أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 30th November,2000العدد:10290الطبعةالاولـيالخميس 4 ,رمضان 1421

مقـالات

إقليمية النصوص الجنائية في الفقه والنظام!
إبراهيم بن عبدالله السماري
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وكرمه على غيره من المخلوقات، فقال تعالى:ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا .
ولم يأت هذا التكريم عبثا، وإنما هو تهيئة ربانية لهذا الإنسان تمهيدا لاستخلافه في الأرض فقال تعالى:وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون .
ولكي يحقق الاستخلاف أهدافه فقد منح سبحانه وتعالى الإنسان القدرة على التمييز بين الخير والشر، فقال عز وجل: ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها .
وإلى جانب ذلك يوجد في طبع الإنسان عوامل النقص والقصور، لذلك لم يكل الله سبحانه وتعالى أمر الهداية والضلالة في الدنيا إلى الطبع البشري، كما لم يجعل الاهتداء الفطري معيار الجزاء والعقاب في الآخرة، بل أرسل الأنبياء والرسل الذين أيقظوا المتطلبات الفطرية والمواهب الكامنة في الإنسان، وأتموا على الخلق حجة الله.
والفطرة في الإنسان ليست كافية لهدايته مع أنها الأساس، فإذا نزع الإنسان نحو الشر فلا بد أن يلقى العقاب الذي يستحقه، ولذا فإن العلاقات بين الناس لا تستقيم بدون تنظيم ومسؤول يطبق هذا التنظيم.
وفي باب الجنايات تكون الأهمية أعظم، لأن الجنايات تتعلق بها الحدود والدماء ونحو ذلك مما يكون أثره أعظم، ولذا ورد في الأثر عن عمر وقيل عن عثمان رضي الله عنهما :
إن الله ليزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن .
ومن هنا تبدو أهمية تطبيق النصوص الجنائية على الوقائع الحادثة، وبسبب هذه الأهمية قد يثور الجدل حقاً او باطلاً حول حجيتها ووسائل تنفيذها ممن يتمنون عدم تنفيذها.
حول هذا الموضوع المهم اطلعت على رسالة دكتوراه ذات صبغة علمية شمولية، حازت على تقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى من المعهد العالي للقضاء بالرياض للدكتور جماز بن حسن الجماز.
اشار الباحث في مقدمة بحثه إلى ما تتعرض له النصوص الجنائية في الإسلام من الشبهات التي تغذيها الشهوات، لتشويهها وتنفير الناس من تطبيقها بدعوى وحشيتها وعدم صلاحيتها لهذا العصر، برغم أن آثار التطبيق تشهد أنها وحدها هي القادرة على ضبط سلوك الأفراد والمجتمعات وتحقيق أمنهم الفردي والجماعي، الحسي والروحي.
كما ألمح الباحث إلى أنه اختار إقليمية النصوص الجنائية، لأن تطبيق النصوص يرتبط بالولاية على الإقليم زماناً ومكاناً، إلا أن الباحث لم يقدم مسوغاً كافياً لدفع الشبهة التي أثارها حول ما يتبادر إلى الذهن عند أول وهلة من التضاد بين عالمية الإسلام وإقليمية النصوص الجنائية، وكان يكفيه أن يوضح أن إقليمية النصوص تتعلق بالحجية التي هي داخلة في نطاق الجانب التنظيمي وهو جانب كيفي، ولا تتعلق بالصلاحية التي هي من الأسس والركائز.
وقد أشار الباحث إلى أن هذا الموضوع من الموضوعات البحثية الصعبة في الفقه الإسلامي، لأنه لم يفرد بدراسات شرعية مستقلة وإنما يدخل ضمن مسائل أخرى، كما يعاني من قلة المصادر لقلة الدراسات المتخصصة فيه، بعكس ماهو حاصل في القانون الوضعي، مما يجعل عملية المقارنة صعبة جداً.
قسَّم الباحث رسالته إلى فصل تمهيدي وثلاثة أبواب، أما الفصل التهميدي فقد تناول فيه تقسيم العالم إلى دار إسلام ودار حرب وما يترتب على هذا التقسيم وفقاً لإقليمية النصوص الجنائية، ومن أهم ما أشار إليه الباحث من الاختلافات بين دار الإسلام ودار الحرب أن الحدود الشرعية لا تقام أثناء وجود الجيش الإسلامي في دار الحرب، بل تؤجل حتى يرجع إلى دار الإسلام مع إيضاح الخلاف في إقامتها في دار الإسلام، والتفريق بين وقوع الحادثة في دار الحرب أصلاً، أو وقوعها في دار الإسلام ثم هرب الجاني لدار الحرب.
وذكر الباحث الكريم ما علل به الإمام الكاساني عدم إقامة الحد في الحرب بأنه راجع إلى عدم الولاية أي على الإقليم لا على الأشخاص، وهذا جانب نظري فحسب، وكم تمنيت أن يتوقف الباحث طويلاً أمام الحكمة الإيمانية والتربوية والإنسانية من عدم إقامة الحدود في الغزو وهذا هو تعبير شراح السنة وهو الأدق في رأيي وأثر ذلك في سلامة النظام الجنائي الإسلامي برمته، وأثره في إقليمية النصوص الجنائية التي بينت أنها تتعلق بالكيفية والتنظيم بخاصة، من حيث مراعاة هذه الإقليمية للجوانب الإيمانية والتربوية للفرد المسلم والمجتمع المسلم.
كما أن هذه الحكمة تتعلق بالجانب الإنساني الذي هو المحور الأساس في جميع الشبهات المثارة حول النصوص الجنائية الإسلامية، وقد بين الباحث أن الرد على هذه الشبهات مما قوى عزمه على البحث في هذا الموضوع، بل إنه وفقه الله أوصى في هذا الفصل بضرورة مسارعة جميع الدول الإسلامية إلى إنشاء أحدث شبكات الاتصال في بلاد المسلمين لبث الفكر الإسلامي بطريقة سهلة ومشوقة ليستطيع أبناء الأمة الإسلامية معرفة أحكام دينهم والتمسك بها، ومواجهة الغزو الفكري الجارف.
أما الباب الأول فقد تحدث فيه الباحث عن أحكام إقليمية النصوص الجنائية، مشيراً في الفصل الأول إلى ماهية إقليمية النصوص الجنائية في الفقه والنظام لغة واصطلاحاً والفرق بينهما، وحكمتها في الفقه والنظام والمقارنة بينهما، بالنظر إلى الولاية على المكان وسيادة الدول، وبالنظر إلى تحقيق العدل والزجر وحفظ الأمن، ولم يبين الباحث الآثار الإيمانية والتربوية والإنسانية في هذه الحكمة في الفقه على النحو الذي أشرت إليه سابقاً في منع إقامة الحدود في الغزو، ثم تحدث عن شروط تطبيق إقليمية النصوص في الفقه وفي النظام والمقارنة بينهما.
مخصصاً الفصل الثاني للحديث عن إقليم الدولة، ماهيته وحدوده وعناصره الأرضية والبحرية والجوية في الفقه وفي النظام والمقارنة بينهما، ومتحدثاً في الفصل الثالث عن آثار تطبيق إقليمية النصوص الجنائية من حيث الشمول ومن حيث الموقف من تطبيق النظم الأجنبية على الجرائم المرتكبة داخل أو خارج حدود الدولة والمقارنة بين الفقه والنظام في معالجة هذه الآثار وخلفياتها.
أما الباب الثاني فقد عقده الباحث للاستثناءات الواردة على إقليمية النصوص الجنائية، تناول في الفصل الأول هذه الاستثناءات بالنظر إلى الأشخاص كرؤساء الدول الأجنبية ورجال السلك السياسي والهيئات الدولية والحكمة من هذا الاستثناء في الفقه والقانون.
وتناول في الفصل الثاني هذه الاستثناءات من حيث عينية النصوص الجنائية، موضحاً مفهومها ونطاقها وأمثلتها من الجرائم التي يسري عليها تطبيقها في الفقه وفي النظام والمقارنة بينهما.
وتناول في الفصل الثالث الاستثناء المتعلق بعالمية النصوص الجنائية، موضحاً ماهية هذا الاستثناء وأمثلته من الجرائم التي يسري عليها تطبيقه في الفقه وفي النظام والمقارنة بينهما.
وخصص الفصل الرابع لبيان الاستثناء المتعلق بتسليم المجرمين، موضحاً ماهيته وحكمته وشروطه وإجراءاته واتفاقياته وعلاقته بإقليمية النصوص الجنائية، في الفقه وفي النظام والمقارنة بينهما، وتحدث بشكل أخص عن إجراءات واتفاقيات تسليم المجرمين في المملكة العربية السعودية الثنائية والعامة.
أما الباب الرابع فقد عقده الباحث للقضايا التطبيقية لإقليمية النصوص الجنائية واستثناءاتها حيث خصص الفصل الأول للقضايا التطبيقية لإقليمية النصوص الجنائية وخصص الفصل الثاني للحديث عن القضايا التطبيقية المتعلقة باستثناءات إقليمية النصوص، ونهج الباحث منهجاً جميلاً في هذا الباب، وذلك بسرد وقائع القضية أولاً و ثم تحليلها ثانياً، مما أضفى على هذا الباب أهمية علمية كبيرة، وختم الباحث جهده العلمي بعدد من الفهارس التي تيسر للباحث الوصول إلى المعلومة في هذا البحث، وهي فهرس الآيات القرآنية الكريمة، وفهرس الأحاديث النبوية الشريفة والآثار، وفهرس الكلمات المشروحة، وفهرس الأمكنة، وفهرس الأعلام، وفهرس المصادر والمراجع.
وختماً للقيل أقول: إنه لابد من التأكيد على أن بحث إقليمية النصوص الجنائية في الفقه وفي النظامجهد علمي مشكور، يحمد للدكتور جماز أنه سبق إلى جمع ما تناثر في بطون أمهات الكتب مما ضعفت الهمم عن سبر أغواره وملاحقة حكمه العظيمة التي تبرز بجلاء ثراء الدين الإسلامي عقيدة وشريعة والتلازم بينهما لصالح الفرد والمجتمع والأمة.
ويحمد للباحث الكريم عاطفته الإسلامية الصادقة وحرصه على اظهار ماخفي على كثير من الناس بشأن عظمة الإسلام وشمول شريعته الربانية لكل مناحي الحياة، مما لم يحققه البشر باجتهاداتهم المختلفة والمتطورة.
إلا أن ذلك لا يمنع القول: إن القاريء للبحث يلحظ الاستطراد والتوسع في التفريعات مما أفضى إلى كثير من التكرار، وأوضح مثال للاستطراد: حديث الباحث عن استبعاد تطبيق النظم الأجنبية على الجرائم التي ترتكب داخل الدولة في الفقه حيث لم يتضح المقصود من العنوان لطول الاستطراد والشحن العاطفي المسيطر على لغة الطرح.
وأوضح مثال لكثرة التفريعات: حديثه المتكرر عن إطار الإقليم، وفي بعضها ليس هناك في رأيي مسوغ للاستطراد والتكرار.
كما أن المصطلح المعهود في النظام الجنائي الوضعي هو القانون، ولم يبين الباحث الأسباب العلمية الموضوعية لإعراضه عن هذا المصطلح إلى مصطلح النظام والفرق بين المصطلحين.
ويمكن القول بعد ذلك: إن البحث جديد في بابه، صادق في هدفه، قوي في طرحه العلمي.
ولأنه لا يزال حبيس الأدراج مما لا يتفق مع أهداف البحوث العلمية في الدراسات العليا فإنني أؤكد على أنه يستحق أن توفر له الكيفية المناسبة لنشره ليستفيد منه عموم الناس ، عن طريق المؤسسات المتخصصة أو دور النشر المعنية بالإنتاج العلمي المتميز,, وهذا وبالله التوفيق,,.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved