| رمضانيات
* القاهرة مكتب الجزيرة
في غرة رمضان عام 647ه وصل الفرنج الى المنصورة بعد الاستيلاء على دمياط، فيما عرف بالحملة الصليبية السابعة والتي رأسها ملك فرنسا لويس التاسع وطارات هذه الانباء الى القاهرة فانزعج الكافة لاقتراب الخطر واخذ الخطباء في الجوامع يحثون الناس على الجهاد في سبيل الله فهرع كثير من المتطوعة للانضمام الى جيش المسلمين.
كان يفصل بين القوتين بحر أشموم ورغم ذلك بدأت المناوشات المتعاقبة ومنذ اليوم الأول براً وبحراً خاصة تبادل الرمي بالنبادل والمجانيق ,, وكان ما تردد من إشاعات عن فاة الملك الصالح نجم الدين ايوب سببا في إيثار الحذر من جانب الفريقين، هذا واستمرت المعارك بينهما عدة اسابيع سجالاً.
استغل الفرنج هذا الحذر وكسب الوقت وبذلوا جهوداً عنيفة لاقامة جسر على بحر اشموم يعبرون عليه لمهاجمة المسلمين, ومن جانبهم عمل المسلمون على إحباط هذه المحاولة، بل أصابوهم بالفزع والرعب من جراء قذف الحراقات لنيرانها المروعة على معسكرهم في البر الآخر, وكان المسلمون ينفردون آنذاك بأسرار سلاح الحراقات الذي لعب دوراً هاماً في الحروب الصليبية عامة.
ولأن المناوشات بين الفريقين استمرت شهرين دون نتيجة، فقد حرص المسلمون ان يرسلوا ما يقع في ايديهم من أسرى إلى القاهرة لإنهاض الروح المعنوية بين الشعب.
لكن حدثت الطامة الكبرى، حين أخبر بعض الخونة الفرنج على بعض الخصائص إلى الجنوب في بحر أشموم يمكن العبور عليها، فتقدموا بقيادة الكونت دارتوا أخ لويس التاسع وفاجأوا المعسكر الاسلامي بالهجوم، فقتل الامير فخر الدين يوسف وتفرق فرسانه من هول المباغتة,, ثم تابع الفرنج الهجوم الى قلب المعسكر الإسلامي حتى وصلوا إلى ابواب القصر السلطاني.
كانت شجرة الدر تدير المعركة من داخل هذا القصر بعد ان اخفت خبر وفاة زوجها الملك الصالح حتى لا يكون لوفاته أثر سيئ على المقاتلين, وامام هذا القصر وقف فرسان المماليك الهجرية بقيادة بيبرس البندقداري يذودون عنه ويحملون على الفرنج ببسالة لا نظير لها، حتى نجحوا في قتل الكونت دارتوا ومعظم فرسان المعبر من الإنجليز والفرنسيين، لترتد فلول الفرنج إلى تل جيلة تحت جنح الظلام بعد هذه المواجهة العنيفة التي جرت وقائعها في الخامس من ذي القعدة، ارسلت أنباء هذا النصر إلى القاهرة فاطمأن الناس بعد انزعاج وحل الاستبشار مكان التوجس,اثناء انتصارهم في البدء نجح الفرنجة في إنشاء قنطرة على بحر أشموم مما استولوا عليه من الاخشاب والعتاد من المسلمين ولكنهم عندما عادوا الى مواقعهم الأولى عدلوا عن خطة الهجوم إلى الدفاع بعد الذي حاق بهم، معتمدين على المؤن التي تأتيهم من دمياط عبر النيل,وعلى الفور فكر المسلمون في قطع هذه الإمدادات عن العدو وصنعوا عدة سفن متفرقة حُملت على ظهور الجمال والقيت في النيل قرب دمياط وشحنت بالمقاتلين الذين تصدوا لسفن الأعداء واستولوا على ما بها من مؤن وفي اليوم السابع من ذي الحجة ضرب المسلمون المثل في تفوقهم الهجري حين نجحوا في الاستيلاء على اثنتين وثلاثين سفينة محملة بالمؤن والعتاد.
عاش الفرنج فترة عصيبة بين نارين,, نار القاذفات ونار القوات البحرية المسلمة التي اذاقتهم الم الجوع والمرض ليزداد حالهم بؤسا وكربا، ورغم هذا الموقف الخطر ابى لويس التاسع ان ينسحب ولم يستمع الىنصح قادته، بل انه طالب المسلمين بالتفاوض معه بشروط عجيبة,, ان يسترد المسلمون دمياط التي كانت تحت سيطرته في مقابل ان يسترد الصليبيون بيت المقدس التي اجلاهم عنها المناصر صلاح الدين منذ ما يزيد عن نصف قرن!! ولكن لأن المسلمين يعلمون تفاقم حالة الفرنج لم يقبلوا التفاوض من الاساس، فاضطر الفرنج الى الانسحاب شمالا باتجاه دمياط في الثاني من المحرم عام 648ه, كانوا ينسحبون تحت جنح الظلام وسفنهم تسير بمحاذاتهم في النيل,, وانتهز المسلمون الفرصة وعبروا قنطرة العدو وطاردوهم بشدة فما ان اصبح الصباح حتى كان الفرنج قد هزموا هزيمة نكراء واسروا منهم الالوف بجانب الخيول والعتاد والأموال.
واستطاع ملكهم لويس التاسع أن يفر الى قرية منية ابي عبدالله قرب فارسكور ثم طلب الامان مع خمسين من حراسه فاقتاده الطواشي جمال الدين محسن الى دار القاضي فخر الدين بن لقمان ووضع القيد الحديدي في يديه تحت حراسة الطواشي صبيح المعظمي.
وهكذا انتهت معركة المنصورة بعد ثلاثة اشهر من القتال المتواصل من غرة رمضان الى غرة المحرم لتكتب صفحة من نور في تاريخ العسكرية الإسلامية.
|
|
|
|
|