| عزيزتـي الجزيرة
لكل منّا في هذه الحياة منهجه، وطريقته، وطموحه، وأحلامه التي يحلّق بها في عنان السماء، ويسمو بها عن الوجود، ويرتقي بها إلى عالم خاص، ويشيد لها القصور الفخمة التي تحتويها سواء كان حجم هذا الحلم صغيراً أو كبيراً هرماً، قد نحلم بأن نكون شيئا فنصبح لا شيء، سوى بقايا إنسان أنهكه الزمن، وعفر وجهه بالتراب، وجعله كسيحاً، ضعيفاً، مهزوماً، مكسوراً، ينتظر قدوم شيء ما، ينفض عنه حزنه وبؤسه، ويجبر كسر حلمه، ويبدل حاله، ويغير وضعه ومكانه.
وياترى هل سيأتي هذا الغائب المنتظر؟ أم يبقى الانتظار انتظاراً والحلم حلماً، يتبخر مع مرور الزمن.
الأحلام والطموحات تتغير وتختلف وجوهها، وأنواعها، وأحجامها، فحلم الطالب يختلف عن حلم الخريج الجامعي، عن حلم الشاعر، عن حلم العالم، عن حلم الكاتب، عن حلم الأمّيّ عن حلم الطفل الصغير، لكل من هؤلاء حلمه الخاص به الذي يرعاه وينميه حتى يشب ويكبر، ويصبح ناضجاً، ثم تأتي لحظة تحقيق هذا الحلم على أرض الواقع بعد أن شب ونضج، فيصطدم البعض منا بالواقع الذي لا يرحم، سواء كان بسبب ظروف ما، أو من أناس لا ترحم تجمعت لديهم بؤر ممتلئة بالعقد النفسية والاجتماعية التي يجعلونها عائقا في وجوه وطريق أولئك الطامحين والحالمين بمستقبل مشرق ومضيء وبسيط، يستظلون تحته، ويحققون تحت مظلته ماكانوا يسعون إليه من رفعة وعزة وكرامة.
فعندما نتحدث عن حلم طالب الثانوية العامة في دخول الجامعة ومايواجه من معوقات تحول دون تحقيق حلمه الصغير البسيط الذي يراوده منذ زمن في أن يكون منتسباً لإحدى الجامعات العريقة، ينهل من معين العلم فيها، ويغترف من العلوم المختلفة، ويتخصص في مجال ما من التخصصات التي يميل إليها ويهواها، وعند ضياع هذا الحلم البسيط من بين يديه نراه يتخبط في حياته يمنة ويسرة، دون أن تكون خطواته محسوبة، وقد يضيع في مهب الريح إذا لم يكن قوياً مُتسلحا بالإيمان، فيتجه إلى أمور تتجاوز الحدود المشروعة ويندى لها الجبين، وينحرف ويضيع، والسبب ضياع الطموح والحلم.
أما أولئك الخريجون الجامعيون من الجنسين، الذين ضاعت أحلامهم وطموحاتهم، وتشتتت بمضي الزمن، ولم يحصدوا في النهاية إلا تلك الشهادة، ومافيها من تقدير عام، ومعدل تراكمي، كتراكم هموم الحياة ومتاعبها، فلهم النصيب الأوفر من الضياع، والاحباط، والقلق، والاكتئاب، الذي يحيط بأسوار حياتهم، ويجعلهم في دائرة مغلقة، لايستطيعون الخروج منها، فبقدر تلك الفرحة العارمة التي لامست أوتار قلوبهم بالحصول على وثيقة التخرج والنجاح، وفتح ابواب الأمل أمام تلك الفئة الحالمة بمستقبل باهر زاهر، بقدر الحزن الذي خيّم على صفحات حياتهم، بسبب اصطدامهم بأرض الواقع الصلبة وصخوره المبعثرة، ويزداد الحزن والضياع والإحباط، بازدياد مرور عدد سنوات التخرج، ومضى أجمل سنوات العمر، والبقاء بدون عمل، والحاجة الملحة للعيش الكريم، وماتفرضه متطلبات الحياة على الإنسان يوما بعد يوم، تجعل مجاديفه تتكسر على قارعة الطريق، وتهوي به، فلا يستطيع الفرار من واقعه وتحطم أحلامه وطموحاته، وموت الحلم بداخله قبل أن يرى النور, فالمواهب والطموحات المدفونة، والأحلام الصغيرة والكبيرة التي لم تحقق كثيرة ولا تجد لها مكانا على أرض وسطح الواقع.
فلننهض سوياً ونسدل الستار، ونعزي أنفسنا، ونواسيها في فقد وموت أحلامنا، وطموحاتنا، وما اعتلى شهاداتنا وخبراتنا، ومعلوماتنا، من غبار النسيان والتهميش.
نورة ناصر الدعجاني الرياض
|
|
|
|
|