| الاخيــرة
أما وقد رأينا وعرفنا من خلال دراسة ثقافة الخيام أنه كان رياضياً مرموقاً ومن كبار علماء الفلك وكان تالياً لابن سيناء في الفلسفة, فلنلق نظرة على موقف المجتمع الإسلامي يومذاك من الفلسفة والفلاسفة، فبدون هذه الوقفة لا يستطيع الباحث تفسير بعض رباعيات الخيام التي تضمنت بعض الأفكار الفلسفية.
ولد الخيام على الأرجح سنة (411ه) وتوفي عام 517ه, وقد اختلف الباحثون اختلافاً شديداً حول تحديد التاريخ الدقيق لميلاد ووفاة الخيام، ولا أظنهم إلا مختلفين الى اليوم.
كان العالم الإسلامي في القرنين الخامس والسادس الهجري ينظر إلى المشتغلين بالفلسفة أو علوم الأوائل كما كان يطلق على الفلسفة، وإلى المحاولات الرامية إلى الاستدلال العقلي على ظواهر الكون عن طريق الفلسفة.
كان ينظر إلى هذا المنحى على أنه استدلال مرفوض، لأنه (أي الفلسفة) حكمة مشوبة بكفر.
والحق أن موقف بعض مفكري المسلمين، كان موقفاً جديراً بالتقدير والإجلال، لا لأن الإسلام ضد العقل (حاشا) بل لأن بعض المدسوسين على الإسلام حاولوا منذ أن اعتنقوا الإسلام، أن يدسوا في الإسلام كثيراً من الأباطيل، ويدسوا على الناس باسم الاستدلال العقلي والبرهان المنطقي.
وقد أبلى الإمام أبو حامد الغزالي بلاء حسنا في الدفاع عن الإسلام، ودحض النظريات الفلسفية المغرضة, فدرس الغزالي آراء الفلاسفة في كتابه (مقاصد الفلاسفة) ثم رد عليها في كتابه (تهافت الفلاسفة).
ولما كان الخيام تلواً لابن سيناء في أجزاء الحكمة كما يقول الشهرزوري في كتابه (روضة الأفكار) فلابد أن يكون الخيام فاسد الاعتقاد، سيىء المذهب وحينئذ فلا غرابة في أن يقول رباعيات ماجنة جريئة.
يقول الجاحظ: (ما ترك الناس شعرا مجهول القائل، ذكرت فيه ليلى أو لبنى الا نسبوه الى قيس بن ذريح), وقياسا على قول الجاحظ يستطيع دارس رباعيات الخيام أن يقول: (ما ترك شعراء الفرس شعرا مجهول القائل إلا نسبوه إلى الخيام) ولم لا؟ أليس الخيام قد اشتغل بالفلسفة فأفسد دينه؟ فماذا لو أفسد الشعراء دنياه؟
وبعد,, فإني أتساءل وقد تناولت في هذه الورقة طرفا من المناخ الاجتماعي لعصر الخيام هل كان الخيام بقادر لو اراد أن يقول مثل هذا التجويف الذي نراه في بعض الرباعيات المنسوبة إليه؟
أحاول الإجابة في ورقة قادمة إن شاء الله.
د, أحمد خالد البدلي
|
|
|
|
|