| عزيزتـي الجزيرة
ما أكبر الفرحة وقتما تقبل! وما أوسع الحزن حينما ترحل!
ولكن من هم أولاء أهل الفرحة والترحة؟ هم أهل العيون الساهرة، هم أهل القلوب الطاهرة!؛ الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعاً حتى إذا ما أرهقت أبدانهم، وتعبت أجسامهم انحبست داخل حلوقهم العبرات الثقال التي يقفو بعضها إثر بعض وعجزوا أن يكملوا في دعائهم: سبحانك! ما عبدناك حق عبادتك سبحانك! ما قدرناك حق قدرك.
إن نظرة مديدة بعيدة إلى رحمة الله لهي أجمل وأكمل من نظرة قصيرة صغيرة إلى حطام زائل في هذه الدنيا الزائلة!!!
عائدنا هو الشهر التاسع من الاثني عشر شهراً، رمضان سُمي رمضان لانه عندما سمت العرب الشهور توافقت تسميته مع شدة حر، و(الرَّمَض) بفتحتين شدة وقع الشمس على الرمل وغيره، والأرض (رمضاء)، والحافي يعجز أن يمشي على الرمضاء وإن غصبت نفسه على المشي ساء خلقه وثار وفار, والصيام معروف وهو الامتناع عن المفطرات بأنواعها المعروفة من اذان صلاة الفجر إلى اذان صلاة المغرب بنية مبيتة, ومن جهة نظر محدثك أن الصوم في الشتاء خفيف لأن العطش فيه نادر، وقد يكون ثقيلاً كأثقل ما يكون الثقل على الصابرين المصابين بصحتهم، ومنهم من عجزوا عن أدائه فهم إذا هموا بالصيام تنشّط عليهم المرض وهاج وماج، فسخرهم الداء للدواء فأفطروا في تلك اللحظة التي يغصبون الحبة مرة ومرة بأن تصير داخل حلقوهم، وهي في اللحظة التي ترى فيها أعينهم تفيض من الدمع.
فهؤلاء وأولئك عسى الله أن يكون في عونهم,ولكنه ليس من الصيام ما يفعله ذلك الثرثار المكثار الذي يريد أن يعوض عن حركة أسنانه بحركة لسانه فهو وإن صام لا صام غير ما صام لا يهدأ ولا يعرف الهدوء إليه طريقاً، يشغل لسانه بالنم، ويعمله بالذم، يفكه من مربطه، ويخلصه من مربضه، ثم يطلقه على عباد الله كي يعض هذا ويلهب هذا.
وليس من الصيام ميل الفكر وانظر إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم :يامعشر الشباب من أمن منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يجد فعليه بالصوم فإنه له وجاء .
فالمهتدي الذي لزم طريق الصالحين ورفع نفسه عن طريق الفاسدين نفسه تعف عن الإثم، وتكف عن المعصية وتزهد فيها, إذن فالصوم عفة، والعفة مصدرها الفكر، فإذا استقام الفكر، استقامت النفس، وإذا استقامت النفس سلت وسهت.
وإن شقي الفكر شقيت النفس، وإذا شقيت النفس التاعت وارتاعت, نرجو للشبيبة هداية وهدى.
رمضان شهر الله الكريم أوله مغفرة وأوسطه رحمة وآخره عتق من النار، هذه كان يرددها أعزاء علينا كأقصى ما للمعزة من معزة ولكنهم رحلوا عنا إلى جوار ربهم فلما عاد عادت ذكراهم فتلتلتنا حرقة الفرقة يمنة ويسرة فلم نجد إلا أن نسأل الله العظيم في هذا الشهر الكريم أن يرزقهم الرحمة والغفران، أولئك الذين حتى وإن غابوا عنا فإن حبهم في القلب لن يغيب، أولئك الذين لم يبق من ذكراهم غير تلك الحصيات التي تعلو قبورهم والتي كلما نظرنا إليها اشتاقت الدمعة أن تفر من مسكنها.
عبدالله منور الحربي رياض الخبراء
|
|
|
|
|