| محليــات
هذا أحمد يرسل فيقول:
في مجتمع الإنسان، مطلق إنسان نماذج كثيرةٌ عن أخلاق تتحرَّك بين البشر، وليس بشراً يتمثِّلون الأخلاق,.
كنت ذات يوم قد رحلت من قريتي إلى مدينة كبيرة، لم أكن قد أَلِفتُ العيش في مثلها، صاخبة في الليل والنهار، مكتظَّةٌ بالناس، كثيرة الحركة، أسواقها كثيرة ومُتناثِرةٌ في مساحات كبيرة، وفي أماكن متفرِّقة، كنت إن أردت الحصول على الغذاء أو الكساء أو الضرورات اليومية، أحتاج إلى عربة كي تقلَّني الى حيث أجد حاجتي، كان سكن عملي في منطقة مترفة لا توجد فيها سوى المكاتب والمساكن,,، ظللت لفترة أمارس الحياة بشكل ارتجالي، الى أن جاء يوم وطرق الباب في وحدتي، وعندما فتحته وجدت رجلاً في عمر يزيد عن عمري بقليل، هادئا وقوراً في وجهه سمات البِشر والرضا والطمأنينة مدَّ إليَّ يده مصافحا، قال لي: إنه جاري، وانه لاحظ أن لا عربة لدي، وبأنني أسير في الصباح على قدمي وعند عودتي كذلك من عملي، ولاحظ انني منطوٍ وهو على حد قوله يشعر بالذنب إن بقيت كذلك وهم جيراني,, أدخلته، مرحبا إن وجدت من يحدثني ,,، رأى أن منزلي ينقصه الكثير من النواقص، نهض,, أخذ بي إلى خارج المنزل، ذهب بي إلى بيته، ناولني طعام الغداء، وشيئا من العصير، ثم القهوة والشاي، ثم أخذني إلى السوق، كلما هَمَمتُ بشراء شيء نافح عن ثمنه، حتى وجدتني قد ابتعت كل ما أحتاج إليه في زمن سريع وبأسعار غير التي سجلت عليها,,، عند عودتي للبيت أخذ يرتِّب معي كلَّ شيء، ولم يذهب الا بعد أِن اطمأن إلى موافقتي أن تقوم العاملة في منزله بتنظيف بيتي يوميا وملابسي كل أسبوع,,، وبأن أقبل وجبة أسرية اسبوعيا مع أولاده في بيته,.
وعندما جلست إلى نفسي,, أخذت أفكر في هذا النموذج الرائع من الجيران، وتذكَّرت ان هذا المثال هو الذي كان سائدا في عصور النقاء والصفاء، ويوم تداخلت في نفوس الناس الرغبات في الحياة الدنيا وما فيها بَعُدَ الناس عن بعضهم، وفقد الأخ أخاه، والجار جاره، وبأنني حتى في قريتي الصغيرة لم يعد الجيران على هذه الشاكلة,, بل جفت الجيران جيرانها ليس تَعَمُّداً ولكن بانشغالهم بالمعاش,.
وهنا في المدينة الكبيرة المكتظة التي يتنافس فيها الناس ليس على لقمة العيش بل على موقع العيش,,، أجد هذا النموذج من الأخلاق، يفعل دون أن يقول، ويبادر ولا يَتَرَدَّدُ، ويتقدم دون ان يُدفَع، ويجيب دون أن تناديه؟
لله ما أروع هذا الجار الذي لولا إصراري في كثير من المواقف لوجدته هو الذي يمول بيتي ويشتري لي تذكرة السفر.
لم تمر على جيرتي معه أكثر من عامين حتى كنت بتوجيهاته ومؤازرته ان ابتعت عربة، ووفرت ما يعول أسرتي في القرية، وما يمدني بتكاليف حضور دورات لزيادة مهاراتي فيما يتطلبه عملي وفيما أقوم أنا بالدراسة تقوم أسرته بإعداد طعامي ونظافة منزلي حتى وفقني الله في شركة تقوم بهذه المهمة أسبوعيا.
مع كل ذلك هو هادىء، دمث، يصلي معي في المسجد المجاور، يزور جميع جيرانه، يقدم لهم المساعدة ذاتها، متعته في تقديم الابتسامة للجميع، ومؤازرة الجميع، إن تَحَدَّثَ صدق، وإن وعد لم يخلف، وإن غضب عليه أحد قابله بالحسنى، على الرغم من أن أحدا لا يجرؤ أن يغضب منه الا إن كان موقفا عابرا في السوق وما أكثر السفهاء.
هذا الجار اسمه صالح، وهو له من اسمه النصيب الأوفر,.
يذكرني بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يذكر فيه ان المسلمين المؤمنين إخوة وبأنهم كالجسد الواحد، وفي حديث آخر إن إيمان المرء لا يتم ما لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه وصالح يتداعى لكل من يضعه الله في طريقه، ويحب للآخر أكثر مما يحب لنفسه,.
إننا نحتاج إلى نماذج الأخلاق كي تكون القدوة ,.
وصالح جار لأحمد العتيبي من الرياض,.
كلاهما نموذج للعطاء,, ولحفظ المعروف,.
بورك فيهما,, وبورك في نماذج الأخلاق في مجتمع يقوم بإذن الله على أواصر الأخلاق.
|
|
|
|
|