أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 23rd November,2000العدد:10283الطبعةالاولـيالخميس 27 ,شعبان 1421

الاقتصادية

في الاقتصاد
الصناعات الصغيرة
د, سامي الغمري
يعتقد بعض المستثمرين اعتقادا خاطئا حول دور وفعاليات الأنشطة الصغيرة واعتبارها احدى الركائز الاقتصادية للدول الحديثة العهد الصناعي, وقد تتطالب بتهميش دورها المستقبلي وإمكانية تقليص أهميتها الاقتصادية إلى أدنى حد ممكن لها, كما تؤيد في نفس الوقت ان يتم التركيز وبشكل مكثف على الصناعات الثقيلة اساسا وتستدل على مرئياتها فيما تلعبه الصناعات الثقيلة الكثيفة (التمويل والعمالة) كسبب جوهري لمتانة اقتصاديات الدول الغربية, فكانت بداية انطلاقتهم منها واستمرت عليها نهضتها الصناعية الحاضرة, إلا أن هذا الاعتقاد يبدو وكأنه نتيجة تعميم غير منطقي, فعلى الرغم من الصناعات الصغيرة هي سمة من سمات العالم النامي في الوقت الحالي وغالبا ما تتواجد في مواقعها الإنتاجية القديمة أو أنها رمز الماضي فيها ورغم أنها تظهر بوضوح في انماط الحرف اليدوية إلا أنها تكاد تكون في كل مواقع الإنتاج العالمية بدون استثناء, فإن كانت الصناعات الصغيرة لم تستطع ان تواكب اساليب التقنية الحديثة وآلياتها المتطورة بنفس الحجم والمستوى الذي اقترنت به الصناعات الثقيلة إلا ان هذا لا يمنع تقليص دورها وعدم دعمها ماليا وتقنيا, فدورها لم يتناقص بتاتا كمساهمة في الاقتصاديات المتقدمة والنامية على حد سواء كما ترى وتنادي به تلك المجموعة, بل إنها زادت مشاركة وقبول حسن من جميع الأوساط الاقتصادية هناك, ففي الولايات المتحدة واليابان بقي نصيب مشاركتها في القطاع الصناعي يتراوح, بنسب متفاوتة لا تقل عن 25% من مجموع المصانع المقامة في الدولتين, بل وأصبح لها من الأهمية الاقتصادية بدرجة لم تعد بعد ظاهرة مرحلية في تاريخ التقدم الصناعي تختفي بموجبه حال ظهور صناعات من نوع وفورات الحجم الكبير والمتوسط, وقد ساعدت مؤخراً في ظهور الصناعات الثقيلة في بعض من دول العالم النامي مع أن الأخيرة ازدادت في أهميتها النسبية وازدادت في انتشارها وتبنيها ظاهرة الآلاف العملاقة غير القابلة للتجزئة لها, إلا ان الصناعات الصغيرة استطاعت الاستمرار فكانت أشد إصرارا في ثبات خطاها التنافسية, ومن المتغيرات الجيدة المصاحبة لهذا التغير التقني ما نجده من اتخاذ قرارات استثمارية تتركز في تحديث لمنشآتها بحيث كان من أهمها ما عم فيها نهج الإنتاجية التجارية وعظم بها اتباع سلوكية التحديث والتطوير السريع لمنتجاتها, ويمكن القول إن مشاركة الصناعات الصغيرة لم يتراجع في حقيقة أمرها ولم يعد ظاهرة مرحلية مؤقتة بل على النقيض تماما, فقد كانت قادرة على الصمود امام منافسة الصناعات الكبيرة الأقل تكلفة كما استطاعت ان تحقق عددا من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية لم تستطع صناعات الإنتاجية التجارية نفسها ان تقوم به, ولعل من أهم تلك الأهداف:
1 انها تعتمد على عمالة رخيصة الأجور بالمقارنة فمنها ما يقوم على عمالة تحتاج إلى التدريب المهني والكفاءة الفنية, والبعض منها يفتقد إلى أوليات ومبادئ القدرات والمهارات التأهيلية ذات التقنية المناسبة للنهوض بمستوى صناعي عالمي, إلا أن هذا لم يمنعها من محاولات معظم مستثمريها من توظيف الكوادر البسيطة والعمل لاحقا على تدريبها وتأهيلها تدريجيا, وهي بذلك قامت بتحمل مسؤولية تدريب العمالة في مراحلها الأولية ثم مد الصناعات المتقدمة بما تحتاجه من مهارات عالية.
2 تعتبر الصناعات الصغيرة حضانة للمشروعات الكبيرة فقد تمولها من حيث إنتاج المكونات التصنيعية والتركيبية والتكاملية والتفيذية للصناعات أخرى متممة لها غير مكلفة, فبعض من الصناعات الصغيرة تعتبر في حد ذاتها مغذية (ملقمة) لمراحل صناعية متقدمة تقوم بعدها الصناعات الكبيرة بتجميعها وإنتاجها في منتج واحد قابل للاستهلاك العام (الأجهزة الإلكترونية في جنوب شرقي آسيا).
3 تساهم الصناعات الصغيرة كنواة لعلاقات قائمة بين التجمعات الصناعية من حيث التنسيق والتكامل وبما يعود على المراكز التنموية ومناطقها الهامشية بالمنفعة المشتركة, وعلى سبيل المثال فقد تقوم بعض المؤسسات والشركات ذات الارتباطية الإنتاجية بفتح فروع لها في المناطق المجاورة لها, وبذلك فهي تساهم في نقل التنمية تدريجيا إليها بالإضافة ما يخصصه بعض المستثمرين كجزء من إمكاناتهم المالية لاستثمارها في تطوير بعض الموارد التي تحتاج إليها الصناعات الصغيرة في المناطق المجاورة.
4 تمثل الصناعات الصغيرة حجر الزاوية في بناء القوى الاقتصادية الموقعية, وهي مؤشر إيجابي على تقدم الموقع المقامة به, وتحرص حاليا على تنمية هذا القطاع معظم دول العالم خاصة التي تعد العدة لبناء قاعدة صناعية للقرن القادم, فالصناعات الصغيرة (500 عامل) تعتبر محركا قويا لعجلة التنمية الإنتاجية في مساندة الابتكارات التقنية والعملية المتتالية والتي ساعدت بدورها في رفع مستوى الأداء والكفاءات المهنية والتدريبية للعمال, مما انعكس على تزايد أهمية المشروعات الصغيرة في الإنتاج المحلي لدول العالم وعلى تطوير القطاعات الأخرى وتقوية أواصر التفاعل معها.
5 كما تبرز أهميتها في ارتباطها الموقعي لقانون التوافر النسبي لعوامل الإنتاج وعلى حجم السوق في الدول الحديثة العهد الصناعي, فيقضى قانون التوافر النسبي بأن يتخصص كل موقع بإنتاج المنتجات التي تمتص كميات كبيرة نسبيا من عوامل الإنتاج المتوافر بكثرة, بينما لا تمتص إلا القليل من عامل الإنتاج المتوافر بكميات قليلة, وحيث ان الصناعات الصغيرة أقل امتصاصا لراس المال وأكثر امتصاصا للعمل بالمقارنة مع الصناعات الكبيرة فإنه يترتب على تطبيق قانون التوافر النسبي لعوامل الإنتاج ان تعطي الأولوية في الاستفادة من إيجابياتها.
وهناك ملايين الناس الذين تراودهم في كل لحظة فكرة افتتاح مشروع صغير, وتعتبر عملية إنشاء هذا النوع من الصناعات عنصر مهم خطط استراتيجية التنمية والذي تطغى فيه الأهمية النسبية لعنصر رأس المال على الأهمية النسبية لعنصر العمل الأمر الذي يختلف عما هو معمول به في غالبية الدول النامية والتي تفتقر إلى رؤوس الأموال اللازمة لديها مع وفرة الأيدي العاملة الرخيصة فيها حيث تعتمد على الصناعات الصغيرة ذات الكثافة في عنصر العمل على الصناعات ذات الكثافة الرأسمالية، لما تتميز به المملكة من صفات اقتصادية لا تتوافر في كثير من دول العالم النامي.
على أن التنمية الاقتصادية الحقيقية لا تتطلب من المستثمرين التوسع في أنشطتهم ذات الصبغة الإنتاجية التجارية وإنما تستلزم ضرورة استمرارهم في المحافظة على انشطتهم التقليدية.
وعادة فإن المستثمر محل الاعتبار يحتاج إلى معرفة تامة مزودة بالمعلومات والاحصائيات اللازمة له قبل اتخاذ قراره, هذا بالإضافة إلى ان الصناعات الصغيرة تحتاج حاليا إلى أموال اكثر عما كان معروفا, ناهيك إلى أن معدل الربح المتوقع منها قد يكون معدلا منخفضا وعلى الأخص في بداية الإنشاء, إلا أن لها من الإمكانات ما تشجع الكثير في دخول مجالها خاصة الأفراد والمؤسسات العائلية ذات التمويل المحدود.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved