثقافية التي تحدث بين الحين والآخر، ولاينظرون الى مظاهر التغيير الحضاري الذي تحدثه وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، ينظرون الى الواقع الاجتماعي على انه منطقة لايوجد فيها إلا السكون أو هي عبارة عن تكلسات ونماذج إنسانية ميتة لا تستحق منهم أدنى اهتمام أو لفتة نظر فيها شيء من التأمل الفاحص لما يجري ويحدث في حركة الناس الاجتماعية وفي عقودهم الثقافية والانسانية.
فإن خطاب الثقافة عند هذا الفحل من المثقفين هو عبارة عن (الأنا، النحن، الذات) وليس معاني أخرى تخرج عن نطاق هذا التكوين لثقافة الذات، ولمركبها النرجسي، وفي الحقيقة إن هم إلا تركيبة أخرى للثقافة الأبوية السائدة، حيث ان الشبه بينهم وبين الصنم الأبوي في الثقافة الاجتماعية التقليدية يكمن في سلوك الذات المفردة المستبدة المطلقة والمتعالية عن مخاطبة وجدان الناس أو الاندماج في نظام خطابهم الاجتماعي، باعتباره خطابا متخلفا وغير قادر على التعبير عن ذواتهم المتفحللة.
فإن وهم الوعي الثقافي قد جعل هذه الفئة من المثقفين ينسون تركيبتهم الأولى أو نظام اندماجهم النفسي والاجتماعي وحقيقة تشكلهم الثقافي والفكري في ذات البنى الاجتماعية والثقافية، فبدلاً من الاندماج ومحاولة التغيير والاقتراب من الوجدان الاجتماعي والتعرف على طبيعة الامور والتطورات والبحث عن مختلف عما هو في مخيلتهم وتفكيرهم عن حركة الناس الثقافية والاجتماعية، يبقون بعيدين كفحول ثقافية لا يعنيهم من حال الناس شيء، وإنما يعملون من أجل توكيد ذواتهم وصنع فرادتهم الثقافية والاجتماعية بعيداً عن هم الوعي الثقافي وهم العمل الاجتماعي.
علي الصباح
|
|
|
|
|