| مقـالات
من المسلم به أن الضعف اللغوي يبدأ من مرحلة التعليم الأولى ويستمر في مراحل التعليم العام ويتضاعف في مرحلة التعليم العالي ففي المرحلة المبكرة من التعليم تهمل أساسيات تعليم اللغة التي يجب أن تبدأ بتعويد النشء نطق الأصوات اللغوية التي ترمز لها الحروف نطقاً سليماً مع التركيز على علامات الشكل والمد والتسكين,, الخ مما يعين على ضبط النطق وسلامة الكتابة.
يقول الدكتور أحمد هيكل: إن تدريس النشء بما يعرف بالطريقة الكلية الجملة ثم الكلمة وأخيراً الحرف ليست الطريقة المثلى لتدريس اللغة العربية ذلك أن التعليم بهذه الطريقة أوجد خللاً في العملية التعليمية,, وقد آن الأوان أن نقرر دون تردد أن الطريقة البسيطة التي تعلم بها أسلافنا، والتي تعلمنا بها أيضاً وهي طريقة التعرف على الحروف المفردة وما يتبع ذلك من التعرف على الحركات القصيرة والطويلة التي تتصل بكل حرف من فتحة وضمة وكسرة ثم ما يتبع ذلك مما تضبط به الكلمات من شدة ومدة ووصلة وسكون أقول قد آن الأوان لنقرر أن تلك الطريقة البسيطة التي تعلم النشء أولاً تلك الحروف والحركات والرموز ثم تعودهم تكوين كلمات فيها ثم تكوين جمل من الكلمات ثم موضوعات من الجمل وهكذا تلك الطريقة البسيطة هي ما يجب أن نعود إليه بعد أن ثبت إخفاق تجربة الطريقة الكلية,, والتي ولا شك انما قررت بحسن نية رغبة في تحسين عملية تعليم اللغة للنشء، والتي ينبغي أن يرجعوا عنها بكل شجاعة لنفس السبب وهو تحسين عملية تعليم اللغة للنشء,, هذه هي البداية، وبعدها تأتي بقية مراحل التعليم العام المختلفة ذلك انه أيضاً في هذه المراحل لا تعلم العربية الآن على وجهها الصحيح ورغم ما يبذله المسؤولون عن تلك المراحل في وزارة المعارف والرئاسة العامة لتعليم البنات من جهود مخلصة في ذلك المجال والسبب في عدم تعلم اللغة في مراحل التعليم المختلفة على وجهها المرضي هو ان تلك المراحل يهمل فيها أهم ما يطلب في تعليم اللغة وهو تكوين الملكة اللغوية عند المتعلم, وذلك ان تعليم العربية معتمد في مدارسنا الى الآن وبصفة أساسية على تلقين قواعد النحو منذ أواخر المرحلة الابتدائية وخلال المرحلتين المتوسطة والثانوية اللتين يضاف اليهما بعض قواعد الصرف ثم على تلقين قواعد البلاغة وبعض مصطلحات النقد في المرحلة الثانوية, هذا بالاضافة الى حشد معلومات عن عصور الأدب واعلامه وفنونه كل ذلك مع محاولة تحفيظ التلاميذ نماذج شعرية ونثرية تمثل العصور الأدبية المختلفة مشفوعة بشروطها ومحاولة الابانة عن مواطن الجمال فيها أو الكشف عن مواضع الضعف بها.
هذا كله مفيد ومطلوب لكن وحده لا يعلم العربية ولا يتيح للمتعلم مهما بذل من جهد أن تتكون لديه الملكة اللغوية التي يستطيع معها أن ينطق لغته بطريقة سليمة أو أن يكتبها بصورة قويمة أو أن يقرأها على وجهها الصحيح,, فلا قواعد النحو والصرف وحدها بمستطيعة أن تنطق المتعلم لغته ولا قواعد البلاغة ومصطلحات النقد فقط بقادرة على أن تجري قلم المتعلم بتلك اللغة، وانما هذه وتلك ضوابط وأدوات تعين وتمهد وتساعد وتيسر ولكنها لا تصنع ولا تبدع.
وعلى الرغم من ان الهدف الأساسي من عملية التعليم اللغوية يجب أن يكون تكوين الملكة فإن أموراً كثيرة تبعد بالعملية التعليمية عن هذا الهدف، فأولاً تزدحم المناهج بقواعد النحو والصرف ومصطلحات البلاغة والنقد التي تستغرق جل الوقت المتاح للعملية التعليمية وكذلك الساعات المقررة للدرس، وترهق المعلمين والمتعلمين دون أن تصل الى الهدف الأساسي وهو تكوين الملكة اللغوية وثانياً لا يفرد لدروس الاستماع والقراءة والكتابة والتعبير وقت يسهم ولو بقدر معقول في تكوين الملكة بينما كان يجب أن يكون أهم الأوقات وأفسحها لهذه الجوانب الأساسية في تكوين تلك الملكة,, حقيقة قد يكون هناك درس للانشاء بقصد تعليم التلاميذ الكتابة السليمة وقد يكون هناك درس آخر للقراءة بقصد تعويد المتعلمين النطق الصحيح، ولكن هذا الدرس وذاك شيء هامشي وجانبي في مجال التطبيق فهو لا يجد في مدارسنا من الاهتمام ما هو به جدير,, ثم ان عملية الاستماع اللغوية معدومة أو شبه معدومة على حين كان يجب أن تكون من الاهتمام في المقام الأول، وبخاصة بعد أن عرفت كل اللغات الحية طريقة التعليم ومن خلال معامل اللغات التي تهتم أساساً باسماع التلاميذ أكبر قدر من النصوص الصحيحة الجميلة الجذابة وتعويدهم محاكاتها,, انطلاقاً من حقيقة مقررة أصبحت من البدهيات وهي ان اللغة ملكة سماعية أي يكسبها الانسان عن طريق السمع، فبقدر ما يسمع المتعلم للغة تكون قدرته على نطقها وممارستها.
ان الدارس الذي أتم المرحلة الثانوية ولا يستطيع أن ينطق العربية سليمة أو يكتبها قويمة انسان قد ضيع اثنتي عشرة سنة من عمره هباء في محاولة لتعليم لغته دون أن يصل الى شيء ولن يعوض هذا الدارس أو لن يشفع له أن يعرف الكناية والاستعارة والمجاز والتشبيه فكل هذا لا طائل تحته ما دام صاحبه يلحن حين ينطق أو يقرأ ويخطىء حين يحرر أو يسطر,, ان المطلوب أساساً من متعلم اللغة أي لغة أن يجيد نطقها وكتابتها وبعد ذلك يأتي أي شيء آخر ولذلك أعود فأؤكد من جديد ان العملية التعليمية للغة العربية في مراحل ما قبل التعليم الجامعي يجب أن تتجه أساساً الى اعداد من يتم اختياره لهذه المراحل لكي يكون قادراً على ممارسة اللغة العربية الفصحى ممارسة صحيحة بأن يقرأها صواباً ويعبر بها صواباً ويكتبها صواباً,, كذلك أعود فأؤكد ان السبيل الى تحقيق هذه الغاية هو العمل على تكوين الملكة اللغوية لدى التلاميذ في هذه المراحل التي تسبق مرحلة التعليم الجامعي، وتكوين الملكة لا يكون بتلقين القواعد ولا بحشو رأس الدارس بالمعلومات ولا بكثرة الفروع المدروسة وتعدد الكتب في كل مرحلة، وانما يكون أساساً بتعويد التلاميذ أولاً نطق الحرف العربي نطقاً سليماً وكتابته كتابة صحيحة، ثم بتعويده نطق الكلمة العربية سليمة ثم استخدامها في تراكيب قويمة عن طريق تقديم النماذج الجيدة والانماط اللغوية المختارة من خلال النصوص المناسبة التي يجب أن يعيشها التلاميذ سماعاً وقراءة وكتابة وحفظاً ما أمكن، ولست في حاجة الى التذكير بأن خير معين في هذا المقام هو القرآن الكريم فهو يعلم نطق الحرف العربي وضبط بنية الكلمة العربية ويقدم أسلم النماذج للجملة العربية وأروع الأمثلة للتراكيب العربية في مختلف الحالات والأوضاع والمقامات كالايجاب والنفي والاستفهام والأخبار والتأكيد والترجيح وغير ذلك مما يندرج تحت التراكيب اللغوية.
للتواصل: ص, ب: 56165 الرياض: 11554 |
|
|
|
|