| مقـالات
من مرويات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله,, ما ذكره معالي الأستاذ الأديب وأستاذ الجيل عبدالعزيز السالم في حروف وأفكار الزميلة الرياض السبت 18 جمادى الآخرة 1421ه أن طالبا من الريف السوري قدم الى دمشق ليأخذ العلم من حلقات الدروس لطلاب العلوم الشرعية التي كانت تقام في المساجد, وكان بعض المحسنين يتولى إمداد هذه الحلقات ببعض المال لأن معظم الدارسين فقراء ,, هذا الطالب ليس له أي مورد مالي يعينه على طلب العلم سوى ما يعطيه إياه شيخه,, وفي يوم من الايام تأخر حصوله على نقود توفر له الطعام وبقي ثلاثة ايام دون طعام وعندما داهمه الجوع فكّر في السرقة ليسد رمقه بناء على قاعدة (إلا ما اضطررتم إليه) كما يذكر السالم, وذهب يبحث عما يسرقه وتسلق سور بيت من الخلف شمَّ فيه رائحة طعام يطبخ، حيث كانت البيوت في ذلك الزمان واطئة الأسوار وذهب الى المطبخ فوجد قدرا به (محشي كوسة) فالتقط واحدة منها وحين عضّها بأسنانه وجدها حارة فلم يستطع بلعها وتذكر حرارة نار جهنم فأعادها الى القدر مؤنّبا نفسه على ما فعل وعاد أدراجه (خزيان آسفا) فاتجه للمسجد الذي يتلقى فيه دروسه العلمية.
وفي درس المساء حضرت سيدة تحدثت الى شيخه فأمهلها الى ما بعد صلاة العشاء لكي يجيبها الى سؤالها، وبعد انتهاء الصلاة استدعاه الشيخ من بين زملائه وعرض عليه الزواج فأجابه بدهشة كبيرة كيف أتزوج وأنا لا أملك ما يؤمّن معيشتي وأنا كما تعلم أعاني من الفقر المدقع؟ فأجابه شيخه بأن هذه المرأة تمتلك سكنا خاصا وعندها من الموارد المالية ما يكفي وتريد فقط من يؤنس وحشتها وهي تبحث عن زوج صالح يسترها وتسعد معه دون حاجة لمساعدته مالياً,, فوافق الطالب على هذا العرض المغري الذي يسّره الله له لأنه عفَّ عن طعام تكتنفه شبهة التحريم وعقد قرانهما في الليلة نفسها واصطحبته معها الى بيتها وحين دخل البيت كان أول ما قال لها إنه بحاجة الى طعام، فأحضرت العشاء وعندما رأى آثار عضته في تلك التي أعادها الى القدر بكى فانزعجت لبكائه وظنت أنها بعد أن أسفرت عن وجهها أمامه لم تعجبه فطمأنها بلفت نظرها الى آثار أسنانه على إحدى حبات الكوسة ودهشت لما رأت فقصَّ عليها ما حدث وأنه ترك الكوسة خوفاً من الله فعوّضه الله خيرا مما ترك,.
وللحقيقة فان هذا درس يستفاد منه ان الانسان كلما اقترب الى الله وعفَّ عن الحرام وتمسك بالحلال وحافظ على قيمه الدينية فان الله ييسر له الأمور ويرزقه من حيث لا يحتسب ولو أدرنا النظر قليلا فيمن حولنا لوجدنا شخصيات تعبت في الحياة وحققت ما تصبو اليه من طموحات غير أنها تعاني من ويلات كبيرة كنقص في الاموال والثمرات وفساد الاولاد وما ذلك إلا لبعدها عن مرضاة الله وعن تيسيره,, فاذا يسّر الله أمرا هيأ له كل الأسباب دونما نصب وعناء,, أما اذا عسر الله أمرا فانه لا يتحقق غالبا (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) وعلاقة الخالق بالمخلوق معلومة فكلما اقترب العبد الى الله كان الله أقرب اليه في جميع الأمور (إن الله يدافع عن الذين آمنوا).
وبهذه المناسبة فان الاستاذ السالم يكتب في الزميلة الرياض ملامح من حياة الشيخ علي الطنطاوي في حلقات أنصح أخي القارىء بمتابعتها لأنها تحتوي على معلومات موثقة ودقيقة عن الشيخ علي الطنطاوي الذي نعرفه جميعا من علامات الدعوة والإصلاح في عصرنا الحاضر,, ومليئة هذه الحلقات بالعبر والطرافة والمواقف النبيلة فهل نستفيد مما يستنبطه لنا الأستاذ السالم من مواقف ويختاره لنا من عبر,, أرجو ذلك.
AIreshoud@Hotmail.com الرياض ص,ب: 90155
|
|
|
|
|