| مقـالات
قبل أسابيع أهداني الأخ الأستاذ عبدالرحمن بن سليمان الرويشد كتابه الذي ألفه عن الوزير عبدالله بن سليمان الحمدان، وتكلم من جملة ما تكلم عنه، عن عمله عند الملك عبدالعزيز، منذ بدء تأسيس المملكة حتى عقيب وفاة الملك عبدالعزيز ودور عبدالله بن سليمان في الأمور الاقتصادية بصفته وزير المالية، وما كان يتبعه من دوائر لا تدخل في نطاق هذه الوزارة.
وكان ابن سليمان قريباً من الملك عبدالعزيز بحكم عمله، ويأخذ تعليماته من الملك عبدالعزيز مباشرة كتابة، أو برقاً ، أو مشافهة، ويسارع إلى تنفيذها مما جعله يحظى بتقدير الملك عبدالعزيز رحمه الله -.
ورجح قيمة هذا الكتاب ما احتواه من وثائق أغلبها برقيات من الملك عبدالعزيز الى ابن سليمان، مما يدل على تقدير الملك عبدالعزيز لهذا الاختراع المدهش المفيد، وكلما مر الزمن تأكدت هذه الفائدة، حتى كادت كتابات الملك عبدالعزيز في بعض الأمور تقتصر على البرقيات، وهذا أيضاً يدل على همة الملك في سرعة انجاز شؤون الملك.
وقرأت هذه البرقيات، التي تسجل تاريخاً مضيئاً، وتشع نوراً على ما تم في هذه الحقبة، ووقفت مشدوها أمام برقية من الملك عبدالعزيز إلى ابن سليمان جواباً لاقتراح قدم للملك ليساهم في توفير بعض النفقات، لتخفيف الأزمة المالية، التي نتجت عن مقابلة متطلبات توحيد أجزاء هذه المملكة المترامية الأطراف، ولم تكن دهشتي عن جهل بطبيعة الملك أو حسن سياسته، ولكن لوجود الدليل هنا متكاملاً يشهد بما نعرفه عنه رحمه الله -.
كان الملك عبدالعزيز قد فتح مضيفاً يجد فيه القادمون ما يقوتهم أيام اقامتهم في الرياض، وكان أمراء المناطق يفعلون في مناطقهم مثل فعله، وكان هناك مخصصات أرزاق للعاملين معه، كباراً وصغاراً، وكانت الأرزاق التي تعطى من نوع جيد ومتميز، ولعل بعض ضعيفي الحال كانوا يبيعونها ويشترون أقل جودة منها, فيستفيدون من الفرق، وجاء الاقتراح ان لا يعطى هؤلاء من الأرزاق الجيدة, فماذا كان رد الملك عبدالعزيز على هذا الاقتراح؟
انتفض رحمه الله انتفاضة الأسد، وجاء صوته مدوياً برقياً بالحق، الذي لم يخطر على بال المقترح.
جاء الرد صاعقاً من رجل جمع كل صفات الجود، والوفاء، والتقدير، والاعتراف الأمثل للجميل، أكد ما قاله رحمه الله بعد نظر هذا الرجل الفريد، الذي يشعر بقوة اللحمة بينه وبين من يعملون في خدمته، جاء هذا الرد من رجل يراقب الله في كل صغيرة وكبيرة.
ما موقفه أمام الله لو قبل هذا الاقتراح؟ كأني به سأل نفسه هذا السؤال، لقد فضل أن يشع النور بدل أن يسدل ستار الظلمة، لقد فضل أن يرجح حساب أخراه على دنياه، مما عانى في هذه الحقبة من عسرة، وقابل من ضيق، لقد قبل أن تعاني الميزانية مقابل رفاهية ابناء امته، لقد تصرف تصرف ملك لا تصرف موظف، لقد نظر إلى المتن والى الحاشية.
سبر غور أحوال الناس، وعرف أعماق حياتهم، ودخائل أمورهم، ليس الأكل والشرب هو كل شيء، هناك أمور أخرى يحتاجها بيت الرجل، ما ضر لو أخذوا الممتاز وباعوه، واشتروا ما هو دونه جودة، ليرفدوا أنفسهم في بقية شؤون أسرهم، بعد أن تأمن عيشهم بما فيه الكفاف, لقد رفض الفكرة بإباء وشمم، فكسب بذلك رضا هؤلاء الناس، وتعمقت محبته في قلوبهم، وزاد ولاؤهم وتفانيهم، وهذا ربح كبير بثمن يسير, ولو لم يفعل وقبل المقترح لكسر خواطرهم وأشعرهم بدنو منزلتهم، وترك ندبا في النفوس لا يندمل.
الملك عبدالعزيز من الناس وللناس، يعرف ما يجلب فرحهم، وما يسبب ترحهم، يعرف ما يشغل أذهانهم، ويريح نفوسهم، هو في القمة، ولكنه يرى ما في السفح، عين صقر ساهرة تتابع كل نبرة وآهة، وبسمة ومسحة حزن.
والآن إلى الوثيقة، التي تعبر عن نفسها خير تعبير، وهي وثيقة يجب أن تكتب بالذهب، للاشعاع الذي صاحب فكر قائلها، وللنور الوهاج الذي تضيء به ما حولها:
رقم البرقية: 3659 .
تاريخ صدورها: 13 منه.
تاريخ ورودها: 13/4/57
ابن سليمان / الطائف
من طرف العيش، وانه يمكن من قواعد الخدام، فهل الخدام ما هم أوادم؟ وذولا مساكين، لازم يسنع لهم الشيء الطيب، ان باعوا استفادوا، وان أكلوا سدهم, الخدام هم الذي يمشون قدامنا بالسيوف، وهم الذي ملكنا ملكنا بالله ثم بهم .
عبدالعزيز
أجل قلب رحيم، ويد كريمة، ونظرة ملك، عرف فقدر، وأعطى فأجزل، حفظ الجميل، ورد بمثله, رحمه الله رحمة الأبرار، وقبل منه هذا العمل المجيد.
|
|
|
|
|