| مقـالات
وحتى لو اتفق العرب على ألا يتفقوا!، فلن يختلفوا هذه المرة نظرياً على الأقل على أن الأمة العربية تمر بأحلك الفترات الاستثنائية المهددة لوجودها ارضا وهوية, إن ما يدور على أرض الواقع، جنباً إلى جنب مع ما يحاك بالسر والعلن، لقمين بأن يضخ فينا المزيد من جرعات التوجس والخيفة والحذر واليقظة فيدفعنا على الأقل إلى ترميم أسوار الداخل مما يعتورها من عوامل اهتراء لم يعد بوسع السياسات الإعلامية الرسمية اخفاءه في أجواء العولمة والإنترنت, إن درجة صلابة وصلادة الثغور تحددها طبيعة ثغرات الداخل والتي قد تظل خامدة/ هادئة ولكن على غرار خمود البراكين النشطة وهدوء ما قبل العاصفة! إنه من المعلوم على سبيل المثال أن لدى دول الخليج ثغرات داخلية ملحة تتطلب اصلاحات عاجلة ومن ضمن هذه الثغرات ما يتمثل في الخلل الديموغرافي في أغلب المجتمعات الخليجية والتي تبلغ نسبة الأجانب فيها اضعاف اضعاف نسبة المواطنين، وهو خلل يكفينا منه ما تجلى ولا يزال يتجلى من حقائق على اثر الغزو الصدامي الآثم لدولة الكويت الشقيقة.
إنها مشكلة محسوسة المعالم على الرغم من ما يحوطها من تجاهل لا يفسره سوى الجهل بخطورتها في ظل حقائق ما مثله ويمثله البناء الديمورغرافي/ السكاني من (حياة أو موت) شعوب وشعوب عبر التاريخ الإنساني, إن اطلاع الغرب على مدى خطورة الديموغرافيا هذه هو ما دفع به ومنذ زمن بعيد إلى تشجيع جامعاته ومراكزه البحثية على الاحتفاء بموضوع الديموغرافيا وحثها على تأسيس العديد من المراكز البحثية المتخصصة في مجالاتها العلمية المتنوعة: وبالفعل فقد كان الغرب محقا في ذلك حيث ان العديد من هذه المراكز قد عمل ولا يزال يعمل على تزويد صناع القرار هناك بالسر والعلن! بالخبرة العلمية اللازمة للحفاظ على التوازن الديموغرافي في المجتمعات الغربية, إن المشاكل الديموغرافية معضلة يحلها (العلم) وتعقدها السياسة الأمر الذي يفرض علينا منح المؤهلين عمليا من أبناء الخليج فرص تشخيص الواقع فاشتقاق ما يناسبه من حلول علمية والتي من ضمنها ما يعرف ب(الاحتواء الجيلي الثقافي) والذي يفترض أن هناك علاقة وطيدة بين طوابير الخبز (والطوابير الخامسة!) فيلجأ إلى التجنيس الانتقائي كعامل (سيطرة) على الأجيال الاولى وفرصة (حرث وزراعة!) لبذور الذوبان الثقافي في ضمائر الاجيال اللاحقة وذلك عن طريق توجيه غرائز الاشباع لدى هذه الأجيال نفسيا وماديا, هنا وبمجرد تنامي الإحساس بالعضوية النفسية مع الثقافة السائدة، تبدأ أحاسيس الشعور بالأمان بالتبلور مما يقود إلى تشرب المشاعر الوطنية فالاخلاص والولاء, إنه على الرغم من سوداوية الوضع الديموغرافي في الخليج، فثمة عامل يشع بالتفاؤل والاطمئنان من حيث أن غالبية أطرافها (البدون) هم من العوائل ذات الثقافة المنسجمة مع ثقافة أهل الخليج مما يعني أن منحهم شرعية المواطنة من خلال التجنيس كفيل بإتاحة فرص الإفادة الناجمة من التنشئة الاجتماعية خصوصا على المستوى العائلي فتفعيل عناصر الانضواء الثقافية تحت مظلة الوطن.
أتمنى لو بادر مجلس التعاون الخليجي بتبني عقد مؤتمر علمي (مغلق!) يتمحور حول أبعاد هذه المشكلة الإنسانية والديموغرافية: مؤتمر يوفق بين محاذير السياسة، وتطلعات القادة، وأخلاقيات البحث العلمي الموضوعي مع الأخذ في الحسبان وضع النتائج موضع التطبيق فور تبلورها حيث إن الوقت بكل صراحة لا يحتمل التأخير.
ص ب 454 رمز 11351
|
|
|
|
|