| مقـالات
من المقرف والمؤلم في آن واحد أن يستمر هذا المسلسل اليومي:
طاب صباحكم، قتلت قوات الاحتلال خمسة شبان فلسطينيين وجرحت مائة وعشرين.
حييتم صباحاً، قام عددٌ من المستوطنين تحرسهم قوات الاحتلال بهدم أحد المساجد في طبرية.
مساء الخير، في مؤتمر صحفي صرح الرئيس أننا سنفضح ممارسات قوات الاحتلال الإسرائيلي اللاإنسانية في المحافل الدولية، وسنرفع شكوى إلى مجلس الأمن.
أيها المشاهدون:
استقبل فخامة الرئيس وزيرة الخارجية الأمريكية وتباحث معها حول شؤون الصراع العربي الإسرائيلي.
ويتكرر هذا المسلسل المؤلم كل يوم مع آلاف الصور والمشاهد المهينة بقتل اخواننا الفلسطينيين وأطفالهم ونسائهم أمام أعيننا كما تقتل الحيوانات البرية, وأحيانا تتناولهم أقدام الجنود بالركل والرفس على وجوههم ومحاولة تكسير عظامهم,, وصراخهم سوط لا يتحمله إلا من أنعم الله عليه بالصمم وفقدان الإحساس بالكرامة.
بكل اسف!!
ربما نحن الأمة الوحيدة عبر التاريخ التي تجد نفسها أمام الحدث دائماً، ويكون الحدث مفاجأة بالطبع، وعلى الأغلب غير سارة تماماً.
تحبَك المؤامرة في المدينة المنورة من أطراف فيها المجوس واليهود والمنافقون، وتكون النتيجة اغتيال الخليفة الفاروق (عمر بن الخطاب رضي الله عنه) وتتصرف الأمة حيال هذا الحدث الجلل دون وعي وتفكير، ويمر الأمر بقتل أبي لؤلؤة المجوسي كقاتل دون قراءة ما وراء السطور، ويبقى كعب الأحبار.
وتحبَك المؤامرة مرة أخرى لقتل ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه، بطريقة ماسونية يهودية، روعيت فيها ردود أفعال جميع الأطراف ودرست بعناية، ويسفك دمه سيدي وهو يقرأ القرآن فوق قول الله تعالى (فسيكفيكهم الله,,).
وتحبَك المؤامرة مرة ثانية لقتل (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه بطريقة متجردة من كل هدف شريف,, في وقت كانت الأمة بحاجة إلى أبي الحسن فقط ومنذ ذلك اليوم والأمة المنكوبة تدفع فواتير المؤامرات والمفاجأة على يد أولئك المخترقين من أمثال: أبي لؤلؤة المجوسي، وعبدالله بن سبأ وغيرهم مما لم يكتشف خطره ويفضح أمره, وهيأتنا تلك الأحداث عبر تاريخ أمتنا الطويل إلى ان نخترق بعد ذلك من قبل الماسونية والباطنية والبعثية والاشتراكية والرأسمالية.
وشكلت طابوراً خامساً ورؤوس جسور عبر من خلالها الصليبيون والمغول والاستعمار الحديث ومرتزقة الثورات العربية, وخير دليل وشاهد على ما أقول ما فعله ابن العلقمي (وزير عند المستعصم) الذي سلّم بغداد للمغول, وهل تنسى الأمة ميمون القداح والبساسيري في القرن الخامس، وحركة الحشاشين في فارس والقرامطة والفدائيين في جبال سوريا في الفترة الأيوبية والمملوكية بزعامة راشد الدين سنان.
وأذكر في هذا الجانب أن د, سهيل زكار حصل على مخطوط لأميرة صليبية وحققها في مجلدين تحت اسم (الحروب الصليبية) والمخطوط يتكلم عن اتفاق استراتيجي بين الحملات الصليبية والفاطميين، وتجلى ذلك عندما تمت محاصرة صلاح الدين وأسد الدين شيركوه في الإسكندرية من قبل جيوش الصليبيين وجيوش الفاطميين بقيادة شاور القائد العسكري في بلاط العاضد بالله الفاطمي.
واستمر هذا المسلسل الدرامي حتى جاء تاريخنا الحديث، وحالف العرب الأمم الأخرى في الحرب العالمية الأولى، وبمنتهى السذاجة شاركناهم في جريمة تقويض الخلافة في الأستانة تحت شعار (الثورة العربية الكبرى)!!
وفوجئنا أنهم يتقاسمون بلادنا في معاهدة سايكس بيكو، ويزرعون قنابل قابلة للانفجار بين الدول العربية تسمى الحدود,, وتجاوزنا هذا، وأعطوا اليهود مالا يملكون، ومهدوا لهم اغتصاب فلسطين العربية من خلال وعد بلفور اللعين، وزير خارجية بريطانيا آنذاك في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر 1917م، وقالت الحكومة البريطانية يومئذ: إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وستبذل أقصى جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية.
وجاءت الحرب العالمية الثانية مناسبة لاعداد اليهود عسكريا من خلال تدريب الآلاف منهم بدعوى المشاركة في الحرب ضد: ألمانيا الهتلرية.
وأثناء هذه الحرب اعتمد حزب العمال البريطاني عام 1944م برنامجا لسياسته الانتخابية آنذاك، يفتح من خلاله أبواب فلسطين للهجرة اليهودية ليكونوا أكثرية فيها.
وخضنا حرب 1948م بقيادات تحت وصاية بريطانية (أبو حنيك ومن هم على شاكلته)، وقلنا للفلسطينيين اخرجوا لمدة عشرة أيام أو أسبوعين ريثما تحرر لكم الجيوش العربية فلسطينكم,, وفوجئنا كالعادة بأسلحة فاروق الفاسدة وماكو أوامر ذلك الشعار الذي ردده الجيش العراقي عندما كان يبعد عن تل أبيب 12كم وطلب منه أن يثأر للدم العربي المسفوح, وخضنا حرب 1967م وفوجئنا أننا لم نكن مؤهلين لمعركة مع اليهود الشذاذ، إذ هزمت الأمة هزيمة نكراء وفي ايام معدودة، ولا نزال نحمل عقدتها إلى هذا اليوم الحزين.
وخضنا حرب 1973م، وفوجئنا بعد أن انتصرنا أن الصهاينة في (الدفرسوار)، بل وصلوا إلى الكيلو (101) عن القاهرة، وأن دمشق اصبحت على مرمى مدفعية الجيش الاسرائيلي.
واكتشفنا بعد هذه التضحيات التي قدمتها الأمة أن الأمور لا تحسم بالقوة وأن الحرب لا تحقق شيئاً على يد عباقرتنا وما أكثرهم, واكتشفنا أن فلسطين ليست حقاً لنا، وأننا ندّعي ما ليس لنا, ثم فوجئنا من جديد وكعادتنا بمسيرة سلام طويلة مع الصهاينة بعد أن أخذوا منا ما يريدون، وسلمنا بأيدينا المرتعشة خوفاً كل الأوراق الرابحة من الاعتراف بإسرائيل إلى فصل وحدة العرب في التضامن كشرط للتطبيع.
وبعد هذا التاريخ الطويل من النكبات والمحن والتنازلات المعلنة وغير المعلنة اكتشفنا الكثير إلا شيئاً واحداً، وهو أننا أمة مخترقة في كل العصور وفي كل الظروف، ولو أخذنا بمبدأ المحاسبة والمحاكمة وفق مبدأ (الخيانة العظمى) لنبشت فبورٌ، وحُفرت قبور أخرى، ولكننا أمة أيضاً لا تؤمن بشيء من هذا.
قد يغفر التاريخ لقادته أن يهزموا في المعارك، ولكن لن يغفر لهم أبداً أن يفاجؤوا وأن يشتركوا في المؤامرة والاختراق، لأن ذلك يدل على عدم أهلية في اتحاذ القرار، ومقامرة بماضي الأمة وحاضرها ومستقبلها.
وربما يكون من الإجحاف أن نفترض في كل واحدٍ من هؤلاء أن يكون عالماً في التاريخ، ولكن لابد أن يكون في أي حالٍ قارئاً للتاريخ وقادرا على فهم القواعد الرياضية الثابتة في الحركة التاريخية على الأقل.
وإلا فستحول الأمة إلى حقل تجارب وميدان اختبار للنظريات وهذا يستدعي بالضرورة عصاً غليظة تردع من يتساءل أو يطالب بالمحاسبة، وبكلمة واحدة وقول واحد (الدكتاتورية)!!
ولو تتبعنا بحرص كل الذين تركوا بصماتهم على جدار الزمن، وقادوا أممهم في ميادين الانتصار والتقدم نجدهم دائماً ممن أدركوا فلسفة التاريخ، وأوتوا فهماً دقيقاً للمجتمعات التي تصدوا لقيادتها، واستطاعوا أن يصلوا إلى المزج الدقيق بين الإمكانات ومعطيات العصر، والخصائص النفسية لتلك الأمم.
فقط عندما عرفوا نسب ذلك التفاعل والاستفادة من عناصر غير مُجدية بنفسها، ولكنها شديدة التأثير عند توظيفها توظيفاً صحيحاً ومدروساً, وأخلص بكم أيها السادة,, إلى أن التجارب والدراسات لدى مفكري الامة ومفكري أعدائها أقرت أن هذه الأمة لا يمكن أن تقاد إلا بواسطة نبي ومدجج بالسلاح ويحمل رسالته آخرون سائرين على منهجه ومدججين بالسلاح أيضاً، ولذلك لن نجد منذ القرون الأولى إلا شواهد متكررة تؤكد ذلك، ،تؤكد بطلان ما يخالفه.
ولا تُنسى تلك الخصائص المتوافرة في نفوس العرب، لأنهم أمة محاربة مع تميز بالفردية الحادة والأنا التي لا تقبل التنازل.
ولذلك ولن تستطيع أن تجد عربياً يقبل أو يقرُّ طوعاً بأفضلية قبيلة على قبيلته، ويبقى أخذ الكأس الأولى في الجاهلية، والفنجان الأول في المجلس حلماً يداعب خياله وإغراء شديد التأثير، ومن الصعب التغلب عليه, يدل على ذلك قول أبي حنش عندما قتل الملك سلمة عم امرئ القيس بدل أخيه ذي السنينة، فقال له أملكاً بسوقة يا أبا حنش؟ فرد عليه أبو حنش: إنّ أخي كان ملكي.
وقال شاعرهم:
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال |
هذا التمرد الهائل والقتالية المتأصلة لم يكن ممكناً أبداً توظيفها في مجتمع يحمل مسؤولية الرسالة إلا على يد نبي مقاتل ومدجج بالسلاح, الذي وظف تلك الطاقة بشكل علمي في خدمة رسالة الأمة ومصالحها في ظل الإسلام الذي شكل للأمة العقيدة التي غابت خلالها الأنا العربية.
فروضت القبيلة في هذا السياق، وتجلى ذلك في معارك إسلامية على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومعارك أخرى في عصور مختلفة مثل معركة اليمامة في حروب الردة، والقادسية، وتفجر من هذه الأنا خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص وعلي بن أبي طالب وعمرو بن العاص، لأنهم كانوا ربانيين ومدججين بالسلاح.
واستمر ذلك عبر تاريخ الأمة بطوله وعرضه خلال الفتوح، والحروب الصليبية والمغول,, إلى أن كان الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله الذي جمع بين القيادة الربانية، والقتال والفروسية، وكانت معجزة التوحيد التي تمت على يديه، وننعم فيها بالإسلام والأمن والأمان فجزاه الله عنا كل خير.
وبعد كل ذلك الفشل والخيبة اللتين ورثتهما أمة محمد من أولئك المخترقين يخرج علينا صدام حسين مخترقاً جديداً وتلميذاً باراً للمخترق الأكبر ميشل عفلق اليوناني ويعلن أن المتبرعين ثمانية ملايين عراقي لتحرير فلسطين، ويريد (وصله) قاع كما زعم لكي يسير بهم نحو القدس، وقطعاً سيتجه بهم لابتلاع دول عربية أخرى بدل إسرائيل التي هيأ لها كل الظروف بعد غزو الكويت وشق الصف العربي، والأعجب من هذا أن هذا التصريح والمزايدة تصدر من حاكم أباد شعبه بالكيماوي واليورانيم المخصب ومسؤول عن كل ما يجري في المنطقة من تجاوزات ضد العرب المسلمين، ويقدم بين الفينة والأخرى عشرات ومئات المسلمين إلى المحاكم العسكرية، وفي نفس الوقت تعيش بعض الراقصات في بلده وتمتع بمرافقة وحراسة خاصة رغم أنف الملايين في تلك البلد الذين شرّد منهم أربعة ملايين عراقي خارج بلدهم فما أنت وفلسطين أيها الرجل العسكري المخترق الذي يضع على صدره ومتنه وعلمه أجنحة نسر بائسٍ من الحصار الذي سببه للعراق, كان الله في عون النسور يا أمة محمد.
E-mail:a-thani@maktoob.com.
|
|
|
|
|