| فنون مسرحية
* القاهرة مكتب الجزيرة عمر محمد
بالتأكيد هي مصادفة ، لكنها تشي بأن الإبداع الحقيقي لايعرف حدود اللغة والثقافة,, ومابين الموت والحياة.
مصادفة أن تأتي فرقة رومانية إلى مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي 12 الماضي في شهر سبتمبر بمسافر ليل ، وهو نفس الشهر الذي رحل فيه مبدعها مؤلف النص صلاح عبدالصبور .
فعلى مدى خمسين دقيقة أخذتنا كريس سيمون مديرة ومخرجة فرقة دايا المسرحية الرومانية في رحلة ليلية لقطار مُتخيل من بوخارست إلى القاهرة ، حولت خلالها خشبة مسرح الأوبرا الصغير إلى عربة قطار يجلس الجمهور على كراسيها بينما ابطال مسافر ليل يخوضون تجربتهم في طرقتها التي حولتها أي التجربة من مديرة إلى كوميديا سوداء، ولانرى فارقاً كبيراً هنا، فالنتيجة واحدة، غير أن كوميديا الفارس إضافة لماحة من المخرجة لنص عبدالصبور المأساوي.
,, كريس جعلت من شباك العربة الوهمية شاشة سينمائية تبث عليها مشاهد لما يمر به القطار من حقول وقرى و,, و، مما أضفى على العرض حيوية واضحة، ومن ذات الشاشة عندما يتوقف القطار في احدى المحطات يدخل إلى العربة مفتش القطار,, وبزوايا مختلفة ليكثف إرهابه للراكب الوحيد عبده ,, بطل صلاح عبدالصبور ونموذج الإنسان العادي,, من يسميه البعض برجل الشارع ، المذعور من كل شيء,, وضحية السلطة الغاشمة من أدنى,, إلى أعلى مستوياتها.
والسلطة في العرض,, كما في النص الأصلي هي مفتش القطار، لكنه على خشبة الأوبرا تجلى في صورة ملتبسة اولاً وكأنه شحاذ سكير، ثم ثانياً كمحصل أعلى درجة في بذلته الرسمية, وبديلاً عن الراوي في نص عبدالصبور ، أتت كريس بمسافرتين شابتين راقصتين ، تبدوان للوهلة لأولى ساذجتين وتشاركان الراكب ذعره ومخاوفه من ألاعيب الشحاذ السكير، قبل أن تتحولا إلى معجبتين ظاهرياً على الاقل بالمفتش,, ومتوددتين اليه, ويضاف إليهما مغني يدخل في منتصف العرض ليغني أغنية رومانية، وفي نهايته أغنية حبيبي يانور العين وهو مرتدٍ جلباباً بلدياً وطاقية، ليضفي على رحلة المسافر مزيداً من العبثية السوداء.
شباك العربة الذي تحول إلى شاشة يدخل منها مفتش التذاكر في سمت الجنرالات الفاشست، لايخلو بين حين وآخر من عبارات مكتوبة عليه لها دلالتها بالعربية من نص عبدالصبور مثل,, علمهم الديمقراطية ولو اضطررت إلى قتلهم جميعاً وحقق في رقة وأضرب في عنف ، و جوع كلبك يتبعك , ومن الشباك الشاشة تكتمل المأساة عندما يُلقي المفتش بسكين تجاه عبده ليقتله، وبعدها ترتدي الفتاتان بدلتي رقص لتؤديا دورهما على موسيقى حبيبي يانور العين وتشدان عبده المقتول من يديه ليرقص معهما,, وكأنه مرغم على فعل ما يُطلب منه حياً أو ميتاً,, وكأنه دوماً جزء من لعبة لايفهمها، وقد لعب دوره ببراعة جابريل فاوتو ، وحصل به على جائزة افضل ممثل.
هكذا بتقنيات بسيطة ومعبرة تحولت مرارة مسافر ليل إلى كوميديا فارس، ورغم أن الحوار بالرومانية مع بعض التدخلات من العربية والإنجليزية إلا أن ضحكاتنا لم تتوقف عن التفجر من ذكاء المفارقات,, وشدة حضور الممثلين .
وكاي عمل فني اقترب العرض بحميمية من كثيرين الممثلة المسرحية معتزة ابنة الشاعر الراحل التي أكدت للجزيرة أنه لو قدر لوالدها رؤية العرض لاستمتع به ، وفي مقابل معتزة صُدم البعض من وجود راقصتين بدلاً من الراوي,, وايضاً من حبيبي يانور العين ,العرض الممتع والمثير للجدل هو ثالث مشاركة للمخرجة كريس سيمون في المهرجان بعد الطفل المقدس و طائر النورس في العامين الماضي وقبل الماضي كريس كونت فرقة من شباب الخريجين هي دايا والتي تعنى بالرومانية السبب ، وعندما عرفنا منها انها كاتبة,, لها رواية من جزءين وكتابات أخرى فلسفية، اعتقدنا أنها تعرفت على عبدالصبور من قراءتها,, لكنها قالت لنا:بعد المشاركة بالمهرجان في العامين الماضيين ومن شدة اعجابنا بجمهور صلاح عبدالصبور قررنا أن نأتي هذا العام بعرض مصري، وللاسف ليست لي معرفة بالادب العربي او المصري قبل مسافر ليل
* إذن كيف جاء اختيارك لمسافر ليل ,, ؟
عندما استقرت الفرقة على اختيار نص مصري كان طبيعياً ان نفكر في نجيب محفوظ بوصفه المعروف عالمياً من بين العرب، ولكننا لم نجد من بين ترجماته للرومانية مايتفق مع رؤى الفرقة، فلجأنا لاستاذة الادب العربي بجامعة بوخارست روديكا بروبوزان لترشيح عمل آخر لمحفوظ ومساعدتنا في قراءته، لكنها اضافت الى أعمال محفوظ المرشحة مسافر ليل لصلاح عبدالصبور، ووجدنا الاخير اقرب إلينا فاخذناه.
* لماذا ,,,؟
في مسافر ليل وجدت المسرح الذي نريد تقديمه من حيث الفكرة,, وامكانات التجريب عليها، كان غريباً وشيقاً,, وقصيراً وانسب للوقت الذي كان امامي للعمل عليه,, ستة اشهر قبل المهرجان, وهناك شيء مهم هو انني بعد أن قرأته انفتحت بمساعدة د,روديكا على معظم كتابات صلاح عبدالصبور من ذات مدرسة المسرحي الروماني يوجين يونسكو ، وكلاهما نموذج مستقبل رائع لمسرح العبث واللامعقول.
* وكيف اشتغلت مع فرقتك على مسافر ليل ,,,؟
قدمناه كلعبة,, كنكتة وليس كمسرح كلاسيكي فكرنا في استخدام وسائط مختلفة للتواصل ، ففكرتنا عن المسرح هي ان يشارك الجمهور الممثل في اللعبة، عبر عرض مليء بالحيوية، وفي تجربتنا كانت الكوميديا جزءاً من تواصلنا مع الجمهور.
* ألم يكن غريباً تحويل مأساة عبده الى كوميديا فارس؟
وما الغريب,, رؤيتنا كانت هكذا وفضلاً عن أحقيتنا في تقديم قراءتنا الخاصة للنص، فأنا أتذكر أن عبد الصبور قال,, مسافر ليل ليست إلا فارسا ، وأعتقد أنه كان يعني أنه سيُضحك الجمهور وهو في نفس الوقت خائف من المفتش ومتعاطف مع الراكب.
*والتوليفة التجارية التي أغضبت البعض ,,, ؟
اليست ترسيخاً للعبثية، كما أنني اردت أن أؤكد أن الأمر كله نكتة، وأن كل ديكتاتور سيتحول في النهاية إلى مضحكة ، والتوليفة التجارية التي يتعجب البعض من أين أتيت بها,, ستجدها في بوخارست كما في القاهرة .
* واللغة,, ألم يكن من الافضل,, اختيار الانجليزية لتحقيق مزيد من التواصل ,,, ؟
اعتقد أننا وصلنا إلى الجمهور رغم اللغة,, والإنجليزية لغة عالمية,, وهذا ضد ما هدفنا إليه، إذ أردنا تقديم دراما مصرية برؤية ووسائل رومانية ,, بما فيها اللغة، ربما,, لاثبات أن للمسرح لغة عالمية مشتركة,, هي لغة الطاقة التي يبثها الممثل للجمهور، معتمداً على وسائط متعددة كالموسيقى والغناء وحركة الجسد المعبرة.
|
|
|
|
|