| الاقتصادية
احتضنت المملكة العربية السعودية مطلع الأسبوع الماضي فعاليات المنتدى الدولي الأول السابع للطاقة بمشاركة أكثر من 47 دولة و9 منظمات دولية ذات علاقة بالشؤون الاقتصادية والنفطية, ويكتسب هذا المنتدى أهمية بالغة لكونه يحظى بمشاركة فاعلة من قبل طرفي السوق البترولية مما سيزيد من فرصة التنسيق وتبادل الآراء بين المنتجين والمستهلكين ولكونه يأتي في وقت تشهد فيه الأسعار النفطية ارتفاعات متزايدة على الرغم من التدخل المباشر من قبل منظمة الأوبك للحد من التقلبات المستمرة في الأسعار النفطية وعلى الرغم من التهديدات المتكررة التي تطلقها الولايات المتحدة الأمريكية بقرب استخدامها لمخزونها الاستراتيجي للحد من نقص المعروض النفطي, ومن مواطن أهمية هذا المنتدى أنه سيتيح المجال أمام الدول المنتجة والمصدرة للبترول لتفنيد الادعاءات المتكررة التي تطلقها الدول الصناعية المستهلكة للنفط والتي تحمل الدول المنتجة للنفط المسؤولية المباشرة عن ارتفاع الأسعار بغض النظر عن الأنظمة الضريبية المتبعة في الدول المستهلكة للنفط, وفي هذا الخصوص فقد اشار معالي وزير البترول والثروة المعدنية السعودي الى ان الدول المصدرة للنفط ستسعى الى توضيح اسباب ارتفاع اسعار المنتجات البترولية في الدول المستهلكة مشيراً الى انه على الرغم من كون النظام الضريبي شأن داخلي إلا ان الضرائب تشكل مايقارب 70 إلى 90 في المائة من اسعار المنتجات التي يدفعها المستهلك النهائي مما يعني عدم منطقية اتهام الدول المصدرة للنفط بالمسؤولية الكاملة عن ارتفاع الاسعار النفطية, ولكن السؤال الذي ربما يتبادر الى الذهن في هذا الموقف هو لماذا نفترض نجاح مثل هذا المنتدى بينما لم تستطع المنتديات السابقة تحقيق الاهداف التي سعت من اجلها وفي مقدمتها بالطبع تحقيق استقرار الاسواق البترولية؟ اعتقد ان هناك العديد من المتغيرات التي تعرضت لها اسواق البترول العالمية وتعمل في صالح المنتدى الأخير ولعل أهمها تطور آلية التنسيق الدولي من خلال التحركات الدولية التي قامت بها المملكة العربية السعودية وشملت دولاً من خارج منظمة الدول المصدرة للنفط وأثمرت عن تنسيق ملحوظ لسياسات الانتاج بين الدول المشاركة كالمكسيك وفنزويلا وغيرها, كما ان التقارب السياسي الذي بدأ يلوح في الأفق بين كبار منتجي ومصدري البترول قد يعطي للدول المصدرة موقفاً تفاوضياً اقوى في مواجهة الدول المستهلكة مما قد يضطر هذه الأخيرة الى قبول التفسيرات المنطقية التي تقف وراء ارتفاع الاسعار بدلاً من الاستمرار الخاطئ في تحميل المنظمة المسؤولية الكاملة, بالإضافة الى ما تقدم فإن المنتدى السابع الذي تستضيفه المملكة يتعايش مع مرحلة جديدة من القناعة الدولية حول طبيعة النفط كسلعة, فعلى الرغم من الطبيعة الخاصة لهذه السلعة، إلا ان الكثير من المحللين ظلوا في السابق ينظرون اليها ويفسرون المتغيرات المؤثرة فيها من خلال النظرة الاقتصادية البحتة متناسين الجانب السياسي القوي الذي ظل وما زال المؤثر القوي في اتجاه المتغيرات النفطية وفي مقدمتها السياسات الانتاجية والتسويقية والتسعيرية, إلا ان الاحداث التي صاحبت التحركات الدولية الأخيرة والقناعات التي بدأت تبرز من خلال التصريحات الرسمية وغير الرسمية لمسؤولي النفط في الدول المنتجة والمستهلكة قد ولدت لدى الجميع القناعة بضرورة الأخذ في الاعتبار المتغيرات السياسية التي تحكم بالإضافة الى العلاقات الاقتصادية الدولية العلاقات السياسية الدولية والداخلية للدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء, فمن جانب يجد أن الدول المستهلكة للنفط ذات النفوذ السياسي القوي على الساحة الدولية لم ولن تكون مستعدة لتلقي الاسعار النفطية كمعطى بغض النظر عن آثارها المباشرة وغير المباشرة على شؤونها الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، ومن جانب آخر فإن الدول المصدرة للنفط ذات النفوذ السياسي المحدود تواجه صعوبات اقتصادية ملحوظة قد تحدث خلالا مباشرا على كياناتها السياسية خاصة وانها تعتمد اعتمادا مباشرا على النفط كمصدر رئيس وربما وحيد للدخل, وبالتالي فإن الواقع السياسي الدولي يفرض على طرفي السوق العمل على تحقيق سعر نفطي يكفي لصيانة المستويات التنموية التي تسعى الى تحقيقها الدول المنتجة كما يكفي للمحافظة على مقدرتها الاستثمارية في مجال الاستكشاف النفطي الجديدة بالقدر الذي يمكنها من تأمين المتطلبات المستقبلية لاسواق النفط العالمية وفي ذات الوقت سعر نفطي لا يضر بالاستراتيجيات الاقتصادية والسياسية للدول المستهلكة خاصة وان صوت الناخب في تلك الدول له من الاهمية ما يكفي لجعل صانع القرار السياسي على استعداد لاتخاذ مايلزم للمحافظة عليه, واخيراً فإن من المتوقع ان تلعب الظروف الاقتصادية الحالية المتمثلة في ارتفاع معدلات النمر الاقتصادي والظروف البيئية المتمثلة بزيادة الطللب على النفط لاغراض التدفئة في الدول المستهلكة للنفط لصالح المنتدى السابع للطاقة مما سيخلق بيئة تحاورية تحكمها المصالح المتبادلة اكثر من المصالح المتناقضة, ولكن ومع كل هذه الظروف التي تعمل في صالح منتدى الطاقة السابع، يظل السؤال مطروحا حول مقدرة الدول المشاركة على صياغة وجهة نظر متكاملة تجمع بين المصالح الاقتصادية ولا تتأثر بالتناقضات السياسية التي ربما تكون لها اليد العليا في صناعة وصياغة مستقبل اسواق النفط العالمية, واذا جاز لي ان استبق الاحداث فإنني قد اكون متشائما الى حد اعتقد معه بعدم قدرة هذا المنتدى على تغيير النظرة المتعالية التي دائماً تحتفظ بها الدول الصناعية الكبرى لنفسها مما يجعلها لا تنظر سوى لمصالحها بغض النظر عن مصالح الدول الأخرى, ولعلنا نتذكر ما حدث في منتصف الثمانينات عندما انخفضت اسعار النفط الى مستويات متدنية جداً وحالة الرضا التي عمت كافة الدول المستهلكة للنفط بغض النظر عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية في الدول المصدرة مما يعني أن قبول الدول المستهلكة للحوار قد فرضته المعطيات الاقتصادية والسياسية الحالية التي ربما تتبدل في المستقبل.
* أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية
|
|
|
|
|