| مقـالات
تتفق نظريات التربية وتختلف في الكثير من الأمور، ويأتي بعضها ليعدل أو ينسخ بعضها الآخر، إلا أن هناك اتفاقاً عاماً شاملاً بين هذه النظريات، قديمها وحديثها على أهمية القدوة أو الأسوة في تنشئة الأبناء, بمعنى أن سلوك الأب أو المعلم وما يأتيانه من أفعال في مختلف مواقف الحياة لهو أصدق دلالة وأشد تأثيراً من أي نصح أو إرشاد أو كلمات يوجهانها إلى الصغير, وقد أثبتت الأبحاث التربوية المتعددة أنه في حالة حدوث تضارب أو تناقض بين أفعال الأب ومواقفه وبين نصائحه وارشاداته، فإن تأثر الصغير يكون عادة بالأفعال والمواقف لا بالاقوال والنصائح.
وإذا كان ذلك ما توصلت إليه نظريات التربية، فإن ديننا الحق قد نبهنا إليه قبل أن تظهر هذه النظريات بمئات السنين, فقد جاء القرآن الكريم والسنة المطهرة وسير الصحابة الأكرمين لتؤكد لنا أنه لاخير في علم منفصل عن العمل، وأن القدوة الصحيحة هي التي يتحد فيها القول مع الفعل (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير قدوة لقومه قبل البعثة وبعدها، فقد قدم قبل البعثة من نفسه نموذجاً مثاليا للإنسان الحق الذي لا يكذب ولا يخون ولا يرائي حتى لقب بالصادق الأمين، وبعد البعثة كان نموذجاً أفضل وأرقى كمبعوث لرب العالمين، فكان يبدأ بنفسه وبأهله في تنفيذ ما ينزل عليه من تشريع, وقد كان إدراكه عليه الصلاة والسلام لأهمية القدوة لا ينحصر في الأمور الدينية والشرعية فقط بل كان عليه الصلاة والسلام مدركاً لبعدها التربوي، فقد روى أنه رأى إحدى الأمهات تغري ولدها الصغير بالمجيء إليها قائلة: تعال اعطك تمرة، فقال لتلك الأم: أما أنك لو لم تعطه لكتبت عليك كذبة، وهو تنبيه ذو دلالة مزدوجة من الرسول الكريم، فهو يعني أولاً وجوب حرص الأم على أن تظل صورتها نظيفة ناصعة غير ملونة بالكذب أمام أبنائها، ويعني ثانيا وجوب حرص الأم على تقديم قدوة صالحة للابن، فمهما كان الابن صغيرا فانه يتعلم منا، ونحن سواء أكنا آباء أو معلمين الذين نعطي للطفل أفكاره عن العالم فهل نتدبر؟
والله الهادي إلى سواء السبيل
|
|
|
|
|