أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 30th November,2000العدد:10290الطبعةالاولـيالخميس 4 ,رمضان 1421

مقـالات

البحث العلمي الخليجي
د, عبدالرحمن بن محمد القحطاني
قيل من يملك السلاح النووي يملك الحرية، ونقول من يملك العلم والتكنولوجيا يملك الحرية أيضا, البحث العلمي أحد مقاييس تقدم الدول والاهتمام به يدل على الوعي الإداري والفكري لأرباب السياسة والعلم والفكر.
فالبحث العلمي عبارة عن نشاط عقلي علمي منظم وبطريقة مثلى في التدبر والتفكير في الوقائع يسعى الإنسان إلى كشفها بمنهج موضوعي ومحققة من أجل معرفة الارتباط بين تلك الحقائق، ثم استخلاص المبادئ العامة أو القوانين التفسيرية ومن ثم بناء واقع ملائم سليم يخدم الإنسان أينما كان,, ولا غرابة أن نرى التكتلات العصرية السياسية والاقتصادية والعسكرية، فهذا نتاج الاهتمام بالبحث العلمي وبأهله المتحمسين, وشاهد آخر على اهتمام الدول الصناعية بمراكز الدراسات والبحوث، والمعاهد للدراسات الاستراتيجية وحيث أصبح التخصص الدقيق جداً جداً سمة المدخل في معالجة قضاياها, فالسؤال الذي يخرج علينا من عرينه هو إلى أي مدى تهتم دول مجلس التعاون الخليجي بالبحث العلمي؟ الإجابة البيضاء تنطلق من معرفة واقع البحث قبل تحريك الاهتمام به.
المنطق أولاً يؤيد في هذه الحقبة الزمنية العصيبة، بعد تغير مراكز القوى العالمية وتغير هيكلة الاقتصاد العالمي، بل عولمة النشاط الإنتاجي، إلى تقسيم العالم إلى فئتين من الشعوب:
الفئة الأولى تؤمن إيماناً كاملاً بالبحث العلمي ومعطيات التقنية ونتائجها كدول العالم الصناعي ومن بينهما الولايات المتحدة الأمريكية، حتى غدت الدولة الأولى والمهيمنة على القضايا الدولية الاجتماعية والثقافية والإعلامية والاقتصادية والسياسية, أما الفئة الثانية والتي أطلق عليها الشعوب النامية، ولعل ذلك من باب العزاء والمجاملة، كما يقول الدكتور راشد المبارك في بحثه في مؤتمر المملكة حول معاهد ومراكز البحث العلمي في المملكة العربية السعودية: البحث العلمي ومؤسساته، مؤكداً ان هذه الفئة في أحسن حالاتها لا تعدو ان تكون مستهلكة لنتاج الفئة الأولى عن طريق الشراء أو الاستئجار أو الاستيهاب، إذ هي غير مشاركة ذات شأن في صنع هذا النتاج أو حتى فهمه وحسن التعامل معه وبه، وفي أغلب حالات الشعوب من هذه الفئة تكون غير قادرة حتى عن الاستهلاك لعجزها عن الشراء أو الاستعارة أوالاستئجار , فما سبب ذلك كله؟ وهل يعود إلى مواقف سلبية يتبناها مجتمعنا من البحث العلمي؟ وهل هذه المواقف تشكل في مضمونها بعداً أزلياً نفسياً؟ الدكتور أبو بكر مصطفى في دراسته التي نشرت في مجلة الإدارة العامة بمعهد الإدارة العامة بالرياض عدد (41) 1404ه يوعز جانب المواقف السلبية إلى عدة أمور، وهي:
1, اضطهاد البحث العلمي: حيث تشعر الكثير من الفئات ان من مصلحتها الحفاظ على الوضع الراهن في المجتمع، وترى هذه الفئات في البحث العلمي وسيلة لإحداث تغيرات في القيم والمفاهيم لا تكون في صالحها,, ولعل الشواهد في التاريخ البشري كثيرة على ذلك ومن أبرزها الوقائع التي تعرض لها كل من الإمام أحمد بن حنبل عندما أخضع للعقاب البدني في سبيل التخلي عن معتقدات كان ينادي بها، وجاليليو عندما جاء بآراء مجددة في مجال الفلك كانت تتعارض والمعتقدات السائدة في المجتمع آنذاك .
2, السخرية من البحث العلمي: حيث تسود في الكثير من الأحيان النظرة إلى ان التقدم العلمي في مجتمع ما قد وصل ذروته، وأنه لم يعد بالإمكان الوصول إلى اكتشافات علمية جديدة,, فعندما توصل العالم البريطاني Charles Babbage إلى أن أحياها الأمريكيون في الخمسينات من القرن العشرين وطوروا على مبادئها فكرة الحاسب الإلكتروني وسادوا العالم, إلا أننا نرى ان هذا الواقع لا ينطبق في الوقت الحاضر على الدول المتقدمة إلا ان السخرية من البحث وأهله سمة تلك الفئات التي تخشى على مصالحها لأن البحث العلمي كما أسلفنا هو الوصول إلى الحقيقة ولا غير والحقيقة لأصحاب المصالح مصيبة على الجيوب.
3, بالإضافة إلى اضطهاد البحث العلمي والسخرية منه، يأتي موقف الاهتمام بالبحوث التطبيقية دون البحتة,, حيث يسود الاعتقاد بأن البحث التطبيقي أفضل بكثير من البحث النظري وذلك لأن النوع الأول من البحث يعطي نتائج مادية مباشرة (اكتشاف دواء جديد، آلة جديدة,, الخ) في حيث إن نتائج النوع الثاني تكون نظرية بحتة وهذه النظرة خاطئة بطبيعة الحال لأن التوسع في الاكتشافات العلمية لا يمكن ان يتم إلا إذا بني على أسس نظرية سليمة, فالطائرة أو الصاروخ مثلا لا يمكن تطويرهما إلا بعد أن يكون الباحثون قد علموا طبيعة تكوين الهواء والجاذبية وغير ذلك من العوامل التي يتم التوصل إليها عن طريق بحوث تكون نتائجها غير مادية أو ملموسة .
تلك المواقف ساعدت على تعميق من هم في صدر المسؤولية القومية والبحثية، حيث لم يعيروا هذا الجانب اهتماما إما لعدم تفهم أهمية البحث العلمي أو لعجز من أوكلت لهم مهمة تفعيل التوجه للاهتمام بموضوع البحث العلمي, أضف إلى ذلك ان هناك قضايا مباشرة أخرى أسهمت في ترسيخ تلك المواقف وهي في سياق الواقع البحثي ذات علاقة بالمكتبات ومراكز المعلومات مع التقنية الحديثة, الدكتور سالم السالم في بحث قدم للمؤتمر الوطني الثالث عشر للحاسب الآلي الذي استضافته مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وجمعية الحاسبات السعودية في مدينة الرياض 4 7 جمادى الآخرة 1413ه ذكر ان هناك بالفعل مشاكل تصب في اختيار الأجهزة والبرامج المناسبة، اللغة وتعريب البرامج الأجنبية، اختلاف البنية الأساسية للمعلومات من النواحي المناخية والعلمية والثقافية ، ضعف التعاون والتنسيق بين مؤسسات المعلومات في المملكة، اختلاف الأنظمة المستوردة وافتقارها للتوافق والتكامل، ضعف القوى البشرية المدربة والمؤهلة، التبعية التقنية وضعف التطوير المحلي للتقنية، عدم مشاركة المستنفدين في صنع القرار، وتهيئتهم للتفاعل مع التقنية، صعوبة ملاحقة التطور التقني السريع، عوائق مالية وإدارية وفنية وبشرية .
هذه النماذج التي تسهم في تعميق نظرة ومواقف المجتمع الدونية للبحث العلمي وأهله تجعل موضوع البحث العلمي قضية وطنية خليجية تستحق إشباعها دراسة وبحثاً ودعماً مادياً ومعنوياً, فندوة البحث العلمي في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي التي ستستضيفها إن شاء الله مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في مدينة الرياض ما بين 24 26 شعبان 1421ه سيتم كما قيل النظر في الواقع والمعوقات والتطلعات للبحث العلمي وهو الأمر الذي يتمناه الباحث أو الباحثة المعاصرين على أمل ألا تكون الأخير في اعطاء البحث العلمي وأهله الدعم الكامل والمستمر حتى يتمكن الإنسان في هذه المنطقة الجغرافية المهمة أن يعيش في أمن واستقرار وتقدم ذهني وعقلي وصحي ونفسي سليم راجياً ان تكون إحدى توصيات القائمين والمشاركين في الندوة إنشاء بنك معلومات لدول الخليج يسهم في تنشيط البحث العلمي ودعم الباحثين، فبدون المعلومة أو المعلومات، فالبحث العلمي يكون بدون قلب نابض، وبالتالي لن ولن يمكن الوصول إلى الحقيقة التي هي ضالتنا في البناء الاستراتيجي المستقبلي الخليجي، وإذا كان الأمر غير ذلك فيجب أن نعترف مقدما بالتأخر والتخلف.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved