| مقـالات
* في ذمة الله امرأة مؤمنة، استوفى الله روحها قبيل رمضان، يوم الأحد التاسع من شهر شعبان 1421ه، رحلت بعد أن تركت ذكرى حميدة ومواقف رشيدة، وأثرت في أبنائها وأحفادها ومجتمعها تأثيراً واضحاً يشهد على أن هذه المرأة الصالحة، كانت صادقة في نيتها، مخلصة في إيمانها، ذات صلة قوية بخالقها العظيم!
نشأت/ (حصة بنت إبراهيم بن صالح الرشودي 1339/1421ه) في بيت والدها: (إبراهيم بن صالح الرشودي) رحمه الله أحد الزهاد الورعين المشهود لهم بالتقوى والسيرة الحسنة في مدينة بريدة، والذي كان مزارعاً في (الصباخ) ثم انتقل إلى (رواق) جنوب بريدة!
ولقد حرص هذا الرجل الصالح على تنشئة بناته الخمس تنشئة دينية، وعلمهن القراءة والكتابة والفقه في الدين، فنشأن نشأة صلاح وتقى، وقدمن لمجتمعهن نماذج حيّة للمرأة الداعية والمعلمة والمشاركة في صلاح وإصلاح مجتمعها.
لقد اتصفت (حصة البراهيم الرشودي) رحمها الله بصفات الصالحات، وهي صفات يطيب نشرها في رمضان، ففي قراءة سيرة الذين جاهدوا أنفسهم وغلبوها بالطاعات، وصرفوها في مرضاة الله، وأنفقوا ساعات عمرهم في طاعة وعبادة ووعظ وديانة وخدمة لعباد الله، ما يوقظ القلوب، ويشرح الصدور لعمل الخير، ويحرك الهمم لعمل الصالحات، لقد كانت رحمها الله تمضي غالب وقتها في الصلاة وقراءة القرآن، وخاصة قيام الليل، ومن الحريصات على الدعوة في مجتمع النساء، فهي لا تحضر جمعاً لهن إلا جاءت بكتاب ديني تقرؤه عليهن، وتوصيهن بعمل الخير، والصدقة والصوم والإكثار من الطاعات، ولا يذكر لها مصاب إلا ذهبت إلى أهله تعزيهم وتواسيهم وتذكرهم بفضل الصبر والاحتساب، وتقرأ عليهم ما تيسر من كتب الوعظ والإرشاد، بل كانت من المحتسبات المعروفات في تغسيل الأموال من النساء طاعة لله واغتناماً للثواب، بل كانت مدرسة في هذه المهمة التطوعية، إذ دربت عدداً من النساء على اصول غسل الميت على وفق السنة المطهرة.
كما حرصت رحمها الله على تعليم وتحفيظ كتاب الله، وشاركت أختها في تأسيس مدرسة أهلية لتحفيظ القرآن الكريم, وعرفت بحب الخير للناس، ومد يد العون للفقراء والمحتاجين، وصلة الأرحام، والتحذير من الغيبة والنميمة واحتقار الناس، وكانت تغضب لمن يتكلم في عيوب الناس، وتذكره بحرمة ذلك ونهي الله عنه في كتابه الكريم، وكانت رحمها الله تحب الأطفال، وتعلمهم الكلمات الطيبة والافعال الحسنة، مثل تناول الاشياء بأيديهم اليمنى، وكانت تحرص على ذلك حتى وهي على فراش مرضها الأخير!
ومن صفاتها القنوت وكثرة الخشوع والبكاء، والتوصية بشكر النعمة التي يعيشها الناس قياساً بأحوال الناس في الماضي، وما كانوا عليه من قسوة في العيش وشظف في الحياة!
وكانت تهتم بأمور المسلمين وتسأل عن أحوالهم وقضاياهم وتفرح بنصرهم وتتألم لألمهم، وتدعو الله ان يعز الإسلام وينصر المسلمين، ومن صفاتها حب المسامحة والعفو والصفح، وسؤال الله ألا يُوقَفُ أحد في الحساب من أجلها!
تزوّجها ابن عمها (سليمان بن محمد الرشودي) رحمه الله ورزقت منه بابنها الأول، وتوفي عنها، ثم تزوجها (عبدالرحمن بن علي القفاري) رحمه الله ، ورزقت منه بعدد من البنين والبنات الذين أدركوا برها ونالت نفعهم وصلاحهم, لقد رحلت رحمها الله قبل حلول شهر رمضان بأيام، وهي التي كانت تفرح بموسم رمضان وتحييه بالعبادة والتهجد وقراءة القرآن والصدقة، لقد كانت من النساء المؤمنات الكيسات اللاتي أدركن أن الحياة طيف، وأن الإنسان ضيف، وأنها دار عبور، وأنها مزرعة للآخرة، وأن العلاقة مع الله خير وأدوم وأبقى من العلاقة مع المخلوقين، فزرعن في دنياهن الخير، وغرسن فيها الصالحات، وتركن فيها ذكرى طيبة، وسمعة حسنة، وآثاراً صالحة، وأعمالاً مباركة، وأقوالاً نافعة، اغتنمن عمراً يمر مرّ السحاب، فأعرض عن المغريات والصوارف والملهيات، وأقبلن على الباقيات الصالحات فتزوّدن منها خير زاد، وجاهدن الهوى والنفس والشيطان قربى لرب المعاد، ورحلن مودعات بالدعاء والثناء، مشيّعات بالعبرات والدموع، مذكورات بالذكر الجميل، والسيرة النقية، وما عند الله خير وأبقى!
عبدالكريم بن صالح الطويان
|
|
|
|
|