| مقـالات
قد يكون هذا العنوان صادماً، وتكون الصدمة اكبر عندما نعلن بأن هذا النموذج بات مألوفاً في المجتمع العربي المعاصر، وينتشر كوباء خطير بحاجة ماسة الى الاعتراف بوجوده لكي يتم وضعه في العناية الفائقة.
1
من هو المقهور ذاتياً؟,.
هو كل انسان فاشل اجتماعيا، ويتموضع كقنبلة موقوتة قابلة للانفجار اجراماً أو انحرافاً أو تخريباً، وفي أبسط الحالات عندما ينكفىء هذا الانسان المقهور ذاتياً وينطوي على نفسه، ويقبل بالتهميش الاجتماعي.
2
هل يمكن ان يكون المقهور ذاتيا ملتزما اجتماعيا؟,.
للاجابة على هذا السؤال لابد من طرح السؤال التالي:
كيف يمكن لإنسان معطوب نفسياً ان يكون معافى اجتماعياً سواء بالاتجاه الديني او الوطني او الاقتصادي او العلمي او الأسري او العاطفي,, الى آخره.
فمن الناحية الدينية قد يمارس طقوسه الدينية خوفاً ومسايرة لعرف اجتماعي اكثر مما هو ايمان حقيقي، اذ ان الضمانة العقلية للتدين معطلة او معطوبة عند هذا الكائن، وما ينطبق على سلوكه الديني ينسحب على سلوكه الاخلاقي,, وكذلك على ولائه الوطني,, لأنه بكل بساطة مستلب بانتماءات خارج الحدود، ويمارس رفضاً لا شعورياً لكافة الاطراف الاجتماعية التي نما وترعرع في كنفها.
3
ما هي الظواهر الاجتماعية المعبرة عن سيكولوجية المقهور ذاتياً؟,.
بما أنه فاشل في كينونته الاجتماعية، حتى ولو بدا بأنه ناجح اجتماعياً من خلال اختبائه وراء اعلى الشهادات العلمية، أو تربعه فوق أعلى القمم الاقتصادية أو السلطوية,, كل هذا وذاك ليست الا أقنعة,, مثل هذا الشخص بات يشكل الأغلبية الساحقة في بعض المجتمعات العربية,, ففي المجتمع المقهور نجد غالبية المتعلمين أخطر من الأميين (الامية المقنعة)، وغالبية الذين يعملون لا يعملون بالفعل (بطالة مقنعة)، وغالبية رجال الاعمال هم تجار بهلوانيون وسماسرة ومرابون ومضاربون بأسواق الاسهم (اقتصاد مقنع)، وغالبية المحامين نصابين,, وشريحة من الاطباء دجالين أو مستهترين.
في المجتمع المقهور ذاتياً، يصبح القهر الذاتي نسبياً عند افراده، أي ان لوثة القهر الذاتي تطال الجميع ولكن بدرجات متفاوتة، فمن يكذب او ينافق او يحسد أو يغار أو يخون أو يغش لمرة واحدة أو في موقف واحد، أو من حين لآخر، يكون في أدنى درجات القهر الذاتي، وأقل خطورة من المدمن على الكذب او النفاق أو غيرهما من الأمراض الاجتماعية التي تتميز بالتكاثر السريع، اي عندما يدمن الشخص على واحدة من هذه الامراض فانه لا محالة سيصل الى الاصابة فيها جميعا.
في المجتمع المقهور ذاتياً، تمارس اخطاء تتراكم ابتداءً من تنشئة اسرية خاطئة بظروف بائسة مترافقة مع قدرات عقلية متواضعة أو قدرات معقولة لم تهيأ لها الظروف البيئية باتجاه نجاح يلائم هذه القدرات، بالاضافة الى ذلك قد تتدخل اطراف خارجية في التنشئة، كالتلفزيون، أو وجود الطفل مع ذويه بمجتمع آخر,, أو تسلط خادمة أجنبية على تربيته.
4
هل يمكن التعرف بسهولة على المقهور ذاتياً؟
نعم,, عندما يكون غيبّاً,, وفي غالب الاحيان هو كذلك,, ولكن وفي حالات استثنائية عندما يكون ذكيا، قد يموت ولا يعرف احد عنه (حتى أقرب المقربين اليه) بأنه كان مقهوراً ذاتياً ولقد عرفت البشرية حالات بين الساسة والكتاب والمفكرين.
ويطلق عليه العامة احكاماً هي بالحقيقة تشير الى خصائص سيكولوجية المقهور ذاتياً، ولكن وباعتبارها غير منظمة علمياً، تأتي على شكل حملات عدائية وشخصية أحيانا، لذا لا تعطى الاهمية الاجتماعية،أولا ترتقي الى مستوى اطلاق احكام اجتماعية تهدد مكانة هذا الشخص وتزعزع من قيمته الاجتماعية.
افلا يمكننا ان نقول عن الأب الذي يتوسط لابنه في عملية غش امتحاني بالمدرسة أو الجامعة ، أليس هذا الاب مقهوراً ذاتياً؟
وبدوره سينقل جرثومة القهر الذاتي الى ابنه.
5
المقهور ذاتيا عميل سري وبشكل مجاني في خدمة العولمة,.
نعم ,, كل انسان مقهور ذاتياً يشكل حالة تخدم العولمة فعلياُ والدليل على ذلك,, فالمقهور مصاب بالهوس الاستهلاكي عندما يتوفر له المال,, واذا ما اتقن لغة اجنبية فسرعان ما يخلص لها أكثر من لغته الام,, هذه الشريحة تعمل لاشعورياً على توطيد العولمة والتطبيل لنفاياتها,.
6
الملامح السيكوسيسيولوجية للمقهور ذاتياً:
* يعاني من اضطراب وتخبط في علاقاته الاجتماعية بدءاً من علاقات القرابة بالاب والإخوة وسواهم الى العلاقة الزوجية حيث ينتقل من فشل لآخر، الى العلاقة بالاولاد حيث الاهمال وعدم الاكتراث، الى عدم قدرته الحفاظ على اي صديق، الى عجز مطلق على تبادل المودة مع الجيران او الزملاء في العمل، واذا ما سنحت له الفرصة للتسلط فانه متشدد يحتمي وراء القوانين التي تسمح له بهذا التسلط، ليس غيرةً على وطن أو مواطن، وإنما لضعف وخواء في الشخصية.
* وقد يعاني من عدم اتزان في سلوكياته، فيبدو تارةً كريماً مع هذا الشخص وبخيلاً مع شخص آخر، أو مع نفس الشخص,.
وقد ينفق أحيانا على نفسه في يوم ما لا ينفقه في أشهر سواء في تناول وجبة بمطعم فخم، أو شراء ألبسة غالية الثمن وفوق طاقته، ولا قناعة له أصلاً بذلك، ولا يحضرتلك المناسبات الاستثنائية التي تفرض على الحضور مظهراً مبالغاً فيه,.
*حتى عندما يتحدث، يبدو أحياناً متحمساً لقضية قد ينقلب عليها في اليوم الثاني,.
وفي غالب الاحيان، عندما يتشدق بالثقافة فقد لا يحفظ الا عناوين أو اسماء مشهورة وغريبة عن المجتمع,, وعندما يتحدث ينتقل بدون سبب منطقي من فكرة الى اخرى,, ويقاطع الآخرين في أحاديثهم، ولا يجيد الاستماع,.
* يفضل، لا بل يلهث وراء التغيير، بأي شكل من الاشكال: في المهنة، في الزوجة، في السكن، في العقيدة، في الاتجاهات والميول,.
* ملولٌ,, ضجر باستمرار,.
* احلامه كوابيس,, مفككة,, بلا اي منطق ويصعب تفسيرها, انها تشرح سيكولوجيته المضطربة.
* رغم ادمانه على الكذب، الا انه قد يصدق، ويصرح حتى بأمور شخصية محرجة جدا له ولمن يسمعه، وقد تسيء بالغ الإساءة الى الحس الاجتماعي، اي انه يمارس الوقاحة عندما يصدق,.
* أي تعامل معه خاسر,, حتى لأقرب الناس اليه,.
وان لم يكن على المدى القريب ,, بالتأكيد بعد مدى معين سيلفظ وقاحته أو غباءه، او بالأحرى قهره ودفعة واحدةً، وكلما تأخر في إظهار هذا القهر، جلب ضرراً اكبر على من كان على علاقة طيبة معه.
* ويمارس سلوكية طفلية اتكالية، رغم انه يعلن ويتشدق وبشكل متطرف بأنه يرفض هذه الاتكالية وبمقدار ما يرفضها لفظيّاً، يتمناها في أعماقه، شرط أن تكون بصحبة سلطة قمعية استبدادية سواء كانت من شخصية نافذة اجتماعيا أو الأفضل ان تأتي من ظروف قاهرة تجبره على الخضوع لهذه الاتكالية.
* واللاشعور يغلب الشعور لديه,, اذ يلح عليه اللاشعور ويصبح أسيراً ورهينةً له في غالبية سلوكياته سواء في الأحلام أو في الهفوات,, وحالات الغضب,, والانفعال لأتفه الاسباب,, ليغدو اللاشعور لديه وكأنه حالة طبيعية، بينما نجد عند الإنسان السوي يتحكم في اللاشعور ويغلب عليه الشعور.
*جامعة الملك سعود
|
|
|
|
|