* عزيزتي الجزيرة,,.
سنة الحياة ثابتة من اول يوم خلق الله الدنيا وما فيها، فمرة نكون مسرورين ومرة نكون حزينين ويكون سرورنا على حسب قوة دواعي السرور وحزننا على حسب مسببات الحزن ومع ذلك تجد هذا الحزن تكون وطأته قوية وثقيلة فيثبت داخل مشاعرنا ولا نستطيع اخفاءه عن الاخرين مهما بذلنا لأن هذه المشاعر ان كانت حزينة او سعيدة لا يمكن لأحد ان يخفيها بل انها تتضح للجميع ويشاهدونها,, ولاشك ان في ذلك رحمة لنا لأنه عندما يشاهدنا البعض حزينين قد يسأل عن اسباب ذلك ويقف معنا ويحاول ان يخرجنا من هذا الجو الحزين,, ولكن كما قلت يكون الحزن بليغاً وسهامه متوغلة بداخلنا على حسب الشخص الذي حزنِّا بسببه اما بفقده او بتعرضه لكارثة من كوارث هذا الزمن الغريب,, ففي يوم الثلاثاء الماضي وأثناء توجهي الى مستشفى القوات المسلحة لزيارة ذاك الشيخ الذي يرقد فيه زيارة اخوية من باب التواد والتراحم ورغبة في الحصول على اجر زيارة المريض فعند دخولي مع بوابة المبنى الذي يوجد فيه واثناء وصولي لرجل الامن بالدور الارضي سألني الى اين انت ذاهب فقلت لزيارة كميخ المريخي,, فرد علي بصوت حزين قائلا ادع له بالرحمة,, وقفت احدقه بعيني ,, وبردت اعضائي وبقيت في مكاني واقفا,, ماذا تقول ,, اللهم ارحمه,, انا لله وانا اليه راجعون,, لله ما أخذ ولله ما اعطى.
وفي ظهر يوم الاربعاء 19/8/1421ه ذهبنا إلى مسجد الملك خالد بأم الحمام للصلاة عليه وحضر جمع كبير من المصلين وبعد ان قمنا بنقله الى السيارة التي تقله عدت الى المسجد مسرعا لكي ألحق به الى المقبرة وفي لحظة سريعة فإذا بي ارى ذلك الشخص الذي وقره الشيب الذي يسحب خطاه بهدوء داخل المسجد متواضعا يمسك بيد ابن الفقيد فهد مواسيا ومعزيا وداعيا للفقيد بالرحمة,, فإذا هو عبدالعزيز التويجري,, جزاه الله خيرا,, انطلقنا الى مقبرة الدرعية وهناك لم استطع التحكم بمشاعري عندما رأيتهم ينزلونه الى داخل القبر,, سالت دموعي من عيني,, نعم بكيتك ابا فدغوش وانا اعلم ان البكاء لن يعيدك إلينا,, بكيتك وانا اعلم انك ليس بحاجة الى البكاء بل انك بحاجة الى من يدعو لك بالرحمة,, بكيتك لأنني اراك بعيني والد الجميع وليس والداً لابنائك فقد بكيت عندما تذكرت ذلك الذي يوقره الشيب ويزيده عندما يقبل على المجلس تجد الجميع يوقرونه,, وتجد الجميع يستمع لحديثك الشيق الذي ينفرد عن كل الاحاديث.
بكيتك لأنني في لحظة وجودي بالمقبرة اعدت شريط الذكريات القديم وتصورتك عندما يدعوك والدي الى مأدبة غداء ونحن طلاب صغار بالمدارس ونحيط بالمجلس الذي تصدرته ولا نسمع متحدثا غيرك ويشدنا حديثك وننصت اليك رغم صغر سننا الا ان حديثك يتقبله الصغير والكبير,, بكيتك لأنك موسوعة تاريخية متنقلة رحلت عنا,, بكيتك لأنك رحلت عنا في زمن نحن في امس الحاجة إليك وإلى من هم مثلك,, بكيتك لأنك في وقتنا الحاضر لا تعوض,,بكيتك لانني اعتبرك قدوتي في هذه الحياة واعتبرني احد تلاميذك الذين اقتبسوا منك ما يفيدهم في حياتهم معلماً ليس معلم كتاب وسبورة بل معلم يملك اسلوب الإلقاء المباشر ويوصله الى المستمع بمهارته,, بكيتك لأنني اعتبرك نجماً غاب من سمانا ولن يعود,, ولأنني اعلم انك رحلت ورحل معك كل ما نريده ولا يمكن ان نحصل عليه في المكتبات العامة في كل الدول ولو بحثنا عن ذلك في رفوفها,, رحلت وبقت لدينا سيرتك عطرة ,, ابا فدغوش العالم يراك بأنك اب لأولادك ولكن في نظري انت العالم,, ابا فدغوش انت لم ترحل عن هذه الدنيا وإن رحلت فأنت بداخلنا تعيش,, فقد الاب ليس كفقد سائر الاشخاص بل له تأثير قوي ويترك فراغاً كبيرا فما بالك بفقد أب الجميع ماذا سيترك بعد، الاب له وجوده الكبير ويشغل مساحة واسعة,, انني لو اردت ان اكتب ما انهمر علي من افكار وذكريات في تلك المقبرة يوم الاربعاء الماضي لجف قلمي وانتهى الورق,, ولكنني اقول لقد تركت من بعد فراقك خير خلف لخير سلف,, لقد سمعت أحد ابنائك بالمقبرة وهو يقول لأحد كبار السن الذي يبكي بحرقة حنّا لكم فأقول له: نعم الابن ومن كان له أبناء مثلك فسوف يكون حياً لنا,, واقول صبرا جميلا فعزاؤنا يتضاعف في مثل هذا الفقيد,, وحزننا يزداد كل يوم عن سابقه ,, ولكن نقول: لله ما أخذ ,, ولله ما أعطى,,, وانا لله وإنا اليه راجعون
فأكرر عزائي لأبي ماجد وفهد وجميع افراد الاسرة.
وخير ما اختم به هذه الكلمات التي لن استطيع كتمها بداخلي ان اقول اللهم وسع مدخله,, وثبته على الحق ولا تفتنا من بعده,, وألحقنا به ونحن على الحق واجتناب الباطل,, اللهم عوضه بدار خير من داره وبزوج خير من زوجه,,.
والله الموفق
مناور صالح الجهني الأرطاوية
|