| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة:
فلقد قرأت مقالاً في جريدتكم الغراء (يوم الخميس الموافق 27 من شعبان) في عددها (10283) للكاتب الأغرّ (د, عبدالله بن عبدالكريم العثيم) الأستاذ المساعد بقسم التربية بجامعة الإمام في القصيم، وكان عنوان مقاله: (إذا مللنا لعن الظلام,, فهل نصفق له؟).
وهو بهذا المقال يناقش الدكتور (حسن بن فهد الهويمل) أستاذ الأدب بنفس الجامعة، والمثقف والناقد الأكاديمي الإسلامي (حسبما وُصِفَ) المعروف من خلاله مقاله الذي نشره في هذه الجريدة المعنون ب (من شيء,, إلى لا شيء), ويطيب لي نشر مقالي هذا مشاركة مني حول ذلك:
ليس أسهل من أن تَنتَقِدَ، وليس أصعب من أن تَنقُدَ,.
قد يستغرب البعض ذلك بدعوى أنهما مترادفان، وهذا أمر ممكن؛ ولكنهما اصطلاحياً يختلفان,, حسب وجهة نظري,.
فأنت تلاحظ الأشياء البارزة التي ربما لو لم تلاحظها لصدمتك، لتنبهك، وعلى كلا الحالين يكون باستطاعتك الانتباه للأشياء التي مثلت أمامك فلا تستطيع إلا أن تلاحظها، والانتباه لتلك التي حتى لو سرحت عنها رغم بروزها، لنبهتك ولو بصفعة!
فهل يوجد من لا يستطيع أن ينتبه لهذين الحالين؟!
إذن لا يمكن أن نحاوره,,؛ لعدم استطاعته القيام بأمر سهل، وهو (الانتقاء) الناتج عن أدنى ملاحظة وانتباه!
أو يمكن أن يكون لمن لا يستطيع أن يلاحظ الحالين السالفين، حسبما أملت مشاربه على أدنى فهمه الذي وهبه الله,, أيمكن أن يكون له أدنى عقل؟!
ذلك هو المعتوه,,
الذي لا يستطيع القيام حتى (بالانتقاد) الذي يستطيعه عامة العقلاء.
أما (النقد),.
فهو وإن كان قائماً على (الانتقاد),.
إلا أنه شيء لا يستطيعه عامة العقلاء!
فالناس العقلاء (العاديُّون) يواجهون أشياء تنتظم في مسيرة هذه الحياة المنتظمة ويرون الناتئ عن هذا الانتظام؛
ولكن,.
هل عموم الناس يرون الأشياء الخارجة بخفاء، يصدق معه أن يمثل به لعملية السرقة؟
تلك الأشياء المخلة بالانتظام والنظام بشكل عام؛ فما بالك بالاسلامي منها القائم على مبدأ (إنما الأعمال بالنيّات)؟!
إنك إن لم تر تلك الأشياء الخفية بل المختفية,, إن لم ترها بالصدفة أو أن ينبهك إليها أحد، فلا يمكن ان تراها، خصوصاً إذا كان من يجسد تلك الأشياء أناس احترفوا المهنة، فهم أشبه بالسُرَّاق !
الذين هم أشد حرصاً على اختفائهم من حرص الشحيح على ماله!وما أشد خبث، وما أكثر طُرف من أذل يده للحد الشرعي!!
أَفَتُصَدِّقُ أن من أذل يده للحد الشرعي، ولم يراقب الله,, أن يمارس أعماله طبعية (عادية) منتظمة؟!
لكنك، بالتأكيد، يجب أن تعلم أنه لن يدخر جهداً أو يألو وسعاً في إخفاء اهتزازاته، حتى وصل الحال ببعضهم أن يتقمص شخصية الإنسان الطبعيّ رغم اهتزازاته الداخلية التي استطاع بما يملك من مواهب سخرها لذلك,,.
استطاع أن يبقيها داخلية، بحيث لا تؤثر على مظهره الخارجي!
وهذا، (أي: المظهر الخارجي) يستوي فيه الناس الطبعيون على اختلاف طبائعهم.
فهل يمكن لمن أراد كشف ذلك إلا أن يقوم (بالبحث والتحري) للذين من أهم صفاتهما الصبر والتأني؟!
وهو في نظري أشبه بعمل (رجال الشرطة)، وقد بُلِّغوا بحالات سرقة يجب أن يقتنعوا بإمكان تكرارها حتى بعد البلاغ، وفي ظل وجودهم فما بالك إذا لم يبلغوا؟!
إن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال، وجود خلل بعملهم، بقدر ما هو احتراف مهني من أولئك الشذاذ ومغامراتهم (الصبيانية) التي هم على اقتناع بأن تكرارها سيثير الانتباه إليهم وبالتالي القبض عليهم.
هذا إن لم تكن هناك جهود فردية من النابهين لأولئك,, جمهور يبرز نجاحها التكاتف معها,, جهود تكشف مخططات أولئك الشذاذ قبل أن ينووا البدء بتنفيذها إذا كثر الخارج والداخل، واختلط الحابل بالنابل؛ أفيستطيع من لم يقم، صابراً متأنياً، (بالبحث والتحري) ملاحظة من يعمل بانتظام وخبث؛ ليخرج عن هذا النظام في الحياة؟!
وهو ما مثلنا له بالسرقة والسارق,.
وسبب هذا التمثيل ببساطة، هو أنك قلما تجد شخصاً إلا تذكر شيئاً قد سُرِقَ منه (بالبناء للمجهول) اللهم إلا ما شذ وندر.
فما أعدل الإسلام! وما أشد وضاعة السارق مهما كان ذكيا؛ إذ هو ذكاءٌ ناقص الأولى أن نسميه، تنزيهاً للذكاء والأذكياء (شطارة) أو (فهلوة) حسب تعبير إخواننا المصريين.
والناس تجاه هذه الفئة التي نزهنا الذكاء والأذكياء عنها، مختلفون, فإنك إن وجدت كثيرين يعدونهم (موهوبين)! وآخرين أقلّ يستعذبون و يستظرفون (شطارتهم) فهم بذلك (أي الشطار) يلاقون عند هؤلاء الآخرين مكانة إعجاب، حتى لو كانوا مكتشفين لديهم في الغالب؛ لأنهم قد يستطيعون تمرير أشياء لا يستطيع ملاحظتها، بل كشفها، أولئك الآخرون,.
وربما يكون هذا سر إعجاب هؤلاء بأولئك!
,,, إنك إن وجدت هذين النوعين من الناس، فإن هناك بالمقابل، من يعلمون أن الذكاء موهبة فطرية,.
قد يكون استخدامها في الأمور غير اللائقة دلالة غباء!
لأن أولئك (الشطار) و(الفهلويين)، لا يمكن لهم تمرير (شطارتهم) و(فهلوتهم) على الجميع؛ فمن الغباء إذن الاستمرار بهذه الطريقة!
هذا عند النوع الثالث، وهم (القلة) الذين غذَّت مشاربهم الصافية واطلاعاتهم المستمرة المتأنية الصابرة مستنير عقولهم، فلم يعد من السهل لمن كانوا كذلك، أن يمر عليهم أ ويمر ما يمكن أن يلمحوه، أو حتى يحسوا به مجرد إحساس,, وبهذا وعند هؤلاء يفترق النقد عن (الانتقاد)!
وليس ذلك بمستغرب عليهم، خصوصاً إذا علمنا أن ( المار ) أو (المُمَرَّر) يستهدف الإسلام، وكنا قد تيقنا إسلاميتهم التي جسدوها في بحوثهم ومقالاتهم، ومحاضراتهم و,, الخ: منافحة، ونشر وعي.
إن أولئك بتلك الصفات هم الذين يتأتى لهم النقد فما بالك بالانتقاد الذي يستطيعه الأطفال النابهون حسب حجم عقولهم، بله الصبيان!
ومن أولئك النفر (القلة) الذين تأتى لهم (علم النقد) في نظري الدكتور (حسن بن فهد الهويمل) الذي لا نستثنيه إذا ما طلبنا رأيا في قضية ما,,,، ناهيك عن أن تكون قضية أدبية تمس الإسلام: ثقافية، أو حداثية، أو غيرها,,,؛ أو قضية شعرية، إذا عطفنا الخاص على العام؛ أو قضية تخص الغيرة على اللغة.
فالجميع يعلم موقفه من الشعر العامي ، والمنثور الذي لا ينفي الجمال فيه كنثر.
أحسبه كذلك والله حسيبه، علماً أنني لا أعرفه إلا معرفة طالب لاستاذه وقتئذ كنت,,,، وإن كنت أظنه لا يعرفني كذلك، وقد يكون,.
عموماً ويعلم الله أنني أعي (حدود التماس) بين التسرُّع في إلقاء الحكم، وبين حالة المحكوم، خصوصا إذا كان مثل هذا الطود الشامخ، الدكتور حسن الذي له من اسمه نصيب في جميع صفاته التي أظهرتها اطروحاتها وغيرها,.
فلقد أنصت لمحاضراته كثير حينما كنت طالباً على مقاعد الدراسة الجامعية، وسمعت له كثيرا بعد ذلك، وقرأت له أكثر وأكثر، ولم يُروَ لي ما يناقض ما لاحظته بل إن ما سمعته عنه من كلام طيب: أخلاقياً، وعلمياً، وثقافياً، و(تربوياً) أقل مما لاحظته على هذا الرجل، هذا بالإضافة الى أن الكل، (كل الغيورين على الإسلام) يتحدثون عن هاجسه الإسلامي الذي جسده كما ذكرت إنتاجه.
هذه، والله، شخصية الدكتور حسن الإسلامية الظاهرة التي (لا يتناطح عليها عنزان)!! أما أن نستمع إلى من وصفوه ب (الرجعية) فهم والله أقزم من أن نذكرهم إذا ذكرناه.
أما من حاول أن يهز صفاء منهجه الإسلامي عندنا,, فماذا يتوقع منا؟ أن نصفق له، مثلا، على هذه اللفتة الرائدة!
إن الدكتور الحسن في مقاله: (من شيء,, إلى لاشيء) أشار إلى أولئك المبهورين بالحضارة الغربية، والسارقين منها لتمرير ذلك في ثقافتنا الإسلامية محاولين تشويهها,, أشار الى أولئك إن كانوا مبدعين مخلصين، كما يرون أنفسهم أن يغزو الغرب فكرياً، ويتسللوا هناك، ما داموا يجيدون التسلل، بدلاً من التسلل هنا، خصوصاً والظروف تناسب ذلك في ظل (الانتخابات الأمريكية).
أم أن هناك حكاما يجيدون صيد المتسلل، كما الدكتور حسن هنا الذي لا يقصد الا الانتفاع من شر لابد منه واقعيا.
فهل تحولت (وردية) قلمه الإسلامي الى (رمادية) غربية!
هذا إذا لم نقل، كمن قال راضخاً للمفهوم السائد عند من لديهم خلل إسلامي: تحولت من (رمادية) إلى (وردية) تَهُزَّ (مبدأ الولاء والبراء) إننا بهذا نبشرهم بذلك؛ (فهل أنا في ذا يا لهمدان ظالم؟!),كان بإمكان (د, العثيم) الاستفسار من زميله أستاذ الادب والناقد المعروف، أو الرجوع الى مقالاته؛ ليخرج بانطباع واحد، ولا أظنه غير الإسلامي الصِّرف.
تنبيه: أنا لا أنزه الدكتور حسن، كما هو مثلما أحسبه لا ينزه نفسه، عن الخطأ ولا أتهم الدكتور العثيم؛ ولكن حتى لو كان على أسوأ احتمال مخطئاً أليس الأولى بنا أن نسير في مبدأ (أقيلوا لذوي الهيئات عثراتهم) ما لم يصروا علها فتكون سمة لهم, هذا ما أود قوله؛ ولذلك جرى التنبيه، علماً أنني لا أرى وقوع الدكتور حسن في ذلك.
لفتة: قد تُثيرُ انتباهك أمور تتردد فيها، فلا تتسرع بإصدار الحكم حتى لو كان تلميحاً، إلا بعد تأنٍ واستقراء، يمكنا من الاطمئنان لسلامة الحكم.
هذا هو النقد، واسألوا الدكتور حسن.
وتقبلوا خالص تحياتي,.
مشهور من الحدود الشمالية
|
|
|
|
|