دوافع النوازع

دوافع النوازع
الروض

الروض بها ومتعة، وبهجة وسرور، يشفي العليل، ويواسي الكليم، ويبعث في الفؤاد الصفاء، ويضفي على الأرض رونقاً وبهاء، تراه مخضراً، والأزهار تتراقص فيه طرباً منه، وفرحة به، فيشدو الشادي وتأنس العين، فينسى ويتناسى المكظوم شيئاً مما يؤرقه ويضنيه، وللروض نسمة تدعو الى السمو، فيطرب الخاطر، ويرتاح البدن، ونسمة الروض خليط من روائح الأزهار تآلفت فتسابقت في نسج مزيج من النفح العاطر، استمتع بنو البشر بفوحه وجمال بهائه فأحبوه وحاولوا أن يرعوه.
ونحن أبناء الصحراء لنا به عشق قديم، وأكاد أجزم أنه لا يوجد على ظهر البسيطة من يهواه قدر هوانا له، ولا يستمتع به قدر استمتاعنا به, فعند قدومه نشد الرحال إلى حيث يكون، ننعم بالشقاء حوله، نطوي الفيافي، ونجتاز المهالك أملاً في رؤياه والاستمتاع بمفاتنه، نغادر القصور والبيوت والشقق، ونهجر الأواني المذهبة، والكراسي المدورة، والأيك المزخرفة، ونذهب حيث يكون الروض تحت ظل شجرة، أو داخل خيمة, نأنس بالاحتطاب وإيقاد النار، وتحضير الطعام ويكون المنظر أجمل، والرونق أبهى عندما تتساقط حبات المطر كأنها لؤلؤ وضّاء وينساب الماء بين الروض والأشجار فيزداد البهاء بهاءً والإبداع إبداعاً.
وفي مثل هذا المكان ولمثل هذا المنظر قال الكثير من الشعراء شعرهم, ولعلنا نختار ما قاله إبراهيم بن سهل فلعله يكون الأسهل للفهم:

الأرضُ قد لِبست رداءً أخضَراً
والطل ينشُرُ في رُباها جَواهرا
هاجت فخلت الزَّهر كافوراً بها
وحسبت فيها الترب مسكاً أذفرا
وكأن سوسنها يُصافح وردها
ثغر يُقبلُ مِنه خَدَّاً أحمرا
والنهرُ مابين الرياض تخالهُ
سيفاً تَعَلّقَ في نجَادٍ أخضَرا
وجرت بصفحته الصبا فحسبتُها
كفاً تُنمِّقُ في الصحيفة أسطُرا
وكأنه إذ لاحَ ناصِعُ فضّةٍ
جعلته كفُّ الشمسِ تبراً أصفرا
أو كالخدود بدت لنا مُبيضَّةً
فأرتدَّ بالخجل البياض معصفرا
والطيرُ قد قامت عليه خطيبةً
لم تتخذ إلاَّ الأراكه منبَرا

د, محمد بن عبدالرحمن البشر

أعلـىالصفحة

رجوع