| عزيزتـي الجزيرة
شهر رمضان الكريم له طابع خاص لدى مسلمي العالم المنتشرين في مختلف دول العالم، واختلاط المسلمين بغيرهم أوضح كثيراً من صور المشاعر الإسلامية وعواطفهم وعاداتهم، وتأثر بعض هؤلاء بتلك العواطف والمشاعر, فمالوا إلى تقليدهم ومشاركتهم أو مجاملتهم بالصوم، متأثرين بتيار قوي من التصور النفسي والاجتماعي والصحي، وقد يكون صومهم نوعاً من التعبد وانخراطاً في مجتمع أكثره من المسلمين، ويحق لنا أن نتساءل لماذا يقلد هؤلاء المسلمين في الصوم دون الشعائر الأخرى كالصلاة؟ فهل يتأثرون بسوق البهرجة والمراسيم الخاصة بهذا الشهر من مظاهر متوارثة اجتماعياً قد لا تكون عقدية وذلك في مختلف دول العالم الإسلامي وسنأتي بوصف لتلك المظاهر بعد قليل.
وهناك سؤال يطرح نفسه قد يكون أكثر أهمية: لماذا يصوم المسلمون أنفسهم؟
هل يصومون كلهم تعبداً أو انقياداً لتيار قوي من التقليد الاجتماعي؟ في شهر رمضان يكثر الحديث عن فضل هذا الشهر، ويكثر وصف المظاهر الاجتماعية له، وتكثر مقالات العلماء والكتاب عن مزايا هذا الشهر، ويستعد المجتمع بأسره لهذا الموسم العظيم كل حسب غايته: فالتجار يجهزون البضائع المقرونة بهذا الشهر، وتبدأ المطاعم بإعداد وجبات خاصة لهذا الشهر، وتبدأ محلات الحلوى بإعداد أنواع خاصة بهذا الشهر، وتبدأ المحطات الإعلامية بتجهيز برامج خاصة بهذا الشهر لا تحصر في الموضوعات الدينية أوالتاريخية بل تتعداها إلى الفوازير وبرامج اللهو غير المناسبة لهذا الشهر، ويبدأ الناس بالسهر ليلاً والنوم نهاراً، وتقيم محلات الأطعمة أطلق عليها أطباق رمضانية وتعج الأسواق بالبيع والشراء وتتضاعف نفقات الأسرة وبعضهم يخصص ميزانية خاصة لشهر رمضان، ويعيش الأطفال جوا خاصا ويمارسون ألعاباً خاصة واخترعوا ألعابا خاصة كفوانيس رمضان وتبدو مظاهر خاصة كالمسحراتي وتكثر الولائم وتكثر دعوات الطعام، ومثل هذه المظاهر يتأثر بها غير المسلمين ويلجأ بعضهم إلى التقليد بالصيام والمشاركة في المظاهر كالألعاب والحفلات والولائم.
وتتكرر مقالات ودعوات ونصائح في كل رمضان، توضح فضل هذا الشهر وأهميته ويكثر الحديث عن فوائده الصحية فهو راحة للمعدة وتخسيس للوزن وغير ذلك ومعذرة إن تجرأت وقلت بأن الصيام ليس كل ذلك، فالصيام قد يؤذي المعدة في بعض الحالات المرضية، وبما يقبل عليه الصائم من طعام قد يزداد وزن الصائم، وما يحدث في رمضان من تقاليد ذكرت بعضها قد تكون ملهمة وقد تتفق مع الشرع في بعضها وقد تنافي الشرع أحياناً، فما بالك في رجل يصوم النهار ويفطر على طعام محرم ويشرب ما هو محرم، وما بالك في إنسان يمضي نهاره صائماً ثم يمضي ليله ساهراً في خيمات رمضانية في جلسات مختلطة ونساء عاريات في مشاهدة فقرات من لهو ورقص وغناء ماجن في جلسة تعج بالفوضى السلوكية؟
ونعود إلى سؤالنا: لماذا نصوم؟
نصوم من أجل تنفيذ أمر الله سبحانه وتعالى على أن الصوم عبادة وأنه طوع وتنفيذ لتعاليم السماء لا نصوم لتخسيس الوزن أو إراحة المعدة أو,, أو,, وإنما نصوم عبادة لله الصوم مطلوب دون مرفقات دون كل تلك المظاهر، لا أقول حرمة كل تلك الظواهر، ولا أطلب إيقاف كل تلك الظواهر، بل أقصد تحديد نية الصوم بأنها عبادة لله سبحانه وتعالى فنصوم من أجل الصوم, وأتصور أن طبيعة هذه العبادة تختلط بروحانيات خاصة من خشوع وإقلاع عن الشهوات وليس البحث الناهم عن المتع والشهوات، وأسلوب إسلامي رمضاني في طرق التعامل مع النفس ومع الآخرين, وهنا يحضرني ما يلجأ إليه بعض الصائمين من اللجوء إلى العنف في التعامل أثناء الصوم فيشتم ويصرخ وينبو بألفاظه ويخاصم غيره بلا سبب مقنع، ويتذرع قائلاً إنني صائم, فهل الصيام عامل لإشعال أساليب العنف أم هو دعوة للتهذيب والإصلاح؟ وأجد ألماً عندما أتصور بعض المسلمين يحولون هذا الشهر إلى فترة سبات ونوم.
وإذا استعرضنا تاريخنا المجيد: يتبين لنا أن كثيراً من الإنجازات العظيمة من فتوحات ومعارك حاسمة تمت أو حدثت وقت الصيام، حدث ذلك وظروف الماضي القاسية: فلِمَ لا يحدث يومنا وظروفنا أكثر تطوراً ويسراً وسهولة؟ لعل الفارق في النفوس والنية وقوة الإيمان وصلابة العقيدة, إن إماتة الجهد والعطاء في هذا الشهر يحرم المسلمين من 30 يوما في العام أي ما نسبته 1:12 من العام وهي نسبة خطيرة, فرمضان شهر الروحانيات، شهر العبادة شهر العطاء، ولا يخفى على المسلم النابه ما تتعرض له أمتنا الإسلامية من حملات تشكيك وتضليل، فما يعيشه المسلمون في يومنا من مظاهر رمضانية مدعاة للقلق والبحث والتفكر، فأكثر تلك التحولات والمسلكيات ينشطها غير المسلمين ثم يقلدها المسلمون دون وعي ودون تدبر, فعملوا فوازير رمضان التي تعتمد على الرقص والاستعراض الماجن فما علاقته بالصوم,وقد يلجأ بعض المسلمين من غير قصد إلى امتداح شهر الصيام وبيان فوائد الصيام لإقناع الآخرين بالصيام، وهذا أسلوب فيه بعض الخطورة، فتعليل البشر يبقى ناقصاً، ومهما كان المتحدث ذكياً فصيحاً فقد يصادف من هو أكثر منه ذكاء فيدحض حجته، وقد يأتي بأحكام صحية يتراءى له صحتها، وعند عرضها على المختصين يثبت خطأها وفي كل تلك الأحوال يلقي اللوم على الدين ويستمر الحوار ويدوم الكلام ويطول البحث بين إثبات ونفي, ويبقى ان يقف المسلم عند حقيقة واحدة: الصيام تلبية لأمر رباني الصوم عبادة يجب القيام بها دون الترجيح على الجوانب الأخرى ذات الدلالات البشرية, ولا بأس أن يذكر الفرد بعض الظواهر والمظاهر النافعة من الصيام، ولكن الأهم عدم اعتبار الصيام أو عدم فرض الصيام حصراً في تلك الظواهر، فحكمة الله أوسع وأشمل، وقد لا نكتشف كل المقاصد الربانية بعقول بشرية، فيبقى الأمر تنفيذ الأمر الرباني دون حوار أو تعليل ويبقى جواب المسلم: نصوم لأن الله فرض الصيام علينا وقد يستشعر الصائم المسلم بعض تلك المنافع من خلال تجربة ذاتية، أما فضل وعظمة الصيام قد يحسها الصائم العابد ولا يفطن لها الصائم المقلد, وقديماً قالوا: العبادات لا تعلل وقد نعرف انتماء الصائم المقلد من خلال تصرفه أثناء صومه ومن خلال السلوكيات التي يتمثلها، ومن خلال التصرفات التي يقوم به ويبقى القصد في حكم الله سبحانه وتعالى فالصوم لا يكون تقليداً لمشهد أو تقليداً لمظهر أو لغاية صحية أو لمظهر اجتماعي وانما الصوم أداء فريضة وعبادة لله سبحانه وتعالى، ومن الغريب المستهجن ان حفلات وجلسات تحدث في ليالي رمضان، وتنسب إلى رمضان تبالغ في انحرافها وشذوذها وقد لا تحدث في غير رمضان، مما يؤكد خبث منفذيها وخبث دعاتها وغفلة مريديها، وتتسابق مراكز كثيرة على إنتاج تلك المشبوهات ويؤكد ذلك استغلال هذا الشهر لأغراض تتنافى مع مقصده، ولعل الماكرين فطنوا إلى الروحانيات السامية التي يتمتع بها المسلمون في رمضان، مما جعلهم يتخلون عن كثير من مغريات الحياة وتشف أرواحهم وتسمو نفوسهم ويهرعون إلى مرضاة الله في كل أعمالهم مما يؤهلهم إلى نجاح في أكثر أعمالهم فنرى أن الإسلام حقق مكاسب كثيرة في هذا الشهر الفضيل، فرغب الأشرار في هدر هذه الطاقة، وإن كانوا لا يستطيعون إبعاد المسلمين عن الصيام: فإنهم يحاولون إفساد هذه المشاعر بإفساد صيامهم وتحويل الصيام إلى عروض تزحف في وخم الفساد وإمضاء لحظات الصيام في النوم للتفرغ إلى فراغ عابث: فهل يفطن المسلمون ويقبلون على رمضان صوماً خاصاً بعيداً عن كل البدع الزائفة يصومون نهارهم ويتهجدون ليلهم ويحسنون نيتهم وتعف نفوسهم وتزهد آمالهم وتكرم هممهم بالعطاء الروحي والمادي ليعود رمضان شهر الانتصارات وشهر الفتوحات ولا نعطله ونحرمه أعظم خاصية له, فالصوم إذا حسنت النية وخلصت من الشوائب لن يقعدنا عن أداء واجباتنا ولن يقعدنا عن ممارسة أعمالنا ولا يحتاج إلى تعطيل أعمالنا لفترة طويلة فالصائم أعظم همة من غيره ولا يصدق من يدعي أن الصوم يضعف الهمم, فالملذات ومقارعة الشهوات هي التي تصيب الفرد بالتخمة وحب الحياة فلا يقبل على أداء واجباته، ويستمطر كل عبث ولهو فيفسد ويفسد معه مجتمعه، والصوم الحقيقي خير وجاء للفرد المسلم من كل مكروه.
د, زهدي الخواجا
|
|
|
|
|